recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة | سيجعل الله بعد عسر يسراً | لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 


سيجعل الله بعد عسر يسراً

أمن يجيب المضطر إذا دعاه

كيف كان حال الأنبياء والصالحين في الفرج والشدة؟

هل هناك للشدائد فوائد؟

اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ  وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ

لاتفكروا كثيراً في كيفية الفرج

متي نصرالله؟

تحميل الخطبة pdf

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماص عليك ياسيدي يارسول الله .

أمابعد فياعباد الله :"  

حديثنا إليكم اليوم عن موضوع من مواضيع الإيمان، موضوع من مواضيع أعمال القلوب، التي لا يستشعرها، ولا يعيش لحظاتها، إلا من أوقد الله قلبه بحرارة الإيمان، وعمّره برياض ذكر الله عزوجل، والإقبال عليه، وخشيته بالسر والعلانية، إنه موضوع فيه احتساب للأجر، وفيه صبر لله تعالى، وفي ذات الله ، وصبر على أقدار الله سبحانه، يقول الله تعالي ": "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"(النمل- 62).

فمن الذي يجيب المضطر إذا رفع يديه لله  يطلب منه المدد؟ ومن الذي يجيب المسلم في

 لحظات الكرب والشدة، وهي يهتف داعياً ربه منيباً إليه، طالباً منه العون وتفريج تلك

 الهموم؟ "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرً"(الشرح 5-6.)

عباد الله :"

إن العباد إذا نزلت بهم الشدائد فإنهم سرعان ما يقنطون، والله  جعل لكل أجل كتاباً، وجعل لهذا الهم نهاية، ولهذا الكرب تفريجاً، ولكن العباد يستعجلون، والله سبحانه يعجب ويضحك من قنوطهم ومن قرب فرجه، كتب عمر إلى أبي عبيدة يقول: "مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين".

عباد الله :" 

كيف كان حال الأنبياء والصالحين في الفرج والشدة ؟

فلوتأملنا لوجدنا نبي الله يوسف لما صار في ظلامة الجب، ثم في ضيق السجن، كرباً على كرب، وهماً على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله ، وهي قريب من المحسنين، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة، وهذا يعقوب: عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه، فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهم، وهذا يونس في بطن الحوت: لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه، وهذا نبينا محمد شكي لله قلة حيلته وضعف قوته وهوانه علي الناس فاصبر لحكم ربك إنك بأعيننا ويأتيه جبريل بملك الجبال ولكنه يقول عسي الله أن يخرج من أصلابهم رجلاً يوحدالله ..

وهذه عائشة رضي الله عنها: لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون،

 وهي منها بريئة، فصار رسول الله صلي الله عليه وسلم يدخل عليها فلا يكلمها، ولا

 يتلطف معها كما كان يتلطف،  حتى انقطع دمعها، وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج

 الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها، ونزلت براءتها

 من فوق سبع سموات :" إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ  لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ

 هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ.."(النور11).

عباد الله :"

إن للشدائد فوائد :"

بالرغم من أنها مكروهة للنفس، فمنها: أن الله يكفر بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، ويدفع الكربُ المكروبَ إلى التوبة، ويلجأ إلى الله، وينكسر بين يديه، وهذا الانكسار أحب إلى الله من كثير من العبادات، أن ينكسر المخلوق لله سبحانه، وأن يشعر بذله أمام الله، وأن يشعر بحاجته إلى ربه، وافتقاره إلى خالقه، فينقطع إلى الخالق ويترك المخلوق، وهنا يتحقق التوحيد، ويتنقى من أدران الشرك بأنواعها، ويخلص الإنسان لربه.

و كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. وكان إذا حزبه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث. و قال: دعوة المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. وقال دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.


عباد الله:"

"اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ  وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ"(الشورى-19).

وهذه ألطاف الله قد تخفى على الكثيرين.

وكم لله من لطف خفيٍ يدق خفاه عن فهم الذكي

وكم من يسرأتى من بعد عسروفرج لوعة القلب الشجي

وكم من هم تساء به صباحاً فتعقبه المسرة بالعشي

إذا ضاقت بك الأسباب يوماً فثق بالواحد الأحد العلي

تتجلى في هذه الآية معاني التوحيد، وتتبدى العظمة الإلهية والقدرة والإحاطة والعلم، وتظهر العناية والرحمة من الله عز وجل. فمن يتأمل في هذا اللطف الإلهي وهذه الرعاية الواسعة وهذا الرزق الوفير الذي يمنحه قوى لا يخشى مغبة إنفاق عزيز لا يعجزه شيء، تنعقد في قلبه محبة الله عز وجل ووجوب طاعته والذل بين يدي العزيز سبحانه وتعالى.

قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

وهــو اللطيف بعبده ولعبده *** واللطف في أوصافه نـوعـانِ

إدراك أسـرار الأمـور بخُـبره *** واللـطف عند مواقع الإحـسانِ

فيـُريك عزته ويُبدي لطــفه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشانِ

"اللطف في الرزق من وجهين، أحدهما: أنه جعل رزقك من الطيبات، والثاني: أنه لم

 يدفعه إليك بمرة واحدة فتبذره".

وَسُئِلَ أعْرَابِيٌّ عَنِ الدَّليلِ عَلَى وُجُودِ اللهِ ؟ فَقَالَ: الْبَعَرَةُ تَدِلُّ عَلَى الْبَعيرِ، وَالرَّوْثَةُ تَدِلُّ عَلَى الْحَمِيرِ، وَآثَارُ الْأَقْدَامِ تُدْلِ عَلَى الْمَسَيَّرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ، أَلَا يَدِلُ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ ؟!


 عبادالله :"

لاتفكروا كثيراً في كيفية الفرج

 ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺷﻴﺌﺎ ﻫﻴﺄ له ﺃﺳﺒﺎﺑﻪ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ

 البال  فهذا التاجر  قد تحل به خسارة ، أو كساد وتتراكم عليه الديون، وتنزل به

 الأحزان و الهموم فلا يحزن إن صبر واتقي سيفرج الله همه، ويذهب حزنه وغمه،

 وسيجعل له من الضيق مخرجاً، ويبدل حالته بعد العسر يسراً.

وهذا الشاب: 

الذي تعرض للفتن من كل جانب، وتلقى العنت والمشاق في الصبر على الشهوات، وهم

 توفير المهر والزينة، اصبر فإن الله مع المحسنين، وكما فرج الله لغيرك، فسيفرج لك،

 ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً من :"إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ

 وَاسِعٌ عَلِيمٌ"( النــور 32).

عباد الله :"أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد


فيا من اضطر لطلاق زوجته :"

في ذات الله وإرضاءً لله، قد يجتمع عليك جيش الهموم، لا تحزن ما دمت قد فعلت ذلك

 إرضاءً لله، فإن الله يقول في سورة الطلاق في نهايات الآيات:"لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ

 بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"(الطلاق-1). "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"(الطلاق 2-3)."قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق -3). "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"(الطلاق-4). "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"(الطلاق-7). 

نهايات عجيبة تنتهي بها آيات الطلاق، لماذا؟ لأن الطلاق شيء كبير، وفيه هم عظيم

 لمن اتخذ ذلك القرار إرضاءً لله ، إن الله سيجزيه على عمله ذلك ويعوضه خيراً.


ويا من وقعت في ورطة:"

 فلم تعرف كيف الخلاص، وحاولت الفكاك، ولكن لات حين مناص، تذكر في لحظاتك

 هذه قوله تعالى: "وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ

 أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ

 نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"(الأنبياء 87-88.).


ويا من ابتلاه الله في جسده:"

 فهو يئن تحت وطأة المرض، ويتلوى من الوجع على فراش الإصابة، تحيط بك هموم

 الآلام بأنواعها، ويا من ابتلاه الله في حبيبه، أو ولده، فهو يحس حرارة الابتلاء في

 كبده، لا تيأس، فإن فرج الله بالشفاء لآت، وإن لم يكن، وإن لم يحصل الشفاء، فهو

 ابتلاء ترفع فيه الدرجات في الجنات، وتضاعف الحسنات :"وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي

 مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ

 وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"(الأنبياء 83-84).


عباد الله:" 

متي يأتي النصر؟

ومن ظلم  ويقول  لقد طال هذا الليل واسود جانبه، لا تيأس فإن النصر مع الصبر، وإن

 مع العسر يسراً، يقول الله تعالي:" وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى

 نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"(البقرة 214) :"حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا"(يوسف 110). 

متى أتى النصر؟أتى النصر عندما اشتدت الأمور وظنوا أنه لم يأتِ جَاءهُمْ نَصْرُنَا وهكذا لكي لا يكون النصر رخيصاً، فلو كان النصر رخيصاً لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئاً، ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثاً ولعباً، فإنما هي قواعد في حياة البشر ومنهاج لهم.

يا فارج الهم عن نوح وأسرته*وصاحب الحوت مولى كل مكروب

وفالق البحرعن موسى وشيعته*ومذهب الحزن عن ذي البث يعقوب

وجاعل النار لإبراهيم باردة *ورافع السقم من أوصال أيوب

إن الأطباء لا يغنون عن نصب*أنت الطبيب طيب غير مغلوب

اللهم فرج همومنا وفك كربنا وأختم لنا بخاتمة السعادة يارب العالمين

عباد الله:"قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

google-playkhamsatmostaqltradent