
من أَسْعَدُ الناسِ ؟
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله ..وبعد :"
فالكثير من الناس يريد أن يعيش عيشة هنيئة سعيدة ليس فيها منغصات ولايعتريه السقم فيها ليلة كلاولاترد الهموم بباله ..
وفي حقيقة الأمر أنه من أراد أن يكون سعيداً ويعيش سعيداً ويوموت سعيداً فعليه بالوحدانية لله والتمسك بها وأن لايجعل مع الله شريكاً أخر ..
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:قُلْتُ:"يَا رَسُولَ اللهِ،مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟فَقَالَ:"لَقَدْ ظَنَنْتُ، يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ،لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، خَالِصًا من قَلْبِهِ،أوْ نَفْسِهِ"(البخاري).
ظن أبوهريرة أن الرسول سوف يقول له أسعد الناس
أبوبكرأوعمروعثمان وعلي أوخديجة أوفاطمة وعائشة وصفية ولكنه قال:"أسعدُ
النَّاسِ بشفاعتِي يومَ القيامة هومَن حقَّق التوحيدونطَق بالشَّهادتينِ معتقِدًا
معناهما،عاملًا بمقتضاهما إجمالًا.
فلا يَسْعدُ بشفاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم
القيامة إلا من قال:"لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه". أي:
قالها وداوم عليها حتى مات عليها.
كان الصَّحابةُ الكِرامُ حَريصينَ على سُؤالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أهمِّ الأُمورِ التي تَنفَعُهم وتُنجِّيهم في الآخِرةِ، ومِن ذلك حِرصُهم على نيْلِ شَفاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،
لذلك في رواية أخري:"لقِّنوا مَوْتاكم لا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فإنَّ مَن كان آخرَ كلمتِه لا إلهَ إلَّا اللهُ عندَ المَوتِ؛ دخَلَ الجنَّةَ يومًا مِن الدَّهرِ، وإنْ أصابَه قبلَ ذلك ما أصابَه"(مسلم).
أي:
وإنْ فعَلَ ما فعَلَ، لكنَّه مات مُوحِّدًا مُصدِّقًا بذلك، فسوفَ تُدرِكُه
الشَّفاعةُ يومَ القِيامةِ، بعدَ أنْ يُجازَى على أعمالِه السَّيِّئةِ بالعَذابِ..
ثمَّ ينتفع بكلمةِ التَّوحيدِ فتُخرِجَه
مِن النَّارِ.
وهذارداًعلي المعتزلة والخوارج الذين أنكرواالشفاعة في إخراج
من أدخل النار من أهل الكبائرالمذنبين وتمسَّكوابقوله تعالى:"فَمَاتَنْفَعُهُمْ
شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ"(المدَّثر:48)، وغير ذلك من الآيات.
وأما أهل السنة فقد رَدُّوا عليهم بأنَّ هذه الآيات في
الكفار، وجاءت الأحاديث بإثبات الشفاعة المحمدية مُتواترة، ودلَّ عليها قوله
تعالى:"عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"(الإسراء:79).
والمراد بالمقام المحمودهي الشفاعة.
وكَونُ المؤمِنِ المُخلِصِ أكثَرَ سَعادةً مِن غيرِه بالشَّفاعةِ؛ لأنَّ التَّفضيلَ يكونُ بحسَبِ المَراتبِ، فيكونُ هو أسعَدَ ممَّن لم يكُنْ في هذه المَرتبةِ مِن الإخلاصِ المُؤكَّدِ البالِغِ غايتَه، وكثيرٌ مِن الناسِ يَحصُلُ له سَعْدٌ بشَفاعتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لكنَّ المؤمنَ المُخلِصَ أكثَرُ سَعادةً بها؛
فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَشفَعُ في الخلْقِ بإراحتِهم مِن هَولِ المَوقفِ، ويَشفَعُ في بَعضِ الكفَّارِ بتَخفيفِ العذابِ، كما صحَّ في حقِّ أبي طالبٍ عمِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَشفَعُ في بَعضِ المؤمنينَ بالخروجِ مِن النارِ بعْدَ أنْ دَخَلوها، وفي بَعضِهم بعدَمِ دُخولِها بعْدَ أنْ يَستوجِبوا دُخولَها، وفي بَعضِهم بدُخولِ الجنَّةِ بغيرِ حِسابٍ، وفي بَعضِهم برَفْعِ الدَّرَجاتِ فيها، فظَهَرَ الاشتراكُ في مُطلَقِ السَّعادةِ بالشَّفاعةِ، وأنَّ أسعَدَهم بها المؤمنُ المُخلِصُ.
وقَولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: "لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبا هُرَيرةَ ألَّا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحدٌ أوَّلُ مِنكَ؛ لِما رَأَيتُ مِن حِرْصِك على الحَديثِ"
تَأكيدٌ لمَكانةِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه ورَجاحةِ عَقْلِه، وأنَّ أسئلتَه هي مِن النَّوعِ المرغوبِ فيه، وتكونُ فيما يَنفَعُ السائلَ وغيرَه في أمْرِ دِينِه ودُنياهُ، وليس مِن الأسئلةِ المَنهيِّ عنها.وفي الحديثِ: الحِرصُ على العِلمِ والخيرِ؛ فإنَّ الحريصَ يَبلُغُ بحِرصِه إلى البحثِ عن الغَوامضِ، ودَقيقِ المعاني، فيكونُ ذلك سَببًا للفائدةِ، ويَترتَّبُ عليه أجرُها، وأجرُ مَن عمِلَ بها إلى يومِ القيامةِ.
وفيه: تفرُّسُ العالِمِ في مُتعلِّمِه،
وتَنبيهُه على ذلك؛ ليكونَ أبعَثَ على اجتهادِه.وفيه: سُكوتُ العالِمِ عن العِلمِ
إذا لم يُسأَلْ حتَّى يُسأَلَ، ولا يكونُ ذلك كَتْمًا؛ لأنَّ على الطَّالبِ
السُّؤالَ، اللَّهمَّ إلَّا إذا تعيَّنَ عليه، فليس له السُّكوتُ.وفيه: ثُبوتُ
الشَّفاعةِ لنبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفيه: فَضيلةُ أبي هُرَيرةَ
رَضيَ اللهُ عنه، وحِرصُه على العِلمِ.
فأسعد الناس بشفاعته صلي الله عليه وسلم من قال لاإله إلا
الله خالصاً من قلبه" فقولوها تسعدوا.
وتمسكوا بها تجبروا وتسعدوا في الدنيا وفي الآخرة ..
اللهم اجعلنا من أهل لاإله إلا الله وحده لاشريك له ..
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ..