
من هو الهلوع ؟
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
وبعد فمن هو الهلوع ؟
قال تعالى
:"إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ"المعارج
/19-25).
قال ابن كثير : " الهلوع هو الذي اذا مسه شر جزع واذا مسه الخير منع أي انه كثير الهلع وكثير الجزع وشديد المنع ويتصف الانسان بذلك لأنه خلق بفطرة حب ذاته فإذا لاح في الأفق خطر يهدد سلامته وهو المال أصبح كثير الجزع فيصيبه الخوف الشديد ويصبح فؤاده فارغاً ، ويصف الله الانسان اذا حصلت له نعمة من الله بخل بها على غيره ومنع حق الله فيها .
يقول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " شَرّ
مَا فِي رَجُل شُحّ هَالِع وَجُبْن خَالِع "(أَبُو دَاوُد). واستثني المولي عزوجل فئات تثبت علي الحق دائماً في السراء والضراء :"ِإلَّا
الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ"..
أما المؤمن شكور
عند الرخاء، صبور عند البلاء، كما قال صلي الله عليه وسلم :" عَجَبًا لأَمْرِ
المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ،
إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ
فَكانَ خَيْرًا له"(مسلم).
والفرق بين الهلع والجزع
الهلع يطلق على الجميع، إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ
هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا"[المعارج:19-21]
من هلعه من ضعفه وقلة صبره، يكون جزوع ومنوع، جزوع عندما يصيبه نكبة، منوع عندما يحصل
له المال بسبب شدة البخل، فهو صفته هلوع إلا من رحمه الله، ورزقه البصيرة والاستقامة،
وثبات القلب على الحق هذا يسلمه الله من هذا.
لكن جنس الإنسان هلوع إلا من رزقه الله الإيمان
والثبات والحق والاستقامة، فإنه لا يكون هلوعًا، إن مسه الشر صبر، وجاهد نفسه في إبعاده،
وإن مسه الخير شكر الله، وأنفقه في وجوه البر، فهو شكور عند الرخاء، صبور عند البلاء،
هكذا المؤمن، لكن غالب الناس ليس كذلك هلوع، غالب الخلق هلوع، ليس عنده صبر وعند الشدة،
وليس عنده شكر عند الرخاء، هذه حال غالب الناس.
فالجزع والهلع
ضد الصبر
والصَّبرُ مِن الأخلاقِ الفاضِلةِ والخِصالِ
النَّبيلةِ الَّتي أمَرَ اللهُ تعالَى بها، ورَغَّب فيها وبَيَّن فَضْلَها.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:"عَجَبًا لِأمرِ المُؤمنِ"؛ فأَظهَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَجبَ على وَجهِ الاستحسانِ لشَأنِ المُؤمِنِ وأحوالِه؛ وذلك لأنَّ أحوالَ المؤمنِ كلَّها فيها خَيرٌ، وليْسَ ذَلك لأحدٍ إلَّا المؤمنُ،
فكُلُّ إِنسانٍ في قَضاءِ اللهِ وقَدَرِه بينَ أَمرينِ: مُؤمنٍ وغَيرِ مُؤمنٍ، فالمؤمنُ إنْ أَصابتْه سَرَّاءُ مِن نِعمةٍ دِينيَّةٍ؛ كالعِلمِ والعَملِ الصَّالحِ، ونِعمةٍ دُنيويَّةٍ؛ كالمالِ والبَنينَ والأَهلِ، شَكَرَ اللهَ، فهو يَعرِفُ حقَّ اللهِ في تلكَ النِّعمةِ وما قُدِّرَ له منها، فيقومُ بالطَّاعةِ والعبادةِ والقُربِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ امتنانًا وشُكرًا له سُبحانه، فيَحصُلُ له الأجْرُ في الآخِرةِ، ويُضافُ لهذا الشُّكرِ فَرَحُه الَّذي يَشمَلُه بتلكَ النِّعمةِ،
وكذلك فإنَّ المؤمنَ إذا أصابتْه الضَّراءُ مِن فَقرٍ،
أو مَرَضٍ، أو بَلِيَّةٍ، أو ضَرَرٍ؛ صَبرَ عَلى أَقدارِ اللهِ، وانْتَظَر الفَرَجَ
مِن اللهِ، واحْتَسبَ الأجْرَ عَلى اللهِ، ولَجَأَ إليه تعالَى في كَشْفِها، فكان الصَّبرُ
خَيرًا له؛ لأنَّه يُثابُ على صَبرِه، ويَحُوزُ أجْرَ الصَّابِرينَ الَّذين يُوفَّونَ
أُجورَهم بغيرِ حِسابٍ؛ فكان أمرُه كُلُّه خيرًا، فَكان ذلكَ خَيرًا له.
فالإيمانُ بقَضاءِ
اللهِ وقَدَرِه يَجعَلُ المؤمِنَ في رِضًا كامِلٍ على كُلِّ أَحوالِه، بخِلافِ غَيرِ
المُؤمِنِ الَّذي يَكونُ في سَخَطٍ دائِمٍ عندَ وُقوعِ ضَررٍ عليه، وإذا ما حاز نِعمةً
مِن اللهِ عزَّ وجلَّ انشَغَلَ بها عن طاعتِه، فضْلًا عن صَرفِها في مَعصيةٍ.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم