
الشماتة خلق ذميم وسلوك قبيح
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين..
أما بعد فياجماعةالإسلام:"
وإذا أردنا ان نتأسي ونقتدي فكان صلي الله عليه وسلم لايشمت بأحد بل ويستعيذ بالله من شماتة الأعداء لأن
خلق الشماتة غالباً ما تقترن به مظاهر كريهة من السخرية والهمز واللمز وألوان الاستهزاء قولاً وفعلاً وإشارة ونهى الإسلام عن الشماتة بمن هو دونك في النعمة عموماً ولأنها ليست من صفات المسلم الملتزم بالأخلاق الحميدة
والشماتة هي: الفرح ببلية العدو، وكان صلي الله عليه وسلم يدعو:"اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا"(الحاكم وابن حبان ).
وأوضح القرآن العظيم أن الشماتة من أخلاق الكفار والمنافقين قال الله – عز وجل:" إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "( آل عمران/120)،
وقال تعالى:"إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ. قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ"( التوبة /51، 52).
وفي غزوة أحد فرح المنافقون والكفار بما أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين من جراحات فأنزل الله عز وجل قوله :"إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"( آل عمران /140).
ولصعوبة تحمل هذا السلوك الشائن على النفوس الزكية نجد هارون عليه السلام يرجو موسى عليه السلام عدم الإسراف في معاتبته قائلا:"وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"( الأعراف/150).
وقيل لأيوب عليه السلام: أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال:"شماتة الأعداء"
وقال: الكلبي: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف.
متي يجوز التشفي ؟
أما إذا أنزل الله عز وجل عقوبته بظالم أو أحل غضبه بطاغية جبار أو انتقم من مجرم فاجر فلا شك أن قلوب المؤمنين ستسعد لذلك وتسر، قال تعالى:"قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "( التوبة/ 14، 15)
عباد الله:" والشماتة مظهر قبيح يتنافى مع مبدأ الأخوة الإيمانية التي تقتضي مشاركة الأخ في آلامه وآماله فقد حرَّم الله تعالى الشماتة بالآخرين إذا تعرضوا لمصيبة أو نكبة أو كارثة، لأن فعل مثل هذه الأشياء يتصادم وقول الله تعالى:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"(الحجرات:10).
وقوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ"(النور/19). فلا يحِلُّ إيصالُ الأذى إلي مؤمن ولا مؤمنة بوجهٍ مِنَ الوجوهِ من قولٍ أو فعلٍ بغير حقٍّ، وقد قال الله تعالى :"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً"(الأحزاب /58).
فهي خلق ذميم وسلوك قبيح نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة فيقول:" لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ "(أحمد).
إذن فمن علامات الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه: عن أَنَسٍ، قَالَ (صلى الله عليه وسلم): لايُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"(البخاري). معناه: لا يؤمن أحدكم الإيمان التام، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد، وذلك واجب
كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم"(مسلم). فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى"(البخاري ومسلم).
نافى مع تحريم أعراض الآخرين، لما رواه مسلم:" كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ"(البخاري).
وجزاء الشامتين:
أن يتعرضوا للبلاء، ويعافي الله تعالى المشموت به مما ابتلاه الله به، فقد قال صلى الله عليه وسلم :"لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ"(الترمذي).
لماذا (ويبتليك؟)، قال المناوي –رحمه الله-: (ويبتليك) حيث زكيت نفسك ورفعت منزلتك وشمخت بأنفك وشمت به أهـ . فعقوبة إظهار الشماتة بالناس أن الله قد يبتليك بنفس الذنب.
ولا تكون الشماتة إلا نتيجة حسد أو غرور بالنفس واحتقار للآخرين.
لذلك قال الغزالي: والحسد والشماتة من الخلق المذمومة…
: وقال أحدهم: قد عبت شخصًا قد ذهب بعض أسنانه، فانتثرت أسناني! (صيد الخاطر)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه :"البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلباً".
وقال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه ، لخشيتُ أن أصنع مثل الذي صنع (الجزاء من جنس العمل 2/288).
وورد عن ابن سيرين -رحمه الله تعالى- أنه عيّر رجلاً بالإفلاس فأفلس بعد ثلاثين سنة (الجزاء من جنس العمل 2/288)، وقصته أن محمد بن سيرين حُبس بدين ركِبه ، قال المدائني : كان سبب حبسه أنه أخذ زيتا بأربعين ألف درهم فوجد في زقٍ منه فأرة فظن أنها وقعت في المعصرة، وصب الزيت كله، وكان يقول إني ابتليت بذنب أذنبته منذ ثلاثين سنه، قال فكانوا يظنون أنه عيّر رجلا بفقره"(الجزاء من جنس العمل 2/289).
وقال ابن رجب نقلا عن بعض السلف:"أدركت قوما لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس؛ فذكر الناسُ لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت لهم عيوبٌ فكفوا عن عيوب الناس، فنُسيت عيوبهم (جامع العلوم 2/291).
وكما يقول القائل:"
إذا ما الدهر جر على أناس حوادثه أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
فالسعادة كل السعادة أن يشتغل المرء بعيوب نفسه دون عيوب غيره، وأن يدعو الله تعالى أن لا يشمت به أحدا، حيث روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو قائلا : "اللَّهُمَّ احْفَظنِي بالإِسْلاَمِ قائِماً واحْفَظْنِي بالإِسْلاَمِ قاعِداً واحْفَظنِي بالإِسْلاَمِ راقِداً وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلَا حاسِداً اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ مِنْ كُلِّ خَيْر خزائِنُهُ بِيَدِكَ وأعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرَ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ"(الحاكم).
وقد ذكر المناوي في فيض القدير أن قوله صلى الله عليه وسلم :"وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلَا حاسِداً" أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي، وفي الصحاح الشماتة: الفرح ببلية العدو، والحسد تمني زوال نعمة المحسود .
بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ حتى من شماتة الأعداء، حيث روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ"(متفق عليه).
ودرك الشقاء: أي الأسباب المؤدية للهلاك، أو أن يدركني شقاء في الدنيا والآخرة.
وجهد البلاء: قيل هو كثرة العيال وقلة المال.
وشماتة الأعداء: أي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه.
والشماتة تنم على احتقار بالمقابل، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ"(مسلم).
والمرء يقبل التقويم ولا يقبل التعيير؛ لأن في الأول نصيحة وفي الثاني شماتة وفضيحة.
قال الدوري: قال لي الكسائي: كنت أقرأ على حمزة فجاء سليم بن عيس (شيخ القراء) فتلكأت، فقال: حمزة تهابه ولا تهابني؟ قلت: أيها الأستاذ أنت إن أخطأت قومتني، وهذا إن أخطأت عيرني"(نزهة الفضلاء 718/5).
ولذلك قال ميمون بن مهران: من أساء سراً فليتب سرا، ومن أساء علانية فليتب علانية، فإن الله يغفر ولا يعير، والناس يعيرون ولا يغفرون" (الحلية 4/92).
فلا تعير عاصياً أو لا تشمت بعاصي؛ لأنك لا تأمن أن تقع فيما وقع فيه، فلا يأمن كراّت القدر وسطوته إلا أهل الجهل كما قال ابن القيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَثَرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ، وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ"(ابن حبان).جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه