
حقوق الجيران
لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
الحمد لله رب العالمين ..وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله
القائل "ما زال جبريلُ يوصيني بالجارِ حتَّى ظننتُ أنه سيورِّثُه"(أحمد والترمذي).اللهم صلاة وسلاما عليك يا رسول الله وعلى
آلك وصحبك وسلم.
أما بعد فيا جماعة الإسلام :"وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ
وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ
مُخْتَالاً فَخُوراً"(النساء /36).
فالإسلام يفرض على أبنائه الإحسان إلى الجار
قريباً كان أم بعيداً وسواء في ذلك من يدين لهذا الدين ومن لا يدين به كما درجه ونظمه
في سلك واحد مع عبادة الله وبر الوالدين والأقارب قال تعالى :"وَالْجَارِذِي الْقُرْبَى
وَالْجَارِ الْجُنُبِ "( النساء /36).
ومن هنا عباد الله :"أعطى الإسلام للجار حقوقاً على جاره..فمن حق الجار على جاره أن يكون له في الشدائد عوناً وفي الرخاء أخاً يأسى لما يؤذيه ويفرح لمايسره ويرضيه ينفس كرباته ويقضي حاجاته ويسانده إذااستعان به ويأخذ بيده إذا أظلمت في وجهه الحياة ،ويرشده إذا ضل أو أخطأ الطريق ويهنئه إذا أصابه خير وينصره إذا ظلم ويدفع عنه الأذى إذا ما ألم به مكروه ..
وعن معاوية قال :"قلت يا رسول الله ما حق الجار على جاره
قال :"إن مرض عدته وإن مات شيعته وإذا استقرضك أقرضته وإن افتقر عدت عليه وإذا
أصابه خير هنأته وإذا أصابته مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عليه الريح إلا بإذنه ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف
له منها وإن اشتريت فاكهة فاهدي له فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ
بها ولده"(
البيهقي والطبراني)
عباد الله :"والإحسان إلى الجار علامة
الإيمان فقدعلق الرسول صلي الله عليه وسلم الإيمان
على الإحسان إلى الجار وكأن الذي يسيء إلى
جاره لا ينطبق عليه لفظ الإيمان مطلقاً لذلك يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :"والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن
قيل من يا رسول الله خاب وخسر من هذا ؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه
قال شره"(البخاري
).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم :"اتق المحارم تكن أعبد الناس ،أرضى بما قسم
الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً وأحب لأخيك ما تحب لنفسك تكن مسلماً
ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب "( الترمذي) .
عباد الله :"والجار شاهد على جاره
فقد بلغ من تعاليم الإسلام أنه جعل الجار
شاهد على جاره ومقياساً له في الإحسان والإساءة فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال :"جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال"كيف لي أن أعرف إذا أحسنت أو أسأت ؟ قال:"إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت
فقد أسأت "(أحمد
والطبراني ).
عباد الله:" و الإسلام أعطى للجار
المشرك حق الجوار فقال رسول الله صلي الله عليه سولم :" الجيران ثلاثة جار له حق وجار له حقان وجار
له ثلاثة حقوق أما الجار الذي له حق فهو الجار المشرك فله حق الجوار وأما الجار الذي
له حقان فهو الجار المسلم فله حق الجوار وحق الإسلام وأما الجار الذي له ثلاث حقوق
فهو الجار المسلم القريب فله حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة "(البزار والطبراني ).
ميراث الجار والإسلام كاد أن يورث الجار
جاره يقول صلي الله عليه وسلم :"لا زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه
سيورثه "(أحمد
والترمذي ).فمن
كثرة وصية جبريل للرسول صلي الله
عليه وسلم ظن أنه
سوف ينزل بالوحي لكي يرث الجار من جاره .
عباد الله:" وعلق الرسول صلي الله عليه وسلم دخول الجنة على الإحسان إلى الجار " فعندما جاءه رجل يقول له يا رسول الله اكسني " أي أعطني ثوباً أستر به عورتي " فأعرض الرسول صلي الله عليه وسلم عنه فقال يا رسول الله اكسني فقال صلي الله عليه وسلم أما لك جار له فضل ثوبين قال غير واحد " أي ليس له جار واحد بل كثير "
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :"فلا يجمع الله بينك وبينه في الجنة "(صحيح الترغيب ).
وروي عن رسول الله :"كم من جار يتعلق
بجاره ويقول يا رب سل هذا؟لما أغلق بابه ومنعني فضله"(الأصبهاني ).
عباد الله :"ومن أسباب دخول النار
إيذاء الجار ، جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" إن فلانة تكثر من صلاتها وصيامها وصدقاتها
.. غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال : هي في النار قال : يا رسول الله فإن فلانة
تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط قطع الجبن " ولا تؤذي
جيرانها قال صلي الله عليه وسلم : هي في الجنة "(أحمد ) .
