recent
أخبار عاجلة

نقد وتحليل لخطبة الجمعة اليوم- القصة ومدي حاجة الناس إليها في الموعظة



أئمة وخطباء المساجد (الحلقة الخامسة عشر)


تحضير..مهارة..تكرار..إطالة..أخطاء لغوية..أحاديث موضوعة..قصص واهية!!


نقد وتحليل لخطبة الجمعة اليوم

القصة ومدي حاجة الناس إليها في الموعظة 

استمعت لخطبة الجمعة اليوم من بعض الأئمة وسرت نفسي للخطيب والخطبة فدائماً ماتجد الخطيب متمكناً عنده حضور علي منبره يحتوي الجمهور ..

وكان الموضوع عن محاسبة النفس ..

وفي حقيقة الأمر لم يكن هناك سلبيات في الخطبة إلا قليل ونادر جداً نستطيع أن نعطي للخطيب تسعة من عشرة ونحن سوف نذكر السلبية التي كانت بالخطبة أولاً ثم نلقي الضوء علي محاسن الخطيب والخطبة والموضوع ..

أولاً :" السلبيات:"

كان لدي الخطيب سلبية صغيرة وهو كثرة سؤاله متي سنحاسب أنفسنا ومتي سنقف معها؟
ونحن قد تحدثنا من قبل عن هذه السلبية في الإلقاء  وقلنا لابد  أن ينتهي الخطيب عن كثرة السؤال للجمهور لأن في ذلك أسلوب تنفير و إذا اضطر إلي التكرار وهنا ينبغي عليه أن يكون حاذقاً وبما يكرره بعيداً وفي الأسلوب الثاني مختلفاً عن الأول وليكن رائده في ذلك القرآن الكريم فيما كرره من قصص الأنبياء والصالحين بل من قصة إبليس نفسه تكررت في مواضع كثيرة من كتاب الله فتارة يقول له :"يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص/75).

وأخري:"يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (الحجر/32).فانظر الي اختلاف اللفظ في السؤال :" مامنعك " وتارة :"مالك" وهي أساليب بلاغية من كتاب الله فيها تشويق للمستمع حتي لايمل من التكرار..

أيضاً إذا كان ولابد من تكرار السؤال أن يكون هناك براعة استهلال في التنوع  تأمل قوله تعالى : "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى"(النازعات: 15)، "ففي استفتاح قصة موسى - عليه السلام - بهذا السؤال الذي فيه تشويقٌ، وإثارةٌ لذهن السامع   براعة استهلال"، مع قِصَر الجملة، وقوة المعنى، وفيه فائدة في طرح القضية على صورة الاستفسار، أو السؤال، وهنا لم يكن السؤال مكرراً ولامباشراً فلاتقل للمستمع متي سنتوب ؟أومتي سنعود إلي الله ؟أومتي سنحاسب أنفسنا ؟
ولكن يكون السؤال إذا احتجت لطرحه فيكون   متغيراً وفيه بلاغة ..فالخطيب الناجح يستطيع أن يحقق المقصود ، ويعالج الخطأ دون حاجة للانتقاد المباشر للناس أوالسؤال الذي يظهر أنه تهكم ..

ثانياً:"

الإيجابيات في الخطبة:"

كان من الواضح أن الخطيب حضر موضوعه جيداً والخطيب الذي يحضر موضوعه يحترم نفسه ويحترم الجمهور 

وظهر هذا جلياً في العمق العلمي في الموضوع ، فلم يقتصر الموضوع على عبارات إنشائية ، أو خواطر وأفكار شخصية ، ولكنه اعتني عناية فائقة علي الاستشهاد بالآيات والأحاديث و العناية بالاستشهاد بالنصوص الشرعية ، وأقوال أهل العلم ، والعناية بالتأصيل العلمي للموضوع يعطي المستمع الثقة ، والقناعة بما يطرح .

وقدبان أيضاً بمالايدع مجالاً للشك أن الخطيب اعتني بدقة المعلومات والتأكد من صحتها  وثبوتها ؛ومن الواضح أن  الخطيب استطاع أن يتعرف على طريقة التعامل مع كتب الحديث فتسنى له الوقوف على ما قاله أهل العلم في درجة الحديث الذي أراد  الاستشهاد به .

وقد التزم الخطيب بوقت الخطبة فكان بين الإيجاز والتطويل :

فالإيجاز هو السنة . فعن أبي وائل قال خطبنا عمار فأوجز وأبلغ ، فلما نزل ، قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ، فقال إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئنة من فقهه ، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً " (مسلم).

وعن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال : " كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاته قصداً ، وخطبته قصداً".

وقال أبو بكر -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان - رضي الله عنهما - حين أمّره على جيش إلى الشام : " وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضاً " .

وها نحن نرى في عصرنا من يطيل الخطبة حتى يُملَّ الناس . وكان بجزارنا عدة مساجد لازالت مستمرة في الخطبة حتي بعد أن انتهي خطيبنا من صلاته ..


القصة ومدي حاجة الناس إليها في الموعظة 

وقدأورد الخطيب اليوم قصة  ابراهيم بن ادهم.مع الرجل العاصي.

حين أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم .. فقال:يا شيخ .. إن نفسي .. تدفعني إلى المعاصي .. فعظني موعظة! 

فقال له إبراهيم :إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه .. ولا بأس عليك ..ولكن لي إليك خمسة شروط قال الرجل :هاتها!  

 قال إبراهيم :إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه!

فقال الرجل :سبحان الله ..كيف أختفي عنه ..وهو لا تخفى عليه خافية! فقال إبراهيم :سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك .. فسكت الرجل ..

 ثم قال :زدني!فقال إبراهيم :إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تعصه فوق أرضه فقال الرجل :سبحان الله .. وأين أذهب .. وكل ما في الكون له!فقال إبراهيم :أما تستحي أن تعصي الله .. وتسكن فوق أرضه ؟ 

قال الرجل :زدني!فقال إبراهيم :إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تأكل من رزقه قال الرجل :سبحان الله ..وكيف أعيش .. وكل النعم من عنده!فقال إبراهيم : أماتستحي أن تعصي الله .. وهو يطعمك ويسقيك .. ويحفظ عليك قوتك ؟ 

قال الرجل :زدني! فقال إبراهيم :فإذا عصيت الله.. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار ..فلا تذهب معهم!!

 فقال الرجل :سبحان الله ..وهل لي قوة عليهم .. إنما يسوقونني سوقاً!

فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك .. فأنكر أن تكون فعلتها!فقال الرجل :

سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون ...والملائكة الحافظون .. والشهودالناطقون

ثم بكى الرجل .. ومضى .. وهو يقول :أين الكرام الكاتبون .. والملائكةالحافظون .. والشهودالناطقون؟

ولكن عزيزي الخطيب المجدد والإمام الهمام 

" لا بد للخطيب أن يتبع منهجية سليمة في إيراد القصة في الوعظ والإرشاد، وألا يقتدي بالقصاصين الذين يَذكُرون ما هبَّ ودبَّ من القصص؛ لأجل أن يرغب في الخير ويرهب من الشر وتوابعه - كما يزعم البعض - أو أن يجلب ودَّ المدعوِّين والمستمعين إليه، ومما لفَت انتباهي أن بعض الخطباء يردِّد قصصًا واهية بل وموضوعة لا أساس لها من الصحة، ويحاول جاهدًا أن يُرغِّب المدعوين إلى الإسلام، وكأن القرآن والسنَّة خلَت مِن القصص الصحيح، وليعلم الخطيب أن عليه أن يدعو بما يُوافِق الهَدي النبوي،

 وأن يَسلك الأسلوب الأمثل في الدعوة، وليس عليه أن يتأثر الناسُ بوعظِه أو لا، وألا يقلق لذلك، بل عليه أن يهتمَّ بتطبيقه لما يقول، وموافقته في القول والعلم للكِتاب وسنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيما يلي بعض الخطوط الهامَّة تنفع الخطيبَ في إيراده لحكاية أو قصة ما، ولايشترط في قصص الوعظ-إذا كانت منضبطة المعاني-عن غير رسولنا الكريم الصحة واالثبوت...

وإليك  بعض ما يردِّد الخُطباء من قصص واهية،

اعتاد بعض الخطباء أن يذكر قصصًا واهية؛ لأجل ترغيب المدعوين في الخير، وترهيبهم من الشر، وكأن القرآن والسنَّة وكتب السير والتراجم خلَت من القصص الصحيح الهادف المُمتع، ونذكُر بعضًا من قصص يردِّدها الواعظ على المنبر؛ من أجل الحذر من روايتها:

1- ذكَر وهب بن منبه قال : بَنى جبار من الجبابرة قصرًا وشيَّده، فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخًا تأوي إليه، فركب الجبار يومًا وطاف حول القصر فرأى الكوخ، فقال: لمن هذا؟ فقيل: لامرأة فقيرة تأوي إليه، فأمر به فهُدم فجاءت العجوز فرأته مهدومًا، فقالت: مَن هدمه؟ فقيل: الملك رآه فهدَمه، فرفعت العجوز رأسها إلى السماء،

 وقالت: يا رب، إذا لم أكن أنا حاضرة، فأين كنت أنت؟ قال: فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه، فقَلَبه وهذه القصة مُنتشرة في المنتديات، ويلقيها الخطباء والوعاظ وكأنها حديث من صحيح البخاري ومسلم، وخاصة أيام العيد، وعندما يجلس أمامهم صاحب مكانة مَرموقة، أو صاحب مركز وكأنهم بذلك يتحدَّونه بدلاً من نصحِه وتحريك مكامن الخير وقمع نوازغ الشر فيه.

2- قصة علقمة مع أمه: والتي يُستدلُّ بها على عقوبة عقوق الوالدين؛ حيث امتنع عن النطق بالشهادتين؛ لتفضيل زوجته على طاعة والدته، وهذه القصة لم تَثبُت، ولا يوجد لها إسناد صحيح، فلا تحل روايتها، ولا إذاعتها في مجلس أو خطبة، أو تدوينها في كتاب أو سفر أو رسالة، ومن يفعل ذلك، فإنه يعمل على نشر الأحاديث والقصص الواهية، وفي صحيح السنَّة وآي الكتاب في بابتها ما يُغني.

 3- قصة ثعلبة بن حاطب : يُردِّدها كثير من الخطباء والوعاظ على المنابر عندما يفسِّرون قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75 - 77]، 

وهي عند النقد الحديثي من ناحية سنَدِها ومَتنِها لا تثبت، بل هي باطِلة؛ لمخالفتها لصريح القرآن والسنة في عدالة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكانتهم العَليَّة ومقامهم الرفيع.

قصة ثعلبة بن عبد الرحمن الذي أسلم: الذي كان يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعثه في حاجة، فمرَّ بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر النظر إليها، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج هاربًا على وجهه، وهذه القصة سندها مسلسل بالضعفاء، وفي متنِها ما يدلُّ على نكارتها، فلا يجوز روايتها ولا التحديث بها إلا مع بيان ضعفها، وكونها تتعلق بالرقائق لا يجيز التساهلَ في شأنها؛ لأن إسنادها شديد الضعف، وقد اشترط العلماء الذين أجازوا رواية الحديث الضعيف في أبواب الرقائق ألا يكون شديد الضعف، وليس فيه ما يُستنكَر، وهذا باب يطول ذكره.

وبمشيئة الله تعالي سوف نتحدث عن فوائد القصة وضبطها في مقالات قادمة

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .

google-playkhamsatmostaqltradent