المسجد الجامع وأهميته في الإسلام
يقول الله تعالي:" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ
وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"(التوبة:/18).
أصل كلمة مسجد في اللغة العربية وماهو الجامع؟
المسجد :"
هو الموضع الذي يسجد فيه، وكل موضع يتعبد فيه فهو مسجد، حيث قال الله تعالى :"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ"(البقرة:114).
ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :"...وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا..(البخاري).
أما الجامع :"
فهو نعت للمسجد، ونعت بذلك لأنه علامة الاجتماع، وفي الصدر الأول كانوا يقتصرون على كلمة مسجد، ثم صنفوا فقالوا المسجد الجامع، وآونة يضيفونها إلى الصفة فيقولون مسجد الجامع، ثم تجوز الناس واقتصروا على الصفة فقالوا للمسجد الكبير الذي تصلى فيه الجمعة وإن كان صغيراً الجامع؛ لأنه يجمع الناس لوقت معلوم.
المَسْجِد أو الجامع هو :"
دار عبادة المسلمين،
وتُقام فيه الصلوات الخمس المفروضة وغيرها، وسمي مسجداً لأنه مكان للسجود لله، ويُطلق
على المسجد أيضاً اسم جامع، وخاصةً إذا كان كبيراً، وفي الغالب يُطلق على اسم "جامع"
لمن يجمع الناس لأداء صلاة الجمعة فيه فكل جامع مسجد وليس كل مسجد بجامع، كذلك يطلق
اسم مصلى بدل من اسم مسجد عند أداء بعض الصلوات الخمس المفروضة فيه وليس كلها مثل مصليات
المدارس والمؤسسات والشركات وطرق السفر وغيرها التي غالباً ما يؤدى فيها صلاة محدودة
بحسب الفترة الزمنية الحالية، ويدعى للصلاة في المسجد عن طريق الأذان، وذلك خمس مرات
في اليوم.
وكان المسجد هو أول مبنى تشهده المدينة
المنورة العاصمة الأولى للدولة الإسلامية مباشرة بعد وصول النبي محمد عليه الصلاة والسلام
مهاجرا من مكة، وشكل هذا المسجد إحدى ركائز بناء مجتمع مسلم من جميع النواحي الدينية
والسياسية والاجتماعية.
المساجِد التي أمَر الله أنْ تُرفَع ويُذكَر فيها اسمُه، كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يتلقَّون العلوم والتوجيهات من مُعلِّمهم وقائدهم في المسجد، فكان هو المدرسةَ والكليَّة، ويا لها مِن مدرسة وكليَّة أنحبت العلماء والمتفقِّهين وقادةَ الجيش وجنوده ودُعاة الإسلام ومُنقِذي الأمم من الضلالات!
وفي الحقيقة أن أهمية المسجد تنقسم إلي أقسام ثلاثة وهي:"
١ أهمية المسجد من ناحية العبادة.
٢ أهمية المسجد من ناحية التربية .
٣ أهمية المسجد المتعلقة بالمجتمع
أهمية المسجد من ناحية العبادة إنّ للمسجد
أهمية عظيمة من الناحية التعبدية، ومن ذلك ما يأتي:
صوت الأذان ينطلق من المسجد في اليوم خمس مرات، ليترك الناس أعمالهم، ويذهبوا إلى المسجد ويذكروا ربَّهم، فهو مقرٌّ لإقامة الصوات المفروضة. هو مقرٌّ لاجتماع المُسلمين في يوم الجُمعة. تؤدَّى فيه الصلوات غير المفروضة كذلك؛ كالعيدين، والكُسوف والخُسوف، وغيرها. هو مكانٌ للعبادات الأُخرى؛ كقراءة القُرآن، والذكر، والاعتكاف، ومكانٌ للعلم والفقه.
ربط الله بين المسجد وبين السُجود، والذي
هو أشرف أعمال الصلاة؛ لما فيه من قُرب العبد من ربِّه، ورغّب الله ببنائها، لما فيها
من ذكر وتضرُّع، وخضوع لله، كما أنَّها أماكنُ تأسيس التقوى، وعبادة الله، وفيه يجتمع
المسلمون فيما أهمَّهم من أمر دينهم ودنياهم.
إنّ الصلاة والعبادة هي المقصود الأساسيّ
للمسجد؛ ولذلك جاءت الكثير من الأدلَّة التي تحثُّ على الصلاة في المسجد، بل إن صلاة
الجُمعة لا تصحُّ إلاّ في المسجد، كما أن المسجد مكانٌ للاعتكاف، وتفرُّغ المُسلم لطاعة
ربِّه، وما خصَّ الله به المسجد من السُنن؛ كصلاة تحيّة المسجد عند دُخوله.
2- أهمية المسجد من ناحية التربية لا تقتصر أهمية
المسجد على الناحيّة التعبُديّة فقط، بل يمتدّ ذلك ليشمل الناحيّة التربويّة، والتعليميّة،
وتهذيب السُلوك، ومما يؤكد ذلك قيام النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- ببناء المسجد فور
وُصوله إلى المدينة؛ لنشر الدعوة، وتعليم الصحابة، وتشجيعهم على العبادة وحفظ القُرآن،
وكذلك إقامة حلقات الوعظ فيه؛ لما فيها من تثبيت الإيمان وترسيخ العقيدة في قُلوب المُسلمين،
ودعوتهم إلى الأخلاق الإسلاميّة.
فقد كان النبيّ صلي الله عليه وسلم يتّخذ من
المسجد مكاناً للتعليم، والتربية، كما أنَّه كان يستقبل الوُفود في المسجد، ويُعلمهم
القُرآن، والسُنّة، والأحكام الشرعيّة.
بالإضافة إلى أنَّ المسجد هو المركز الرئيسيّ في
الدعوة، وتوجيه الناس نحو الإيمان، وإبعادُهم عن المعاصي، ومن المسجد الحرام انطلقت
دعوة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- نحو العالم، ومنهُ جهر بدعوته، وسار صحابتهُ من
بعده على هذا النهج والطريق، فجعلوا من المساجد منابر يُرشدون الناس من خلالها.
وبقي المسجد على مدار التاريخ الإسلامي مركزاً لتعليم
الصِغار والكِبار، وتحقيق الأهداف العمليّة لتربية الناس، والشباب، والأطفال، فخرج
منهم العُلماء والفُقهاء، فكان للمسجد مكانته في التّوجيه الروحي والمادي، ومدرسةً
للعلم والأدب.
3- أهمية المسجد المتعلقة بالمجتمع يُعدُّ
المسجد المكان الذي يتساوى فيه جميع أفراد المُجتمع، وتذوب فيه حواجز الكِبر والأنانيّة
بينهم، ليُصبح الجميع في ساحة العُبوديّة الصادقة لربِّهم، ووهو يوحّد الأُخوة بينهم،
كما أنّه اللبنة الأولى لقيام المُجتمع,لما فيه من تعارُف المُسلمين فيما بينهم، وتفقّد
أحوال بعضهم، وذلك من خلال اجتماعهم في الصلوات، وفيه تتوطّد العلاقات من خلال التناصح
فيما بينهم، وإجابة الدعوة، وإعانة المحتاج والضعيف، وإفشاء السلام، وطلاقة الوجه وطيب
الكلمة، والتواضع وقبول الحقّ، وتتوطد العلاقات
الاجتماعيّة بين المُصلِّين من خلال حُسن التعامُل فيما بينهم .
لقدْ كان المسجد هو المؤتمر، ومشعَّ النور وموضِع العبادة، وطُمأنينة القلوب وراحة الأبدان، تُقام فيه الصلوات ويُتدارَس القُرآن الكريم، وتُعقَد فيه حلقات الذِّكر، ويخرُج الناس منه بمصالح دِينهم ودُنياهم، فيا لها مِن رسالةٍ زهِد المسلمون فيها! لقد عُمرت المساجد بالبناء وزُخرفت بأنواع التحلية، ولكنَّها خُرِّبت ممَّا عمرت له، وقلَّ رُوَّادها، اللهمَّ إلا لمساجدِ الجُمُعة،
وفي وقت الصلاة فقط، وقلَّ المتقدم للصلاة، وزهِد في البَدَنة وما بعدها ورَضِي بالبيضة، والبعض زهِد فيها فلم يحضرْ إلا في أثناء الخطبة، أو عندَ إقامة الصلاة، والكثير زهِد في هذا وذاك فلم يحضرْ حتى لصلاة الجمعة، بل تشاغَل عنها بأعمالٍ دُنيوية أو بملذَّات حيوانيَّة أو بنُزهةٍ غير نزيهة..
مصيبةٌ أصابتِ المسلمين حين ابتعَدُوا عن دِينهم
إنَّها مصيبةٌ أصابتِ المسلمين في أعزِّ مكانٍ لديهم، وأعظم بقعةٍ وأشرف مكان، بيوت الله التي أمَر - سبحانه وتعالى - بتعاهُدها وتطهيرها، زهدوا في أماكن الخير والبركة، والعزَّة والكرامة، واستبدلوا بها أماكن النفاق والنزاع، والذلة والمهانة؛ ولهذا تعقَّدت قضاياهم وتنافَرتْ قلوبهم وتناكَرتْ نفوسُهم، ودخل الأعداء بينهم وذلُّوا لهم، وأصبحوا يطلبون منهم النصر والتأييد.
إنَّها مصيبةٌ أصابتِ المسلمين حين ابتعَدُوا عن دِينهم ومَواطن عزِّهم وكَرامتهم، ابتعَدوا عن المساجدِ التي لا ذلَّة فيها إلا لله الواحد الأحد الفَرْد الصمد، ابتَعَدوا عن المساجِد التي تتعلَّق بها قلوبُ الصالحين وتُكتب الخطا للسائرين إليها، ويتعارَف المسلمون فيها ويتفقَّد بعضهم أحوالَ بعض، ويتراصون فيها صُفوفًا يلصق بعضهم كعبه ومنكبه في كعب البعض الآخَر كأنَّهم بنيانٌ مرصوص، متراصين بأبدانهم بعدما تقارَبتْ قلوبهم، يقِفون بين يدي الله الخالق الرازق الناصر لمن نصَرَه، يقِفون سواسيةً لا فضل لعربيٍّ على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى،
وبذلك يعرفون كيف يَقِفون صَفًّا واحدًا متراصين أمام عدوِّهم، لا يُفكِّر بعضهم في خذلان بعض، ولا الفرار عنه، قد عرَف عقوبة الفار ممَّا تلقَّاه في مدرسته وكليته، مسجد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك العلماء والقادَة الشجعان، أولئك العلماء الذين تعلَّموا لا ليُمنحوا شهادة الأوراق، ولكن لينالوا ثوابَ الله وفضلَه، وقد أثابهم الله ونوَّه بذِكرهم وفضلهم، وقرَن شهادتهم العالية والحقيقيَّة بشهادته - جلَّ وعلا - وشهادة الملائكة؛
فقال - سبحانه وتعالى -:" شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "(آل عمران: 18).
فهذه الشهادة الحقيقيَّة والمنقبة العظيمة للعلماء العامِلين لله على بصيرة، تلك رسالةُ المسجد وفوائده التي زهِد المسلمون فيها إلا مَن قلَّ منهم، إنَّها مصيبةٌ أنْ يُصاب المسلمون، ومصيبةٌ أعظم ألاَّ يحسوا أنَّهم قد أُصِيبوا!
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم