
من سنن الله الكونية إهلاك أهل الفساد
إخوة الإسلام: إنه إذا انتشر الفساد، وظهر الإلحاد، وجاهر الناس بالذنوب، ولم يجدوا
من يأخذ بأيديهم، حيث تخاذل الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فغيرُ
عزيزٍ على الله سبحانه، وهو ذي العقاب الأليم، والبطش الشديد، أن يصيبهم بما أصاب
من قبلهم، ومن حولهم من المكذبين:"قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ
فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ
تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ"(الأنعام:65).
وقال تعالى في المكذبين محذراً من يفعل أفعالهم:"دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا"
(محمد:10). وقال:"إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"(الفجر:14). وقال سبحانه:"وَمَا هِيَ مِنَ
الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ"(هود:83).
فاتقوا الله أيها المسلمون! وقوموا بما أوجب الله عليكم، وخذوا على أيدي سفهائكم،
واشكروا نعمة الله عليكم بالعمل بشريعته، وأدوا الأمانة التي تحملتموها:كما صح بذلك
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخرجه البخاري رحمه الله عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلكم راعٍ وكلكم
مسئولٌ عن رعيته} وكلٌ على حسب حاله ومسئوليته، وليس أحدٌ معذوراً أمام
الله:"أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ
لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ
لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:45 - 47].
وقال تعالي:" وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"(الإسراء/16)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"(هود/117)
قوله تعالى : وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
" بظلم " أي بشرك وكفر .
وأهلها مصلحون أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق ; أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفساد ، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان ، وقوم لوط باللواط ; ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك ، وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب . وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده . وقد تقدم . وقيل : المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مسلمون ، فإنه يكون ذلك ظلما لهم ونقصا من حقهم ، أي ما أهلك قوما إلا بعد إعذار وإنذار .
وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى ما كان ربك ليهلك أحدا وهو يظلمه وإن كان على نهاية الصلاح ; لأنه تصرف في ملكه ; دليله قوله : إن الله لا يظلم الناس شيئا . وقيل : المعنى وما كان الله ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون ; أي مخلصون في الإيمان . فالظلم المعاصي على هذا .
. وإن أمة أهلها مصلحون آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر
قائمون بحقوق العباد أمة لا يكثر
فيها الخبث الذي يستلزم الإهلاك في الدنيا.
وبهذا يظهر لك جلياً أنه لا تعارض بين الآية وما في معناها والحديث ودلالته. وأن
الإصلاح المتعدي هو صمام الأمان والمنجي من عقوبات الدنيا. أما الصلاح وحده،
فيهلك أهله، ويبعثون على
نياتهم أي أنهم ينجون بصلاحهم في الآخرة لا في الدنيا.