
حكم الأضحية والعقيقة والوليمة من مال حرام
نصيحة تحري الحلال
لو كل ماله حرام
وأما إن كان أكثر ماله حراماً، و كان مختلطاً
كيف نعرف المال ؟أهو من حلة أومن غير حلة؟
شخص نعرف أن ماله حرام ثم يأتي ليضحي ،فما هو حكم الإسلام في هذا المسألة؟وهل الأضحية التي ينحرها أو يذبحها هذا الرجل حلال أم حرام؟
وهل نأكل منها؟
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله
أن يرزقنا وإياكم التحري في الكسب الحلال والمطعم الحلال،
نصيحة تحري الحلال :"
وننصح هذا
الشخص وكل شخص لايتحري الحلال من باب إنكار المنكر ويرهّب بما ثبت من وعيد شديد أخبر به الصادق الأمين في قوله:"إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"( البخاري).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وإن هذا المال
حلوة... من أخذه بحقه فنعم المعونة، ومن أخذ بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع. وفي
رواية لهما: ويكون عليه شهيداً يوم القيامة"(البخاري ومسلم).
ويقول صلي الله عليه وسلم :" والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يوم القيامة يحمله"(البخاري ومسلم).
فالإنسان
مأمور بتحري الطيب الحلال من الطعام، والبعد عن المحرمات والمشتبهات.
فقد روى
مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل
إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل
كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً"(المؤمنون: 51).
وقال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) [البقرة: 172]، ثم ذكرالرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟".
وأما مسألة
الأكل من أضحية الرجل المذكور:
فقد اختلف الفقهاء في الأكل منه والتعامل معه:"
كل ماله حرام :"
وفيها تفصيل وهو أنكم إذا علمتم أنه ليس له سوى المال الحرام الذي اكتسبه ، فليس لكم الأكل من أضحيته المشتراة بالمال الحرام، قال الخرشي ـ رحمه الله ـ في شرحه على مختصر خليل:"وأما مَن جميع ماله يحرم الأكل منه، وقبول هبته ومعاملته، أي إن علم أن ما أطعمه أو وهبه قد اشتراه أي بعين الحرام". اهـ
ومن كان
كل ماله من الحرام، فيحرم أخذ شيء منه، وكذا إذا عُلم أن طعامه اشتراه بعين الحرام.
وهذا بخلاف ما ورثه، أو وهب له، أو اشتراه بثمن في ذمته.
وهذا التفصيل
ذهب إليه المالكية، انظر: حاشية العدوي على الخرشي.
وأفاد صاحب
الإقناع ـ وهو من أئمة الحنابلة ـ أن من كان ماله كله حراماً حرم الأكل منه.
وأما إن
كان أكثر ماله حراماً، و كان مختلطا:"
فيجوز الأكل من أضحيته وغيرها على الراجح علي تفصيل في المذاهب :"
فذهب الشافعية
إلى الكراهة. قال السيوطي في الأشباه والنظائر: "ومنها: معاملة من أكثر ماله حرام،
إذا لم يعرف عينه لا يحرم في الأصح لكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان، إذا غلب
الحرام في يده، كما قال في شرح المهذب: إن المشهور فيه الكراهة لا التحريم، خلافاً
للغزالي".
والقول
بالكراهة محكي في مذهب مالك أيضا، وقيل يمنع الأكل مما عنده وكذا قبول هبته.
وذكر محمد
بن مصطفى الخادمي الحنفي في كتابه بريقة محمودية:"أن المختار عندهم أنه إن كان
الغالب حراماً فحرام، وإن كان الغالب حلالا فموضع توقفنا".
وأما الحنابلة
فلهم في المسألة أربعة أقوال ذكرها ابن مفلح في الفروع وذكرها غيره، قال: "فإن
علم أن فيه حراما وحلالاً كمن في ماله هذا وهذا، فقيل بالتحريم... وقال الأزجي في نهايته:
هذا قياس المذهب، كما قلنا في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة، وقدمه أبو الخطاب في
الانتصار في مسألة اشتباه الأواني، وقد قال أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه. وسأل المروذي
أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده؟ قال: لا. قد لعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: "آكل الربا وموكله". وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف
عند الشبهة، ومراده حديث النعمان بن بشير، متفق عليه.
والثاني:
إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل وإلا فلا، قدمه في الرعاية لأن الثلث ضابط في مواضع.
والثالث:
إن كان الأكثر الحرام حرم وإلا فلا، إقامة للأكثر مقام الكل، لأن القليل تابع، قطع
به ابن الجوزي في المنهاج، وذكر شيخنا ـ ابن تيمية ـ إن غلب الحرام هل تحرم معاملته؟
أو تكره؟ على وجهين، وقد نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد فيمن ورث مالاً: إن عرف
شيئاً بعينه رده، وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه، أو نحو ذلك.
ونقل عنه
حرب في الرجل يخلف مالاً: إن كان غالبه نهباً أو ربا ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه إلا
أن يكون يسيراً لا يعرف، ونقل عنه أيضا: هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالا مضاربة
ينفعهم وينتفع؟ قال: إن كان غالبه الحرام فلا.
والرابع:
عدم التحريم مطلقاً، قل الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام
وقلته، وجزم به في المغني وغيره وقدمه الأزجي وغيره.. انتهى من الفروع 2/660 في باب
صدقة التطوع.
وقال المرداوي
في تصحيح الفروع بعد ذكر القول الرابع: قلت: الصحيح الأخير على ما اصطلحناه. ثم ذكر
أن هذا هو الصحيح من المذهب.
والمسألة
بحثها جمع من الحنابلة في باب الوليمة من كتاب النكاح.
والحاصل أن من كان جميع ماله من الحرام حرم الأكل منه، وإن كان ذلك هو الغالب، أو الأكثر: كره، إلا ان يكون طعامه قد اشتراه بعين المال الحرام فيحرم.
كيف نعرف المال ؟أهو من حلة أومن غير حلة؟
فالعمل
في مثل هذه الأحوال يبنى على الظن الغالب، ويبقى مجال الورع أوسع لمن أراد الاحتياط،
قال الخادمي في بريقة محمودية: إن تعارضت الأدلة، فإن ترجح جانب الحرمة؛ فيجب العمل
به، وإن الحِلُّ؛ فجائز العمل، والورع تركه.
وإن لم
يترجح جانب؛ فجانب الحظر راجح على الإباحة.
وإن تعارضت
العلامات الدالة على الحل والحرمة، كأن يخبر عدل بأن هذا المتاع حلال، وآخر حرام، فإن
ظهر ترجيح؛ حكم به. وللورع الاجتناب، وإن لم يظهر؛ يجب التوقف. اهـ.
فإذا غلب
على ظن المسلم بقرائن الأحوال، وبما سمعه من أخبار عن هذا الرجل- أن ماله كله حرام؛
فعليه العمل بغلبة ظنه، ويجتنب هذه الأطعمة، وينصح أهلها ومن يعرف بذلك.
وأما إن كانت غلبة الظن بمجرد وجود الحرام في ماله -وإن كثر، أو غلب- ولكن خالطه مال حلال، ولو قليل؛ فحينئذ لا يحكم بحرمة الطعام، وإن كان اجتنابه أفضل،
قال ابن تيمية :" إن كان ذلك الرجل معروفًا بأن في ماله حرامًا، ترك معاملته ورعًا.وإن كان أكثر ماله حرامًا، ففيه نزاع بين العلماء. اهـ.
وقال أيضًا:
إذا كان في أموالهم حلال وحرام، ففي معاملتهم شبهة، لا يحكم بالتحريم إلا إذا عرف أنه
يعطيه ما يحرم إعطاؤه"(
ولا يحكم
بالتحليل إلا إذا عرف أنه أعطاه من الحلال، فإن كان الحلال هو الأغلب؛ لم يحكم بتحريم
المعاملة، وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل: بحل المعاملة. وقيل: بل هي محرمة.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم