
خير الناس من يصبر علي أذي الناس
الدرس الحادي والعشرون
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول
الله وبعد فياجماعة الإسلام نقف اليوم مع
خير الناس للناس وهو رجل عنده جلد وصبر ومثابرة يصبر علي أذي الناس ولايعتزلهم لقوله
صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا كان مخالطاً
الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"(الترمذي).
نعم هؤلاء المهتمون بالشأن العام من يصبر
علي أذي الناس فهو أيضاً "خير الناس أنفعهم
للناس"
أيها الناس:" إنّ الاهتمام بالشأن
العام يمثل ميزة خاصة تميّز النخبة من الناس. هذه النخبة التي تدرك أنّ طاقاتها أكبر
من أن تحصر ضمن ذواتها الخاصة،ومن هنا جاءت النصوص الدينية لتصف هذه النخبة بأنهم خير
الناس، ومردّ ذلك، أنهم فهموا أنفسهم على نحو أفضل من الآخرين، ما يؤهّلهم إلى استحقاق
ذلك الوسام الذي يجعلهم خير الناس.
وفي ذلك ورد عن رسول الله أنه قال:"خَيرُ
النّاسِ مَنِ انتَفَعَ بِهِ النّاسُ" إنّ من يعيش منحصرًا في حدود مصالحه الخاصة،
فهو لا يصنف ضمن خير الناس، لجهله بقدراته الذاتية، بخلاف من يتجهون للعمل في الشأن
العام، الذين هم أكثر فهما لذواتهم، وأكثر تنمية لقدراتهم وطاقاتهم، وأبلغ تأثيرًا
في المحيط الاجتماعي الذي يعيشون ضمنه. يقول صلي الله عليه وسلم :"الْمُؤْمِنُ
الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ،أَعْظَمُ أَجْراًمنَ الْمُؤْمِنِ
الَّذِي لاَيُخَالِطُ النَّاسَ،وَلاَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ"(ابن ماجه).
ومساعدة الناس سلوك إسلامي عظيم، وخلق من
الأخلاق التي يجب أن يلتزم بها المسلم مع الجميع، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم
يقول: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ
إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً،
أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ
أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ
يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ،
وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا،
أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ"(الطبراني وحسنه).
وهذاالحديث الشريف يؤكدعلى ضرورة الايجابية
في تقديم يد العون والمساعدة للناس جميعا، مسلمين وغير مسلمين، فالذي يقضي حوائج الناس
ويسعى في قضاء مصالحهم، أعظم أجرا من المعتكف في بيوت الله..وذلك دليل على قوة الإيمان بالله.
فخير الناس الذي يعمل في الشأن العام ويقوم
علي مصالح الناس سيواجه بمشكلات كثيرة وأمورجسيمة لذا يجب أن يتعلم من سيرة الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم الإيجابية:" على المسلم أن يكون إيجابياً ويمد يد العون
والمساعدة، ويتعاون مع كل العاملين معه، وفي محيط الأسرة والسكن وغير ذلك في الحياة
اليومية،وأن يبادر في الشأن العام داخل المجتمع،
إيجادالحلول"وعلى المسلم أن يقدم الحلول،التي
تحمل الخيروتحقق الفائدة للمجتع..
المنافسةالشريفة:"التنافس الشريف مع
الآخرين في مواقع العمل،ويكون الهدف منه خدمة الصالح العام، فكل ذلك يصب في النهاية
لخدمة المجتمع، يقول صلي الله عليه وسلم:"إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛
فإن استطاع ألاتقوم حتى يغرسها فليغرسها"(البخاري) ففي هذا استنهاض لاستمرار العزم
في الموطن الذي يمكن أن ينهار فيه..
وأن تكون مشاركته في أمور تفيد المجتمع
وفعالة فيبتعد عن الصغائر والشؤن التافهة يقول صلى الله عليه وسلم- لأصحابه:"إن
الله تعالى- يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها"(الطبراني في الأوسط).
جماعة الإسلام :" المشاركة في الشأن
العام تحتاج إلي رجال علي قدر أهل العزم تؤتي العزائم وطريق الانخراط
في الشأن العام ليس مفروشًا بالورود والرياحين. ذلك أنّ من ينخرط فيه يكون محلًا لتلقّي
الأعباء، وبذل الجهود، وتقديم التضحيات، ناهيك عمّا يواجهه من مشاكل متوقعة؛ لما في
الشأن العام من آراء متغايرة،واهتمامات مختلفة ومنافسين آخرين. لذلك كانت مهمة الرسل القيام بالأمور الجسام الكبيرة
وكلما كانت المهمة شاقة اختارالله عزوجل لهارجال شداد سموا بأهل العزم وأولو العزم
هم أهل الصبر وقوة تحمل المشاق من المرسلين الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم قى قوله
تعالى:"فَاصْبِرْ كَمَاصَبَرَأُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ"وقد قال العلماء
في تحديد أولي العزم من الرُّسل بأنهم: نوح،وإبراهيم، وموسى،وعيسى،ثُمّ خاتم الأنبياء
والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم،فهم خمسةُرسل كرام تحملواأشدأنواع الأذى من أقوامهِم،ولكنهم
صبرواأجمل الصبر وأكمله، فكانوا أهلاً للعزم والصبروالجد.
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
**وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها**وَتَصْغُرُ
في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ**وَقدعَجِزَتْ
عنهُ الجيوشُ الخضارمُ..
عباد الله:"والمشاركون في الشأن العام
ثلاثة ومن أبرزها:"
المسارالفردي، بأن يتوجه المرء بنفسه نحو
القيام بالعمل العام، سواء كان بتقديم الخدمة للفقراء ومساعدة المحتاجين، أو نشر الثقافة
والمعرفة، أو التصدّي لعمل اجتماعي أو سياسي معيّن، وهذه درجة من درجات الانخراط في
الشأن العام. تحتاج إلي همة عالية و"رجل ذو همة يحي الله به أمة" وهذا نوع
من الانخراط الفردي في الشأن العام، الذي يستطيع كثيرون القيام به دون أيّ قيود.
أما المسار الثاني فهو المسارالجمعي العمل الجماعي،أوما يطلق عليه بالمؤسسات الاجتماعية
ومنظمات المجتمع المدني.الذي يلتئم ضمن جمعيات خيرية،أو لجان عاملة، في أيّ مجالٍ من
المجالات، كحقوق الإنسان أو البيئة أو مساعدة الفقراء أو الثقافة. وهذا المسار الثاني
متقدّم على المسار الفردي؛ لأنّ العمل الجمعي أكثر بركة، واستدامة، وتنظيمًا،من العمل
الفردي. ونحمد الله أنّ في مجتمعنا العديد من المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني
العاملة.ويقوم عليها رجال يخافون الله ويخشونه يعملون علي التكافل الاجتماعي ورعاية
الفقراء والمساكين والأرامل واليتامي..يقول صلي الله عليه وسلم :"السَّاعِي عَلَى
الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ
الصَّائِمِ النَّهَارَ"(البخاري).
وهناك مسارثالث للتصدي للشأن العام ،ويتمثل
في الانخراط ضمن المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.
فقوام عمل البرلمان مثلًا،هوالاهتمام بالشأن
العام؛لكون أعضائه ممثلين عن الشعب ومعبّرين عن آراء ومطالب الناخبين. وكذلك مجالس
الأحياء،والنقابات,والجمعيات الخيرية،والنوادي الرياضية،فهذه بأجمعها مؤسسات رسمية
والمشاركة ضمن أعمالها درجة متقدمة من درجات الاهتمام بالشأن العام.
إخوة الإسلام :" وتتفاوت المجتمعات
حيال مسألة الانخراط في الشأن العام. فهناك مجتمعات تتوفر فيها بيئة دافعة للنشاط العام،
في مقابل مجتمعات أخرى تسود فيها حالة التثبيط والإحباط،فهناك مجتمع يشدّ على يد العاملين
في الشأن العام من أبنائه، ويقدّم لهم التشجيع والشكر على جهودهم، وهناك مجتمع آخر
يواجههم بحالة من التشكيك والتثبيط، وقد يرشقهم بمختلف التّهم والافتراءات.
وأفضل مثال نقتبسه من هدي رسول الله صلي
الله عليه وسلم قوله :"من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين يضرب" بدلوه فِي دلائهم،
وله بها مشرب فِي الجنة، فأتى عثمان لليهودي فساومه بها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى
نصفها باثني عشر ألف درهم. فجعله للمسلمين، فَقَالَ لَهُ عثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:
إن شئت جعلت على نصيبي قرنين، وإن شئت فلي يَوْم ولك يَوْم. قَالَ: بل لك يَوْم ولي
يَوْم. فكان إذا كَان يَوْم عثمان استقى المسلمون مَا يكفيهم يومين. فلما رأى ذَلِكَ
اليهودي قَالَ: أفسدت علي ركيتي، فاشتر النصف الآخر، فاشتراه بثمانية آلاف درهم"(البخاري)
.
ويقول صلي الله عليه وسلم: من يشتري بقعة
آل فلان، فيزيدها في المسجد، بخير منها في الجنة؟"(مسلم).إنّ التصرف الأمثل حيال
عمل المنخرطين في الشأن العام، هو أن يدعمهم المجتمع بالتشجيع في حال النجاح، وأن يرفدهم
بالنقد الإيجابي في حال الفشل، ففي تلك الحالتين تكمن المساعد الحقيقية لهم.
فخير
الناس للناس الذي يعامل الناس ويصبر علي أذاهم
وصلي
اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم