
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
عناصر الخطبة
المقدمة
**ثمرات وفوائد الاستجابة لله والرسول
**نماذج من الذين استجابوا لله والرسول
**أسباب عدم الاستجابة لله والرسول**
**شؤم الإعراض في عدم الاستجابة لله والرسول
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد فياجماعة الإسلام :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"(الأنفال/٢٤)،
عباد الله:" إن الله ينادينا؛ فهل نجيب نداء الله؟ والنبي صلى الله عليه وسلم- يدعونا، فهل نلبي دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لطالما نادانا الله تعالى قائلًا:"يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا". وبعدها دائمًا أمر أو نهي وفي ذلك صلاح
لأحوالنا فهل أجبنا الله؟! ولطالما أمرنا ونهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم القائل:
"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"(متفق عليه)،
فهل أطعناه؟!ولو أطعناه لوجدنا ثمرات تلك الاستجابة
**ثمرات وفوائد الاستجابة لله والرسول
عباد الله :" من ثمرات الاستجابة
الحياة الكريمة قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"(الأنفال/٢٤)، "فتضمنت هذه الآية أمورًا أحدها أن
الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن لم تحصل له
هذه الاستجابة فلا حياة له"أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا
لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ
مِنْهَا"(الأنعام:١٢٢).
كما أن من ثمراتها الجنة،قال تعالى:"لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ"(الرعد:١٨).
عباد الله:" والاستجابة سبب من أسباب إجابة وقبول الدعاء: فهي طريق لرضا الله تعالى، فتحقيق الإيمان وامتثال أوامر الله تعالى جعلها الله تعالى من شروط إجابة الدعاء فقال تعالى " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي " بفعل أوامره واجتناب نواهيه، عندها تكون إجابة دعوة الداع أرجى. وفي باب استجابة الدعاء هناك نصوص أخرى تبين أنه قد تتخلف الإجابة مطلقاً وقد تتخلف إلى بدل ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ" وهذا مبحث آخر ولكن ليعلم هنا أن الاستجابة من أسباب إجابة الدعاء.
وهي كذلك من علامات الإيمان:"وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ"(الشورى:٢٦).
وبالاستجابة نيل مغفرة الله:"يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ "(الأحقاف:31).
الاستجابة فيها خير الدنيا والآخرة: فأما خير الآخرة: فيظهر في قصة زينب وزواجها من زيد وطاعتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نالت أمنا زينب بقبولها أمر الرسول عز الدنيا والآخرة؛ فقد صارت زوجة لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه في الدنيا وزوجته في الآخرة، وليس فوق هذا الفضل فضل.
**نماذج من الذين استجابوا لله والرسول
عباد الله:" وحتى نكون من أهل الاستجابة
ونفوز بتلك الثمار العظيمة والهبات الوفيرة التي وعد الله أهلها، تعالوا بنا لنتأمل
نماذج تحقق فيها الاستجابة لرب العالمين ورسوله الأمين؛ فمن تلك النماذج:
أبو طلحة لما نزلت:"لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"(آل عمران/92)، يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: إن أحب أموالي إلي بيرحاء، فهي إلى الله -عز وجل- وإلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أرجو بره وذخره، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بخ يا أبا طلحة ذلك مال رابح"(متفق عليه).
أما حنظلة بن أبي عامر فشاب يُنادى بالجهاد في ليلة عرسه، فيترك عروسه، ويخرج مستجيبًا ملبيًا، فيستشهد، فيقول عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صاحبكم تغسله الملائكة" فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لذلك غسلته الملائكة"(الحاكم).
وهذا الفاروق عمر يأتي الحجر الأسود فيقبله ويقول: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك"(متفق عليه)؛ فيدع قناعته وما يمليه عقله استجابةً وامتثالًا.
عباد الله:" هذه بعض أحوال المستجيبين التي يجب أن نتأسى بهم، فما نراه يحدث الآن من استهزاء بالدين وتلاعب بأحكام الله تعالى هو نتيجة غياب تعظيم الله في قلوب الناس والتأسي بأولئك المتفيقهين في الدين.
**أسباب عدم الاستجابة لله والرسول
أيها المؤمنون:هل لنا أن نعرف الأسباب والموانع
التي أردت بالمعرضين حتي نحذرها؟فمن تلك الأسباب:
التكبر: فهذا رجل ترك الاستجابة لرسول الله
-صلى الله عليه وسلم- كبرًا، فانظر ما حدث له، يروي سلمة بن الأكوع أن رجلًا أكل عند
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله، فقال: "كلْ بيمينك"، قال: لا أستطيع،
قال: "لا استطعت"، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه.(مسلم)، وقديمًا تكبر قوم فرعون فقالوا: "أَنُؤْمِنُ
لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ"(المؤمنون:47).
ومنها: الحسد: فهو الذي منع اليهود من الاستجابة للإسلام:"وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ"(البقرة:١٠٩).
ومنها: التعصب والتقليد الأعمى للآباء:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا"(البقرة:١٧٠)، وهو من أقبح موانع الاستجابة.
عباد الله :" ومنها: اتباع الهوى: قال تعالى موضحًا علة عدم استجابة الكفار للرسول -صلى الله عليه وسلم:"فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ"(القصص:٥٠)، فالهوى ضلال عن الهدى: "وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"(ص:٢٦).
ويقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :"ثلاث مهلكات ،شح مطاع وهوي متبع واعجاب المرء بنفسه "(الطبراني).
ولذلك هؤلاء الذين لا يسيطرون على أهواءهم ورغباتهم سرعان ما يضلهم الشيطان كما قال الله تعالى:" وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ"(إبراهيم/22).
ومنها: الخوف: فكم من الناس يعرف الحق ويوقن
به، لكن يمنعه من الاستجابة له الخوف على النفس أو الأهل أو المصالح... وهذا مما منع
أهل قريش أن يستجيبوا:"وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ
مِنْ أَرْضِنَا"(القصص:٥٧).
عباد الله:"أقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:فياعباد الله:
إن من شؤم الإعراض وترك الاستجابة: أن الله يحول بين المعرض وقلبه، قال تعالى بعد أمره بالاستجابة :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"(الأنفال:٢٤). "أي إن تركتم الاستجابة لله ورسوله عاقبكم بأن يحول بينكم وبين قلوبكم فلا تقدرون على الاستجابة بعد ذلك" والمعرض عن الاستجابة لله ورسوله رافض بحاله دخول الجنة: قالها -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" (البخاري).
وقال تعالي:"وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"(الأحقاف/32).
كيفية الاستجابة
وقد ورد في السنة المطهرة كيفية الاستجابة لله ورسوله، عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ :"أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ "(البخاري).
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلًا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"كُلْ بِيَمِينِكَ"، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "لَا اسْتَطَعْتَ"، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ"(مسلم).فهذا الرجل تكبر على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عاقبته أن شُلت يده.
عباد الله:" إننا كمسلمين في أشد الحاجة
إلى أن نعود إلى هذا المنهج المبارك في التعامل مع كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تصديقا واستجابة، فلا أمل في
انصلاح حال الأمة إلا باستجابتها لله ولرسوله وإصلاح هذا الخلل الذي طرأ؛ حماية للدين
وصيانة له وغيرة عليه؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله :"أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة