
خير الناس للناس َآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوف
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله ..
لازلنا بصدد الحديث عن خيرالناس للناس ومعنا اليوم صفة من صفات خير الناس بل
هي صفة من صفات خيرية الأمة الاسلامية جمعاء صفة الآمر بالمعروف كما قال تعالي
:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ "(آل
عمران:110 ).
وقال صلي الله عليه وسلم :" خير الناس آمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ"
: إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفْشَى. وفي هذه الآية مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك
واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتَواطَؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم
اسم الذّمّ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم
وفي المقابل فإن من ترك الأمر بالمعروف فقد ارتضي بالمنكر وزهد في هذه الخيرية، وتنصل من أخص وصف لهذه الأمة، وتشبه بأهل الكتاب الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:" َانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ"(المائدة/79).
عباد الله :" يخبر تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خير الأمم، فقال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: خَيْر النَّاسِ
لِلنَّاسِ؛ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ"(الْبُخَارِيّ).
وَهَكَذَا قَالَ ابنُ عباسٍ ومجاهد وعطية العُوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ يَعْنِي:"خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:"تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ".
نعم:" كنتم خيرَ الناس للناس، بأعمالكم الطَّيبة للناس: تنفعونهم، وتُرشدونهم إلى
الخير، وتدلّونهم عليه، وتأمرونهم به، وتنهونهم عن ضدِّه، فكنتم بهذا خيرَ الناس
للناس، وإن كان فيمَن قبلنا دُعاةٌ إلى الخير، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر،
الأمر موجود، الرسل كلهم بُعثوا بهذا، الرسل كلهم عليهم السلام بُعثوا بالأمر
بالمعروف والنَّهي عن المنكر جميعًا، ولكن هذه الأمّة امتازت بمزيد عنايةٍ، وبمزيد
اهتمامٍ بهذا الأمر، وحرصًا عليه؛ ولهذا أثنى عليهم بقوله:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ"(أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ). مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُولِ
الله صلي الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ، كُلُّ قَرْنٍ بِحَسْبِهِ، وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعِثَ
فِيهِمْ رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي
الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي: خيارًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ"
(البقرة:143).
ولذا قال ابن كثير: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة. وقد ورد وصف المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آيات أخر، منها قوله تعالى :" التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ "(التوبة: 112).
وقوله سبحانه وتعالى :"الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ"(الحج:/41).
عباد الله:" والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم سبب نجاة المجتمع من الهلاك الذي ربما أصابه بسبب الذنوب الحاصلة، وتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى بالمعاصي من ارتكاب المحرمات، والإعراض عن الواجبات،"فما نزل بلاءإلا بذنب ومارفع إلا بتوبة "وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مثلاً بديعاً حين قال: " مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعً"(البخاري).
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا
يقول:"لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج
مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش:"فقلت يا رسول
الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث"(البخاري)
ولا يكثر الخبث في مجتمع من المجتمعات إلا إذا قل فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم الذين
يلونهم، كما قال- سبحانه - في الآية الأخرى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ
عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
وقد وردت أحاديث متعددة في فضل هذه الأمة الإسلامية، فعن حكيم بن معاوية بن
حيدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" أنتم توفون سبعين أمة أنتم
خيرها وأكرمها على الله تبارك وتعالى"(أحمدوالترمذي وابن ماجة).
والمعنى: وجدتم يا معشر المسلمين العاملين بتعاليم الإسلام وآدابه وسنته وشريعته
خير أمة أخرجت وأظهرت للناس، من أجل إعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل،
ونشر الإصلاح والنفع في الأرض.
ثم بين سبحانه الأسباب التي جعلت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس
فقال:تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.
والمعروف: هو كل قول أو عمل حسنه الشرع، وأيدته العقول السليمة، والمنكر بعكسه.
والمعنى: وجدتم خير أمة أخرجت للناس، لأنكم تأمرون بالمعروف أى بالقول أو الفعل
الجميل المستحسن في الشرائع والعقول.
فأنت ترى أن الخيرية للأمة الإسلامية منوطة بتحقيق أصلين أساسيين: أولهما:"الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر لأنهما سياج الدين، ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على
الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما، فهما من الأسباب التي استحق بنو إسرائيل اللعنة من
أجل تركهما، فقد أخرج أبو داود في سننه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم:"إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلقى
الرجل فيقول له: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد على
حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب
بعضهم ببعض ثم قال صلّى الله عليه وسلّم:" لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى
لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ،
ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ،ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا،ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا،أَوْ
لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ،ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ"(أَبُو داود والترمذي).نعم
خير الناس للناس بل خيرأمة من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..
وعن النهي عن المنكر انتظرونا في الحلقة القادمة
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي ىله وصحبه وسلم