عباد الله :"ومؤذي جاره يستحق اللعنة
من الخالق ومن المخلوقين روى الطبراني بسنده عن رسول الله :" أنه جاءه رجل يشكوا
جاره فقال اطرح متاعك على طريق الناس فطرحه فجعل الناس يمرون عليه فيلعنونه"أي
يدعون باللعنة على الذي أذاه وحمله على ترك داره " فجاء جاره إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله لعنت من الناس قال وما لقيت منهم ؟ قال يلعنوني قال " قد لعنك الله
قبل الناس " فقال إني لأعود فجاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال
" ارفع متاعك فقد كفيت " أي كفاك الله شر جارك"(الطبراني). وفي رواية
أخرى : فقد ذهب إلى جاره وقال ارفع متاعك فإني لا أؤذيك أبداً
عباد الله :"ولقد بلغ من تعاليم الإسلام ووصيته للجار أن منع الجار جاره من وضع الجذع على جداره أو ميزا به فوق سطحه ولا يبيع داراً ولا أرضا حتى يعرضها على جاره لقد ورد في الأثر عن النبي صلي الله عليه وسلم :"لا يمنع أحدكم جاره من وضع ميزابه فوق سطحه ليصرف الماء ولا يمنعه من وضع الجذع على جداره ..ولا يمنع أحدكم جاره من المرور من الطريق لأن الطريق ليس حق مملوك لأحد وإنما هو لعامة الناس"وقال جابر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم :" من كان له جار في حائط أو شريك له فلا يبعه حتى يعرضه عليه "
(ابن ماجه والحاكم) لذلك السلف الصالح تمسكوا بالهدي النبوي
وسلكوا مسلك الجيران والأتقياء .
فيروى أن محمد بن جندب عرض داره للبيع فأتاه من يشتري وعرض عليه البيع ب 250 ألف درهما فقال : هذا ثمن الدار فبكم تشتري جوار سعيد بن زيد فقالوا له : وهل يباع الجوار ؟
قال حقاً : كيف يباع جوار من إذا سألته أعطاك وإذا سكت عنه أجابك وإذا أسأت إليه عفا عنك فعلم سعيد بن زيد فأرسل إلى محمد بن جندب ثمن الدار وقال له أمسك عليك دارك ".
واقول قولي هذا وتوبوا إلي الله جميعاً
أيها المؤمنون لعلكم تفلحون..
الحمدلله..والصلاة والسلام علي رسول
الله أما بعدفياعباد الله :"ففي هذا الزمن تباعد الجيران بعضهم عن بعض فأصبحت
تمر الشهور بل السنوات ولا يعرف الواحد منا جاره وأحواله بينما في بعض الأحياء كثرت
شكاوى بعض الجيران ممن جاورهم لأمور متعددة كاطلاع على العورات أو روائح مؤذية أو مشاكل
الأولاد أو رمي القمامة أمام منزل الجار أو إغلاق مدخل سيارته أو غير ذلك من صور الإيذاء
ومن أعظم صور الإيذاء إيذاء الجار في أهله
أو ماله عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
أصحابه عن الزنى؟ قالوا: حرام حرمه الله ورسوله. فقال :"لأن يزني الرجل بعشر نسوة
أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره" وسألهم عن السرقة؟ قالوا: حرام حرمها الله
عز وجل ورسوله فقال :"لأن يسرق من عشرة أهل أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت
جاره"(أحمد).
وكانت العرب تفتخر بحماية الجار وأمنه لهم
كما قال الشاعر:"
يَرَى الْجَارُ فِيهِمْ أَمْناً مِنْ عَدُوِّهِ
*** كَمَا أَمِنَتْ عِنْدَ الْحَطِيمِ حَمَامُهَا
وقال حاتم الطائي:
نَارِي وَنَارُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ ***
وَإِلَيْـهِ قَبْلِي تَنْزِلُ الْقِدْرُ
مَا ضَرَّ جَـارًا لِي أُجَاوِرُهُ ***
أَنْ لَا يَكُـونَ لِبَابِهِ سِتْرُ
أَعْمَى إذَامَا جَارَتِي بَرَزَتْ***حَتَّى
تُوَارِي جَارَتِي الْجُدْرُ
عباد الله :" وخلاصة القول مؤذ الجار ناقص الإيمان قال صلى الله عليه وسلم:"والله
لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن". قيل ومن يا رسول الله؟ قال :"الذي
لا يأمن جاره بوائقه" (البخاري). ومن نقص
هذا الجار الناقص أنه يؤذي جيرانه ويتهم غيره حتي يلصق به التهمةفيرهبهم ويخوفهم
وتلك هي بوائقه أي شروره..
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار..
عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة .