
خير الناس للناس المصلح بين الناس
الدرس التاسع عشر
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فلازلنا
بصدد الحديث عن خير الناس للناس وخيرهم الذي معنا اليوم المصلح الذي يصلح بين الناس قال تعالي :" لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ
إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ
فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"(النساء/ 114).
أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ والإصلاح
لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة
ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض،
بل وفي الأديان كما قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"
وقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " الآية.
وقال تعالى:" وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"
والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت
بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.
كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله
عمله ولا يتم له مقصوده كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ"
فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل
على ذلك الاستثناء.
ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص،
ولهذا قال:"وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا" وخير الناس للناس هو الذي يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي
كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين،
وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا، لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل.
وخير الناس هو الذي يصلح بين الناس ولايفسد بينهم "أو إصلاح بين
الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من الصَّلاة والصِّيام
والصَّدَقة ؟ قُلنا: بَلَى يا رسول الله، قال
إِصلاحُ ذاتِ البَيْن (العَداوةِ والبَغضاءِ)، وإفسادُ ذات البَيْن هي الحَالقةُ"(أبو داود، والتِّرمذيُّ).
خير الناس للناس علم أن الإصلاح بين الناس
فريضة اجتماعية يقوم بها من صفت نفوسهم وقويت عزائمهم، ورسخ إيمانهم فأصلح بينهم.
وقد حض القرآن على الإصلاح بين الناس سواء
أكانوا جماعات أم أفرادا لأن التخاصم والتنازع يؤدى إلى انتشار العداوات والمفاسد بين
الناس.
قال تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث
التي تحض على الإصلاح بين الناس ومن ذلك ما رواه ابن مردويه عن محمد بن يزيد بن حنيش
قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده.
فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري
الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح أردده على. فقال:
صلى الله عليه وسلم:"كلام ابن آدم كله عليه لا له".
إلا ذكر الله تبارك وتعالى- أو أمر بمعروف
أو نهى عن منكر".
فقال سفيان: أو ما سمعت الله في كتابه يقول:
لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.
فهو هذا بعينه.
عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمى خيرا أو يقول
خيرا" وقالت: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث:"في الحرب.والإصلاح
بين الناس. وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها"(أحمد وأبو داود والترمذي).
ففي هذه الأحاديث الشريفة دعوة قوية إلى
الإصلاح بين الناس حتى يعيشوا في أمان واطمئنان.
وخير الناس علم أن للإسلاح بين الناس أهمية
ومنها .
الإصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو خير
كله "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"(النساء/128).
وبالإصلاح تكون الأمة وحدة متماسكة ، يعز فيها الضعف ويندر فيها الخلل ويقوى
رباطها ويسعى بعضها في إصلاح بعض .
و بالإصلاح يصلح المجتمع وتأتلف القلوب وتجتمع الكلمة وينبذ الخلاف وتزرع المحبة
والمودة .
والإصلاح عنوان الإيمان في الإخوان"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ "
(الحجرات/10).
وأنه إذا فقد الإصلاح هلكت الشعوب والأمم وفسدت البيوت والأسر وتبددت الثروات
وانتهكت الحرمات وعم الشر القريب والبعيد .
والذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه وخبثت نيته وساء
خلقه وغلظت كبده فهو إلى الشر أقرب وعن الخير أبعد
.
وخير الناس المصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها ، نفسه تواقة للخير مشتاقة ،
يبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح .
وخير الناس المصلح علم ما للإصلاح من فضل فسارع لنيل هذا الفضل قال
تعالى"وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ"(الأعراف
/170).
وقال تعالى "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ"(الشوري/40).
وقال صلي الله عليه وسلم " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟
قالوا : بلى ، قال : صلاح ذات البين ، فإن
فساد ذات البين هي الحالقة "(أبو داود ).
وقال صلي الله عليه وسلم : " ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة , وصلاح ذات
البين , وخلقِ حسن"(صحيح)."
وقال صلي الله ليه وسلم :" كل سلامي من الناس عليه صدقة ، كليوم يعدل بين الناس
صدقة "(البخاري).
* قال أنس رضي الله عنه " من أصلح
بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة "
وخير الناس المصلح ينمي خيراً ويقول خيراً بين المتخاصمين لعلمه أنه صلى الله عليه
وسلم رخض بذلك فقال " لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي [ بدون تشديد
بمعنى نقل ما فيه خير وصلاح
وبالتشديد الإفساد ] خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا "(البخاري).
. قال بن شهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث :
الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها"
(البخاري).
فالله يصلح بين المؤمنين .
ومن عظيم بركة الرب وعفوه ورحمته أنه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ، عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه
ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال
: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من
أخي ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ للطالب : فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته
شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري ، قال : وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالبكاء ثم قال : إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يُحمل عنهم من أوزارهم ،
فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فرفع رأسه فقال : يا رب أرى
مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ أو لأي صديق هذا ؟ أو
لأي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن أعطى الثمن ، قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : أنت
تملكه ، قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : يا رب فإنى قد عفوت عنه ، قال
الله عز وجل : فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
ذلك " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإن الله يصلح بين المؤمنين "
(رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد).
وأخيرا ..
إن المكــارم كلها لو حصلت
رجــعت جمــلتها إلى شـيئين.
تعظـيم أمـر الله جـل جـلالـه
والسعي في إصلاح ذات البيـن.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم