
تكريم الإنسان في القرآن والسنة
للشيخ عبدالناصر بليح
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده،لا شريك له في سلطانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلى آلك وصحبك أجمعين أما بعد فيا عباد الله:" يقول الله تعالي :"الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"(الرحمن/ 1– 4).
عباد الله حديثنا إاليكم اليوم عن تكريم الإنسان في القرآن والسنة ونقول أولاًماهو مفهوم التكريم؟
يقول ابن كثير -رحمه الله-:"تكريم الله للإنسان يتجلى
في خلقه له على أحسن الهيئات وأكملها، وفي أن جعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً، يفقه بذلك
كله وينتفع به، ويفرق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصها، ومضارها في الأمور الدينية
والدنيوية".
عباد الله :" ماهي
أنواع التكريم للإنسان؟
والتكريم على ثلاثة أنواع
النوع الأول: تكريم الله للإنسان:
اختص الله سبحانه
الإنسان بأن خلقه بيديه الشريفتين قال تعالى:"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ
إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ قَالَ
يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ
أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ"(البقرة72 –75).
وصورة أحسن صورة، بأنْ أحسن خِلْقته، وجمّل صورته؛ فليس في
المخلوقات جنسٌ أحسن منه صورةً؛ قال تعالى"
وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ
رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"(غافر/64).
ومنحه العقل والنطق،
قال تعالى:"الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ
خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"(الرحمن 1 – 4) .
وأكرمه الله بالنعم
العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا
إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النحل/18).
وهداه إلى النجدين قال تعالى :"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"
(البلد/10). النجدان هما: الخير والشر.
ومن التكريم تحميل الإنسان الأمانة ونفي الجبر عنه وإعطاؤه الحرية كاملة.
قال تعالى :"إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا
وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"
(الأحزاب /72) .
عباد الله "وتبدأ حقوق الإنسان في الإسلام قبل ولادته؛
فقد أمر الشرع الحكيم بحسنُ اختيار الزوجة، لتكون بعد ذلك أمّاً ذات نسبٍ معروفٍ بطهره،
ولتكون قادرةً على حمل أعباء التربية بعد الحمل والإرضاع، كما سنّ الإسلام أحكاماً
خاصّةً بالجنين وهو في بطن أمّه، ودعا إلى حُسْن اختيار اسمه، وأوجب له الرّعاية والنّفقة،
وتتابع حقوقه بعد ذلك لتعظم أكثر فأكثر.
عباد الله:" والنوع الثاني: تكريم الإنسان لنفسه:
تكريم الإنسان لنفسه ينبغي على الإنسان أن يحرص على أن يعيش
كريماً، لأن الله قد رضي له الإكرام، ولم يرض له المهانة، ويتحقّق حفظ الإنسان لكرامته
من خلال القيام بالأمور الآتية:
أن يكرم الإنسان عقله، وذلك من خلال تنميته بالعلم والمعرفة،
والتأمل والتدبر، والابتعاد عن الخرافات والأوهام. أن يكرم الإنسان قلبه بالإيمان والتوكّل
على الله تعالى ومحبته، وأن يُنَقِّيه من أمراض القلوب؛ كالحسد والحقد، والغل، والكراهية،
وغيرها. أن يكرم الإنسان روحه بذكر الله تعالى، وأن يسمو بنفسه عن الغفلات والدناءات،
ويتحلى بمكارم الأخلاق. أن يكرم الإنسان جوارحه بعمل الطاعات، والابتعاد عن المعاصي
والشهوات، وأن يتخيّر أفضل الأفعال والأقوال. أن يكرم الإنسان نفسه بالترفع عن سؤال
الناس، وعليه أن يوقن أن الذي يرزق السمك في الماء والطير في الهواء لن ينساه. قال
تعالى :" أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ
الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ"(الزمر/9).
وتكريم الإنسان نفسه بالعبادة والطاعة:فيزكيها بالعبادة ويطهرها
بالطاعة،ويقومها بمكارم الأخلاق ويحفظ جسده
وعقله ..قال تعالى :"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَاقَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"(الشمس: 7-10).
قال ابن حزم -رحمه
الله:
إنما العقل أسـاس*
فوق الأخلاق سورُ
فتحلى العقل بالعلم* وإلا فهـو بـور
جاهل الأشياء أعمى* لا يرى كيف يدور
وتمام العلم بالعدل *وإلا فهـو زور
وزمام العدل بالجود*
وإلا فنحـــور
وملاك الجود بالنجدة
*والجبن غـــرور
عفَّ إن كنت غيوراً*ما زنى قط غـيور
وكمال الكل بالتقوى*وقـول
الحـق نور
ذي أصول الفضل عنها*حدثت عنها البذور
النوع الثالث: تكريم الإنسان لأخيه الإنسان:
ويدل على ذلك عموم قوله تعالى :"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ"(القلم/4). فيكون برا بوالديه قال تعالى :"وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ
تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا
وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا"(الإسراء /23).
وقال تعالى :"ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ"(البلد/17). وقال صلى الله عليه وسلم :"من قتل معاهداً لم يرح
رائحة الجنة، وإنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما"(البخاري).
وعن أبي هريرة رضي
الله عنه- قال:قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس؟ قال :" أكرمهم أتقاهم"قالوا:
يا نبي الله، ليس عن هذا نسألك. قال:"فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله،
ابن نبي الله، ابن خليل الله". قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: أفعن معادن العرب
تسألونني؟ قالوا: نعم، قال:"فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"(البخاري).
وهناك حقوق للمسلم على غيره يلزم أداؤها إليه عند حصول مناسبتها أو وجوب سببها الذي علق الشرع الحق به، فمن ذلك إفشاء السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وإعطاء السائل، وقري الضيف، وإرشاد التائه، والنصيحة للمستنصح، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن لا يخطب على خطبته، ولا يبيع على بيعه، ولا يسوم على سومه، وعيادة المريض، والصلاة على الجنازة، والتشييع وشهود الدفن، والستر على المستور حياً وميتاً، والتهنئة عند تجدد النعمة والمواساة عند المصيبة.
بل إنّ الإسلام كرّمه حين حرّم الاعتداء المعنوي عليه، مثل: الغيبة، أو النميمة، أو الهمز، واللمز؛ فقال الله عزّ وجلّ:"وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ"(الحجرات/11).
عباد الله والتائب من الذنب كمن لاذنب له .الحمد لله،والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث حول تكريم الاسلام للإنسان فقد حفظ الإسلام للإنسان حقوقاً تعدّ غايةً في الأهمية؛فحفظ حقّه في حياةٍ آمنةٍ ومكرّمةٍ؛ فجعل نفسه معصومةً،
قال تعالى :"وَلاَ تَقْتُلُواْ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ"(الإسراء/33). وجعل الاعتداء عليه بالقتل جريمةً تستحقّ القصاص، فقال سُبحانه
:"وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ"(المائدة/45)،
حمى الإسلام حقّ الإنسان بالتّملك، وشرع من الأحكام والحدود التي تضمن له ماله، وحرّية التّصرف فيه بكلّ ما هو مباحاً ومشروعاً، وقد أكّد النبي صلّى الله عليه وسلّم على هذا المعنى في خطبة حجّة الوداع عندما قال:"اعلموا أنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمةِ يومِكم هذا، كحُرمةِ شهرِكم هذا، كحُرمةِ بلدِكم هذا"(البخاري).
منح الإسلام غير المسلم حرية الاعتقاد، ومنع إكراهه أو إجباره
على الدّخول في الإسلام، قال الله تعالى:"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"(البقرة/265). حرص الإسلام على الإنسان بعد وفاته، وخروج روحه، فقد دعا
إلى حفظ حُرمته، ونهى عن نبش قبره، كما نهى عن سبّه، أو ذكر معايبه، بل إنّه أمر بذكر
محاسنه وتعدادها:فقد قَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ
يَهُودِيٍّ حتَّى تَوَارَتْ"(النسائي).
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب
النار.
عباد الله :" أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي
ولكم .