التكبير وفضله
الدرس الثامن والعشرين
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فمن حكم وأسرار الصيام والتي لاتحصي ولاتعد التكبير قال تعالي:"وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"(البقرة/185).
عباد الله:"تتمثّل
الحكمة من التكبير في العيدين بالمقصود من ذكر الله سبحانه وتكبيره،وهوأن نحيي عظمة
الله عزّ وجلّ، وكبريائه في القلوب، حتى تتوجّه جميعها إليه وحده سبحانه، وبذلك تُقبل
على طاعته، وتحبّه، وتتوكّل عليه دون سواه، فهو الكبير الذي لا يوجد أكبر منه، وهو
الملك الذي كل من سواه عبيدٌ له، فإذا عرف قلب العبد تلك المعاني، أقبل على الله عزّ
وجلّ، وامتثل أوامره، واجتنب ما نهى عنه، ولهج لسانه أكثر بالحمد والذكر والتكبير،
وتحرّكت جوارحه لعبادته بالتعظيم والمحبة والانكسار، وإن أيقن العبد أن اللهَ أكبرُوليس
فوقه كبير اطمئن قلبه وسكنت جوارحه فهو يعلم يقينأً أن ماكان يأتيه لم يكن يخطئه وأنه
لن يضره أحد..
وبالتكبير تطمئنّ
نفس الإنسان عند اضطرابها، ويسكن قلبه عند حيرته، وتنام عينه إذا سهرت وجفاها النوم،
فإذا حرص الإنسان على التكبير في الأوقات المشروع فيها؛ كان لذلك أثرٌ طيّبٌ على صلته
بالله سبحانه، وخضوعه لعظمته وجلاله.
ثمّ إنّ تكرار
التكبير في المواطن التي شرعها الله تعالى كالعيدين له أثرٌ وفضلٌ إيمانيٌّ كبيرٌ في
نفس المسلم وحياته، ويرتقي بصاحبه إلى الدرجات العليا، والمنازل الرفيعة، ويجدّد عهد
الإيمان فيه، ويقوي ميثاقه الغليظ، كما يزيد ارتباطه بربه العلي الكبير،
والحكمة من التكبير
في العيدين أنَّ فيه إظهارَ شَعائرِ الإسلامِ.وإنّ تعظيمَ الله عزّ وجل مِن أجلّ العبادات
القلبية ومن أهمّ أعمال القلوب التي يتعيّن ترسيخها وتزكيةُ النفوس بها،،فجاء التكبير
ب ( الله أكبر ) ليبرهن أن كل ما يلقى في روع الإنسان أوما يتوهمه عن جلال الله وعظمته
لا يليق بالله تعالى؛وذلك لأن الله تعالى موصوفٌ بصفات الكمال والجلال التي لا يدرك
كنهها وكيفيتها إلا هوجلَّ جلاله وتعالى سلطانه،وأن كل طاعة للعبد مهما بلغت من الإحسان
فإن حق الله أكبروأعظم منها..
عباد الله:"
والتكبير ذكر لله وتعظيم له سبحانه و فضله عظيم فالتكبير شُرِع أيضا لدفع العدو من
شياطين الإنس والجن، والنار التي هي عدوّ لنا..أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة ليبين
أن الله أكبر وتستولى كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار فيكون الدين
كله لله ويكون العباد له مكبّرون فيحصل لهم مقصودان مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله
ومقصود الإستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق
والنصر..
فقدجاء التكبير
مكرَّراً في الأذان في أوله وفي آخره والأذان
هو الذِّكر الرفيع ـ والإقامة:"ومن سمع لفظ التكبير فالسنة أن يردد اللفظ خلف
المؤذن .
والتكبير هو اللفظ
الذي يعني الدخول في الصلاة بتكبيرة الإحرام وهوأيضا عند الركوع والسجود؛وفي سجود السهو
وسجود التلاوة. التكبير بعد الصلوات المفروضةوقد كان يعلم انقضاء صلاة النبي صلى الله
عليه وسلم بالتكبير،أي عندما يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصواتهم بالتكبير
بعد الصلاة"الله أكبر الله أكبر وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ثلاثاً
وثلاثين.." :"اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"(العنكبوت/ 45). .
والتكبير لرؤية
الهلال فكان رسول الله إذا رأى الهلال قال:"الله أكبر،اللهم أهله علينا بالأمن
و الإيمان،و السلامة والإسلام ،والتوفيق لما تحب و ترضى،ربي و ربك الله"(حسن).
والتكبير يطفيء
الحريق قال صلى الله عليه وسلم :" إذا
رأيتم الحريق ، فكبروا،فإن التكبير يطفئه"(حسن).،
والتكبير عند الخروج
إلى السفرف:"كان صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثاً"(مسلم).
والتكبير عند الصعود
كان صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً أي المكان المرتفع كبر ،وكان يوصي بذلك أصحابه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"كنا
إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا"(فتح الباري بشرح صحيح البخاري).
والتكبير عند الذبح عن أنس رضي الله عنه قال:"ضحى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين . قال:"ورأيته يذبحهما بيده
. ورأيته واضعا قدمه على صفاحهما . قال : وسمى وكبر ". وفي رواية : بمثله غير
أنه قال : ويقول :"باسم الله ،و الله أكبر"(مسلم).
#التكبيرعند سماع
خبر مفرح ففي الحديث الطويل الذي في الصحيحين :"أخرج بعث النار ... من كل ألف
تسعمائة وتسعة وتسعين..) وقال صلى الله عليه
وسلم قال :"أبشروا ، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا ، ثم قال : والذي نفسي
بيده ، إني أرجو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : فَكَبَّرْنَا.
فكبرنا ، فقال : أرجو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فكبرنا ، فقال : أرجو
أن تكونوا نصف أهل الجنة . فكبرنا "
#والتكبير في صلاة
الجنازة على الميت يكبر أربع تكبيرات:التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام ثم الفاتحة التكبيرة
الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة وبعدها يدعو للميت بما ورد من أدعية
التكبيرة الرابعة وبعدها الدعاء له ولأهل الميت، ثم يسلم عن يمينه وعن يساره".
عباد الله:"
والتكبير أحد معالم
الحج والعيد: فالتكبير عند رمي الجمرات وعند الصعود من منى إلى عرفات وعند الطواف وغيرها
من مواطن التكبير في المناسك.
والتكبير في العشرالأوائل
من ذي الحجةوجاء في الحديث الصحيح:"كان ابن عمر و أبو هريرة يخرجان إلى السوق
في أيام العشر يكبران و يكبّر الناس بتكبيرهما ..
والتكبير يكون
في ليلة عيد الفطر حتى صلاة العيد لقوله تعالي:"وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"(البقرة/185).
المرادَ بالعِدَّةِ:
عِدَّةُ الصَّومِ، والمراد بالتَّكبيرِ:"التكبيرُ الذي يكونُ بعدَ إكمالِ العِدَّةِ،
وإكمالُها يكونُ بغُروبِ شَمسِ آخِرِ يَومٍ من رَمضانَ.. عن أمِّ عطيَّةَ، قالت:"كنَّا
نُؤمَر بالخروجِ في العيدين، والمُخبَّأةُ، والبِكرُ. قالت:"الحُيَّضُ يَخرُجْنَ
فيكنَّ خلفَ الناسِ، يُكبِّرْنَ مع الناسِ". وفي رواية: "فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم"(البيهقي)
.
وعن ابنِ عُمرَ
رَضِيَ اللهُ عنهما:"أنَّه كان يَجهَرُ بالتَّكبيرِ يومَ الفِطرِ إذا غدا إلى
المصلَّى، حتى يخرُجَ الإمامُ فيُكبِّرَ"(مالك). .وهو عملُ أهلِ المدينةِ على
التَّكبيرِ في عيدِ الفِطرِ .
و للتكبير في صبيحة
يوم العيد مزيد فضيلة.
فيستحب التكبير
في الطريق إلى المصلى ويستحب رفع الصوت بالتكبير للرجال و يكبرالنساء ويسمعن أنفسهن
بلا رفع صوت .فإنه يسن التكبير في ليلتي العيد: عيد الفطر وعيد الأضحى، ويبدأ التكبير
في عيد الفطر من غروب الشمس ليلة العيد، وينتهي بخروج الإمام إلى مصلى العيد للصلاة.
قال الشافعي رحمه
الله:"يكبر الناس في الفطرحين تغيب الشمس ليلة الفطر فرادى وجماعة في كل حال،
حتى يخرج الإمام لصلاة العيد، ثم يقطعون التكبير"اهـ
وأما التكبير الذي
يقال بعد الصلوات وهو التكبير المقيد فإنه خاص بعيد الأضحى، ويبدأ من صبح يوم عرفة
إلى عصر آخر أيام التشريق.
وأما صيغة التكبير
:"
فمن أهل العلم
من يرى أنه يكبر ثلاثا تباعاً فيقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
وقال النووي رحمه
الله في المجموع: صيغة التكبير المستحبة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر. هذا هو المشهور
من نصوص الشافعي.
وقال في منهاج الطالبين: وصيغته المحبوبة: الله أكبر
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثم قال ابن تيمية
رحمه الله في المجموع: قال الشافعي في المختصر: وما زاد من ذكر الله فحسن.
وقال الشافعي في الأم: أحب أن تكون زيادته الله أكبر
كبيراًوالحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا ،لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه
مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب
وحده، لا إله إلا الله والله أكبر. واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على
الصفا، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما
..
ودرج المصريون
من قديم الزمان على الصيغة المشهورة وهي:"الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان
الله بكرة وأصيلاً ، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب
وحده ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، اللهم
صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد
وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا"، وهي صيغة شرعية
صحيحة قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :"وإن كبر على ما يكبر عليه الناس
اليوم فحسن ، وإن زاد تكبيرًا فحسن ، وما زاد مع هذا من ذكر الله أحببتُه " اهـ
.
وبناء على ذلك
فمن ادعى أن قائل هذه الصيغة المشهورة مبتدع فهو إلى البدعة أقرب ؛ حيث تحجَّر واسعًا
وضيَّق ما وسعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقيد المطلق بلا دليل ،
ويسعنا في ذلك ما وسع سلفنا الصالح من استحسان مثل هذه الصيغ وقبولها وجريان عادة الناس
عليها بما يوافق الشرع الشريف ولا يخالفه،ونهيُ من نهى عن ذلك غير صحيح لا يلتفت إليه
ولا يعول عليه .
ونسأل الله عزوجل
أن يلحقنا بالصالحين وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم..