
شهداء السعي في طلب الرزق وهدي النبي (ﷺ)
المقدمة
من قتل في طلب الرزق شهيد
*الساعي علي نفسه يكفها شهيد
*والساعي علي ولده ووالديه شهيد
*والساعي علي الأرملة والمسكين شهيد
*والسعـي في طلـب العلم جهـاد في سبـيل الله
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أمابعد
فياعباد الله :"نقف معكم اليوم مع هدي النبي صلي الله عليه وسلم في بيان منزلة
الشهداء وفضلهم..
وفي حقيقة الأمرأننا تحدثنا كثيراً عن منزلة الشهداء وأنواع الشهداء ونحن سنقف
اليوم مع الشهادة في سبيل الله ولكنها شهادة من نوع خاص ألا وهي السعي في سبيل
الله سعي علي النفس يكفها ويعفها وسعي علي الولد والوالد والأرملة والمسكين
والإنفاق في سبيل الله والسعي في طلب العلم..الخ.
عباد الله :"وطلب الرزق من السعي في سبيل الله ويكون السعي علي نفسه يعفها وكذلك
يسعي علي الولد والوالدين ..
مر على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رجلٌ، فرأى أصحابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
من جَلَدِه ونشاطِه، فقالوا:"يا رسول الله، لو كان هذا في سبيلِ الله، فقال رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم :"إن كان خرجَ يسعى على وَلَدِه صِغارًا، فهو في سبيل الله، وإن
كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى
على نفسه ، يَعُفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومُفاخرة، فهو في
سبيل الشيطان"(الطبراني، وقال المنذري والهيثمي: رجاله رجال الصحيح).
عباد الله :" فالسعي والنفقة على الأبوين والأبناء والأرملة والمساكين، من الأعمال
الصالحة، وفي سبيل الله تعالى ومن يدركه الموت وهو على تلك الحال، يكون قد مات
على عمل صالح إن شاء الله تعالى ويكتب له أجر النفقة، وإن لم يكن في الأحاديث
ما يدُلُّ على أنَّ مَن توفِّي على تلك الحال أنَّه شهيد، وإنَّما المراد أنَّ ذلك العمل يُشْبِه
الجهاد من بعض الوجوه، وألفاظ الحديث تنص علي أنه في سبيل الله وسبيل الله أي
طريقه ومن سلك طريق الله فهو في طاعة الله :" فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ
رَفِيقًا"(النساء/69).
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيل الله لما لها من
هذه المكانة العظيمة فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعدّ الله لهم من
الجنات فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع إمرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي
للجهاد فيخرج وهو جنبٌ ليسقط شهيداً في سبيل الله ليراه النبي بيد الملائكة تغسله
ليسمى "بغسيل الملائكة"
فيكون من قتل في طلبه للرِّزق شهيدًا، فالمشبَّه في لغة العرب ليس كالمشبَّه به من كل
وجه، وإن كان فضلُ الله وكرمه واسعًا، ويده سبحانه مَلْأَى،لا تَغِيضُها نَفَقةٌ، سَحَّاءُ
الليلَ
والنهارَ،
فمَن خرجَ من بيته مُجاهدًا في سبيل الله، ثم أدركه الموت في الطَّريق كتب له أجر
الجهاد؛ قال تعالى :"وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ
وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَحِيمًا"(النساء/100).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من خرج حاجاً فمات، كتب له أجر الحاج إلى
يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات، كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن
خرج غازياً في سبيل الله فمات،كتب له
أجر الغازي إلى يوم القيامة"(الطبراني في "الأوسط).
و عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ الله صلي الله عليه وسلم سَألَ البَراءَ بْنَ عازِبٍ فَقالَ:"يا بَراءُ،
كَيْفَ نَفَقَتُكَ عَلى أُمِّكَ؟" وكانَ مُوَسِّعًا عَلى أهْلِهِ. فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما أحْسَنُها !
قالَ:"فَإنَّ نَفَقَتَكَ عَلى أهْلِكَ ووَلَدِكَ وخادِمِكَ صَدَقَةٌ فَلا تُتْبِعْ ذَلِكَ مَنًّا ولا أذًى"(ابْنُ المُنْذِرِ،
والحاكِمُ وصَحَّحَهُ).
وعَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم :"ما أنْفَقْتُمْ عَلى أهْلِيكم في غَيْرِ
إسْرافٍ ولا إقْتارٍ
فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ"(ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ).
وعَنْ أيُّوبَ قالَ: "أشْرَفَ عَلى النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم وأصْحابِهِ رَجُلٌ مِن رَأْسِ تَلٍّ،
فَقالُوا: ما أجْلَدَ
هَذا الرَّجُلَ لَوْ كانَ جَلَدُهُ في سَبِيلِ اللَّهِ.
فَقالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم :" أوَلَيَسَ في سَبِيلِ اللَّهِ إلّا مَن قُتِلَ؟ ثُمَّ قالَ :"مَن خَرَجَ
في الأرْضِ يَطْلُبُ حَلالًا يَكُفُّ بِهِ والِدَيْهِ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن خَرَجَ يَطْلُبُ حَلالًا يَكُفُّ
بِهِ أهْلَهُ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن خَرَجَ يَطْلُبُ حَلالًا يَكُفُّ بِهِ نَفْسَهُ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن خَرَجَ يَطْلُبُ التَّكاثُرَ فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ "(عَبْدُ الرَّزّاقِ في“ المُصَنَّفِ).
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ:قالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم :" مَن سَعى عَلى والِدَيْهِ فَفي
سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى عِيالِهِ فَفي سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى نَفْسِهِ لِيُعِفَّها فَفي سَبِيلِ
اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى التَّكاثُرِ فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ"(البَيْهَقِيُّ).
عباد الله:" وأمَّا من خرج من بيته ليسعى، ويُحصِّل قوتَه وقوتًا يُنفقه على أرملة وهي
التي مات عنها زوجُها ومسكين - وهو الذي ليس له من المال ما يَسُدُّ حاجَتَه
فأجرُه كأجر المجاهد أو القائم الصائم؛ ففي "الصَّحيحين" عن أبي هريرة رضي الله
عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:"الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد
في سبيل الله، أو القائم الليل، والصائم النهار"(متفق عليه).
و قال ابنُ بطال في "شرح البخاري": "من عَجَز عن الجهاد في سبيل الله، وعن قيام
الليل، وصيام النهار - فليعملْ بهذا الحديث، ولْيسعَ على الأرامل والمساكين؛لِيُحشر يومَ
القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله، دون أن يَخطو في ذلك خُطوة،أو يُنفق
درهمًا، أو يلقى عدوًّا يرتاعُ بلقائه، أو ليحشر في زُمرة الصائمين والقائمين، وينال
دَرَجَتهم، وهو طاعمٌ نهارَه، نائم ليله أيَّامَ حياته، فينبغي لكلِّ مُؤمن أن يَحرص على
هذه التِّجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيَربح في
تِجارته درجات المجاهدين والصَّائمين والقائمين، من غير تعبٍ ولا نصب، ذلك فضل
الله يُؤتيه من يشاء.
عباد الله :"ومن هم في سبيل الله أيضاً المنفقون أموالهم قال تعالي :
"ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰالَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا یُتۡبِعُونَ مَاۤ أَنفَقُوا۟ مَنّا وَلَاۤ أَذى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ
رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ"(البقرة /٢٦٢).
وقَوْلُهُ تَعالى:"الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ.."الآيَةَ.
قالَ قَتادَةَ :"عَلِمَ اللَّهُ أنَّ أُناسًا يَمُنُّونَ بِعَطِيَّتِهِمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وقَدَّمَ فِيهِ".
عباد الله أقول ماسمعتم وتوبوا إلي الله
جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وجنده أما بعد :
عباد الله :" والسعي في طلب العلم جهاد في سبيل الله عَنْ أنسٍ، قالَ: قَالَ رَسُولُ الله
صلي الله عليه وسلم :" مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، كان في سَبيلِ اللَّهِ حَتَّى يرجِعَ"
(الترْمِذيُّ).
عباد الله:" إنّ المال والعلم هما عصبا القوة في هذا العصر، ولئن كان المؤمن القادر
على طلب العلم والإبداع فيه كالمجاهد في سبيل الله إن هو أقبل على العلم متحرراً من
حبّ الظهور أو الفساد، فإنّ المؤمن الماهر في التجارة والصناعة إن هو أقبل على
تجارته وصناعته بأقصى اهتمام ونشاط واندفاع، فإنّه سيكون في سبيل الله أيضا ما دام
متواضعاً لله، ساعياً إلى الصلاح في الأرض، ولا يدفعه إلى ما يقوم به إرادة العلوّ أو
الفساد.
قال تعالى:"تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ"(القصص:83).
عباد الله:" يقول تعالى:"لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ" أي أن تطلبوا
الرزق والفضل من الله سبحانه وتعالى، فعلى المسلم أن يجدَّ ويجتهد في طلب الرزق
ليغني نفسه عن الناس وليغني من تلزمه نفقته، وليتصدق ولينفق في وجوه الخير إذا
رزقه الله مالاً فنعم المال الطيب للرجل الطيب، ووجوه طلب الرزق كثيرة والحمد لله
وميسرة وعليه أن يسعي
في طلب العلم لأن العلم نور وحياة ..
وكما يقول القائل :"
ففز بعلم تعش حياً به أبداً فالناس موتي وأهل العلم أحياء .
اللهم إنا نسألك الشهادة في سبيلك بصدق
اللهم أنزلنا منازل الشهداء يارب العالمين ..
عباد الله :" أذكروالله يذكركم واستغفروه يغفر لكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله أقم
الصلاة.