
خير الناس خيرهم لصاحبه
الدرس الخامس عشر
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله وبعد
حديثنا اليوم في خير الناس عن خيرهم لصاحبه كما صلي الله عليه وسلم :" خيـرُ
الأصحابِ عند الله خيرُهُم لصاحبه"(الترمذي
وأحمد).
"خَيرُ الأصحابِ عند اللهِ"، أي: أكثرُهم ثوابًا وأجرًا عند اللهِ "خيرُهم لصاحبِه"، أي:
ببَذْلِ النَّصيحةِ
ورَفْعِ الكَرْبِ عنه، وكافَّةِ صُوَرِ الإحسانِ والتَّعاونِ مِن الصَّاحبِ لصاحبِه،
خير الأصحاب خيرهم لصاحبه، وجاء في الحديث الآخر: "ما تحاب الرجلان
في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه".إذا كان الرجلان متحابين في الله
عز وجل، فأحبهما إلى الله عز وجل الذي يحب صاحبه أكثر.
فهنا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه،
فلا يصاحبه لأجل الدنيا أو يريد أن ينتفع منه أكثر نفعاً، ولكن يحبه في الله تبارك
وتعالى، وكلما ازدادت المحبة كان أقرب إلى الله.
الصاحب ساحب والصاحب المخلص نعمة :"خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ "
، فمن أعظم نعم الله ـ جلَّ وعلا ـ على عبدِه أن يَرزُقَه صاحبًا ناصحًا أمينًا صادقًا عاقلًا،
يتَّقي اللهَ فيه، ويكون له عونًا على طاعة الله ،وعلى اجتنابِ معاصيه، ويعلِّمه وينصحه
ويُرشِدُه وينبِّهُه إلى أخطائه حتَّى يَترُكَها، ويشجِّعه على فعل الخير، ويَحُوطُه من ورائه
،ويُمِيطُ عنه الأذى، ويعينه على مصالحه الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، ويعيش في كَنفه آمنًا
مطمئنًّا، وعن عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه قال:"عليك بإخوان الصِّدقِ فعِشْ في
أكنافهم ـ يعني في ظِلالهم وجوانبهم ـ؛ فإنَّهم زيْنٌ في الرَّخاء، وعُدَّةٌ في البلاء"(ابن
أبي الدُّنيا)
خير الناس خيرهم لصاحبه هو من يرغِّبكَ في طاعة الله، وينهاك عن معصيته، فلا
يغُشُّك ولا يخونك، بل يعاملك بالنُّصح والصِّدق والأمانة والوفاء، ويعلِّمك إذا جهلتَ،
ويذكِّرُك إذا نسِيتَ، ويَنصَحُك إذا أخطأتَ، ويستر عيبَك، ويحفظ سِرَّك، ويَحمي عرضَك،
فهو يَعرفُك في السَّرَّاء والضَّرَّاء، ويزورك في الرَّخاء والبلاء، ويعينك على البرِّ
والتقوى، ويمنعك من الإثم والعدوان، قال ذو النُّون المصري رحمه الله:"بِصُحْبَةِ
الصَّالِحِينَ تَطِيبُ الْحَيَاةِ، وَالْخَيْرُ مَجْمُوعٌ فِي القَرِينِ الصَّالِحِ، إِنْ نَسِيتَ ذَكَّرَكَ وَإِنْ ذَكَرْتَ
أَعَانَكَ" ،فلا يجمعُ بينك وبينه إلَّا المحبَّةُ في الله والسَّعيُ في مرضاته، قال النَّبيُّ صلى
الله عليه وسلم: "سبعة يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ… و رَجُلَانِ تَحَابَّا في الله
اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ"(متفق عليه)، فتحاببُهما وتآلُفُهما يدور عَلَى طاعة الله ونيلِ
رضاه،
وجودًا وعدمًا اجتماعًا وتفرُّقًا.
فينبغي للعاقل أن يحرصَ على هذا النَّوع من الإخوان والأصدقاء ،ويبحثَ عنهم، فقد
صاروا في هذا الزَّمان عملة نادرة ، وكنزا ثمينا ، وصاروا من أعزِّ الأشياء وجودًا،
وأصعبها تحصيلًا ،وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله: “ما أُعطي عبدٌ بعد
الإسلام خيراً من أخ صالح؛ فإذا رأى أحدكم ودّاً من أخيه فليتمسّك به”. وقال الحسن
البصري –رحمه الله-: “إخواننا أحبّ إلينا من أهلنا وأولادنا؛ لأن أهلنا يذكّروننا بالدنيا،
وإخواننا يذكّروننا بالآخرة”.
خير الناس للناس حرص علي الإخلاص في صداقته لصاحبه لعلمه بماقاله رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله أُناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء
والشهداء بمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله
على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور،
ولا يخافون إذا خاف الناس». وقرأ هذه الآية: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ "(يونس: 62- صحيح الترغيب
والترهيب).
خير الناس للناس خيرهم لصاحبه كامل الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحب
لله، وأبغض لله،
وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان"( أبو داود والترمذي ).
خير الناس للناس أحب صاحبه لله فأطاع الله فيه كما
قال الإمام الشافعي:
أُحب الصالحين ولست منهم
لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي
ولو كنا سواءً في البضاعة
فرد عليه الإمام أحمد:
تحب الصالحين وأنت منهم
رفيق القوم يلحق بالجماعة
وتكره من بضاعته المعاصي
حماك الله من تلك البضاعة
والمرء يُحشر ويكون مع من أحب يوم القيامة فلينظر من يخالل ومن يحب، وليختر من
يقربه إلى الله ويعينه على طاعة الله حتى يكون من الفائزين ومن السعداء في الآخرة.
ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله
عليه وسلم: متى الساعة؟ قال: «ما أعددت لها؟» قال: لا شيء إلا أني أحب الله
ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت». قال أنس بن مالك رضي الله عنه: فما فرحنا
بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فأنا
أُحب النبي صلى الله عليه
وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم.
ونحن نُشهد الله أننا نحب رسول الله وأبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وجميع أصحاب
الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل التابعين لنهجه المنير ونتضرع إلى الله بفضله
لا بأعمالنا أن يحشرنا معهم جميعاً بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين.
خير الناس للناس أحب صاحبه فالمتحابون في الله تدوم صحبتهم وتبقى مودتهم
لبعضهم بعضاً أحياء وأمواتاً، قال تعالى: "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ "(الزخرف: 67).
وخير الناس دائماً يقول لصاحبه :" إني أحبك في الله، ويبرهن على صدق ما يقول
بحسن المعاملة والإحسان إليه حتى يصدقه ويكافئه بمثل ما يصنع معه. صلى الله عليه
وسلم قال:"إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه"(أبوداود).
وفى الحديث الذي رواه وغيرهما من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: «يا معاذ والله إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ: لا
تدعنّ أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"( أبو
داود
وأحمد).
وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل به
فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أأعلمته؟" قال:
لا، قال:"أعلمه" فلحقه فقال: إني أحبك في الله. فقال: أحبك الله الذي أحببتني له"( ابو
داوود ).
خير الناس يحب صاحبه محبة صادقة خالصة، محبة نشأت لله فتدوم لوجه الله، لأنه
من أحبك لشيء أبغضك عند فقده، ومن لقيك بشيء فارقك عند فقده، فمن أحبك لدنياك
كرهك لفقرك، ومن أحبك لوظيفتك فارقك لعزلك، ومن أحبك لمنصبك فارقك عند تغير
أحوالك، إذاً فانظر من تحب، وانظر أولئك الذين جمعت أرقامهم وأسماءهم في دليل
هاتفك، أسألك: هل تستطيع أن تخرج عشرة من هؤلاء تُعدُّهم للنوائب؟ هل تستطيع أن
تجمع من مجموع من عرفت وخالطت وجالست وصادقت وخاللت وتعرفت.. هل
تستطيع
أن تخرج من هؤلاء خمسة أو عشرة؟
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها
صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد مخلصا
هذه هي الأخوة الصادقة، والمحبة في الله وهذه هي حقيقتها، فإن الحب في الله لا تُبنى
إلا على أواصـر العقيدة وأواصر الإيمـان، تلكم الأواصر التي لا تنفك
عراها أبداً.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم