recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة - الغفلة في القرآن الكريم - لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

 


الغفلة في القرآن الكريم 


الحمد لله، رب العالمين  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة  وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم تسليماًكثيراً، أما بعد:فياعباد الله  يقول الله تعالى:" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ  مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ  لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ "(الأنبياء/1 - 3).

عباد الله:" الغفلة سلطان إبليس على القلوب.. وفرحته التي يجدها من الخلق.. ولقد عمَّت نار الغفلة.. حتى أصبح أكثرهم يعيش عيش البهائم!  "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"(الأنفال/44).

أخي المسلم: لقد استفحل داء الغفلة.. وكُثر أصحابه في كل مجمع وفي كل مكان!

والغفلة هي:الانغماس في الدنيا والشهوات ونسيان الآخرة فيجتهد الغافل في تعمير الدنيا الفانية وتخريب الآخرة الباقية فالغافل يريد أن يعيش عاملاً علي إشباع شهواته، حريصاً ألا يتعب جسمه إلا في شهوته.. حريصا علي ألا يفقد شيئاً من ماله إلا في ملذاته، حريصاً علي ألا يفقد لحظة من عمره إلا وهو مستريح هادئ حتى ولو علي حساب دينه..

وللغفلة علامات :" فهذا المغفل المنافق  من صفته التكاسل عن الطاعات كما قال   تعالى في شأن المنافقين :" وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء: 142).

وهذا المغفل يستصغر ذنوبه ويتهاون بها :

قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا" فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه" (البخاري).

وقال صلى الله عليه و سلم  :"إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم لان محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه"(أحمد).

عباد الله:" وللمغفل صفات وعلامات:" فهو  يألف المعصية ويعشقها ويجاهر  بها:كما قال صلى الله عليه وسلم أنه :"كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعملَ الرَّجلُ بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه"(متفق عليه).

والمغفل الغافل  من علامته وصفاته أنه يضيع الوقت  غير فائدة والوقت نعمة، ولا يضيعه إلا غافل مستهتر سكير، لأنه لا يعرف أن الوقت هو أغلى ما يملك  قال النبي صلى الله عليه وسلم "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"

( البخاري).

وما أحسن قول القائل:

تزوَّد من التُّقَى فإنَّك لا تدري    إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهر

عباد الله :" وللغفلة آثار مدمرة على سعادة الإنسان في الدنيا و الآخرة و إليك طرفا منها حتى تحذرها و تحذر منها كل مسلم و مسلمة.

فالغفلة سبب الهلاك: قال تعالي:"فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ  فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ "(الأعراف: 135، 136). 

لماذا أهلكتهم يا رب العالمين؟الجواب: لأنهم من الغافلين.

عباد الله وهؤلاء الغافلين لايعتبروا بالآيات و لايتعظوا بالهالكين  قال  تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"(الأعراف: 179).

وقال تعالى:" صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ"(البقرة، 18). 

وقال تعالى:" صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"(البقرة، 171).

فالغافل لا ينفع فيه وعد و لا وعيد و لا تخويف ولا ترهيب لان الله تعالى ختم على قلبه و سمعه و جعل على بصره غشاوة.

 لأن الغفلة بواب الدخول إلى التكذيب بالآيات و بالوعد و الوعيد.

الغفلة صفة من صفات أهل النار.

لذلك كان الجزاء من جنس العمل  قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(يونس/7، 8).

وقد بين لنا المولي عز وجل بأن المغفلين ومن وقعوا في الغفلة كثر قال تعالى :" وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ"(يونس: 92).

عباد الله :"والغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر. فلكل شيء مفتاح و مفتاح الشر و المعاصي الغفلة عن الله و عن قدرته و سلطانه جل جلاله 

 قال  تعالى:" مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ"

(النحل/106 - 109.).

 وأهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة.و آخر المطاف حسرات و زفرات يوم لا ينفع الندم قال الله تعالى:" وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ"(مريم/ 39، 40.)، 

وقال صلى الله عليه وسلم :"إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم"ثم  قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"(مريم/40).

عباد الله وللغفلة أسباب منها :حب الدنيا:فحب الدنيا رأس كل خطيئة كما في الحكمة المشهورة والغفلة هي ثمرة حب الدنيا قال تعالى:"وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"(الروم/6 - 7). 

مع أن القرآن يهتف بنا:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ "(فاطر: 5).

عباد الله:" إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين، وهؤلاء الصنف يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا جاهل بأمر الآخرة" صحيح الجامع الجَعظري هو "الفظُّ الغليظ المتكبر" والجواظ "الجموع المنوع".ويقول صلى الله عليه وسلم:"إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم، وهما مُهْلكاكُمْ"( البزار).

فحال هؤلاء يصدق فيهم قول القائل:

نهارك يا مغرور سهو وغفلةٌ وليلك نومٌ والردى لك لازمٌ

وشغلك فيما سوف تكره غبه  كذلك في الدنيا تعيش البهائم

ومن أعظم أسباب الغفلة المعاصي ، قال الله عز وجل: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(المطففين/14).   

 وصحبة السوء من أسباب الغفلة :والعرب تقول الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً  يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً" (الفرقان: 27 - 29).

و قال الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة"(متفق عليه).

و قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"(أبو داود).

ويقول:"لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي"(أبوداود).

وما أحسن ما قال القائل:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينة فكل قرين بالمقارن يقتدي

ومن أسباب الغفلة نسيان  الموت والدار الآخرة:وقد أخبر الله عن هذا الصنف بقوله:"إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"(يونس: 7 - 8).

عباد الله أقول ما سمعتم وتوبوا إلي الله 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد: فياعبادالله وهل هناك بلاء يصيب العبد أشد من الغفلة؟إذن لابد من العلاج  والرجوع إلي الله  بالتوبة النصوح، قال صلى الله عليه وسلم:"إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب وأناب صقل قلبه"( الترمذي).

والإكثار من ذكر الله تعالى على كل حال قال صلي الله عليه وسلم :"مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". ومجالس الذكر هي العلاج الناجع لعلاج غفلة القلوب،قال صلي الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا".قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر"(الترمذي).

والمحافظة على الصلوات الخمس قال صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين"(ابن خزيمة ).

 و الإكثار من ذكر الموت: لقوله صلى الله عليه وسلم :"أكثروا ذكر هاذم اللذات "يعني الموت".وفي لفظ لابن حبان:فأي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لِمَا بعده استعداداً أولئك الأكياس"(ابن ماجه).

اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

عباد الله :" أقول قولي هذا وأقم الصلاة 

google-playkhamsatmostaqltradent