
الدرس الخامس عشر | من سنن الصيام تأخير السحور
الحمد لله رب العالمين –والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث حول سنن الصيام ومستحباته وقلنا يستحب تعجيل الفطر والدعاء عندالافطار وأن يفطر علي تمرات .. وكذلك يستحب تأخير السحور -بفتح السين- بمعنى: المأكول كالخبز وغيره،
أو بمعنى:
الوجبة التي يتناولها الصائم فيما قبل طلوع الفجر الثاني، أو -بضم السين-وهو الفعل
والمصدر،وهو من مستحبات الصوم، وسبب البركة التي تعود على الصائم، وفيه تقويةللصائم
على الصوم وتنشيطه له وفرحة به وتهوينه عليه، وذلك سبب لكثرة الصوم.
وقد وردت أحاديث
كثيرة تدل على إستحباب السحور والترغيب فيه، وأن يتسحر مريد الصوم حتى ولو بجرعة من
ماء، تشبها بالآكلين، وفي الصحيحين:عن أنس قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تسحروا فإن في السحور بركة".
وفي صحيح مسلم: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة
السحر"(مسلم)..
وعن أبي سعيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"السَّحورُ أُكْله بَرَكةٍ، فلا تَدَعوه، ولو
أنْ يَجرَعَ أَحَدُكم جُرْعةً من ماءٍ؛ فإنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على المُتَسَحِّرينَ".(أحمد).
قال النووي: فاتفق
أصحابنا وغيرهم من العلماء على أن السحور سنة، وأن تأخيره أفضل، وعلى أن تعجيل الفطر
سنة بعد تحقق غروب الشمس،
ويستحب تأخير السحور
إلى قرب طلوع الفجر الثاني، ويحصل السحور بكثير المأكول وقليله، ويحصل بالماء أيضاً،
وفي الحديث:"عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال أمتي
بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور".
يدل الحديث على
أنه يستحب للصائم التسحر، أي: أن يتناول أكلة السحر، وتسمى:"الغداء المبارك، وينتهي
وقته بدخول وقت صلاة الفجر، وفي الصحيحين:"عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه
قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة".
كما أن وقت السحور يمتد إلى ما قبل بداية وقت الإمساك،
بدخول وقت صلاة الفجر، لكن الفصل بين التسحر وبين الصلاة بفاصل يسير، هو الأفضل ليتسنى
للصائم الاستعداد للصلاة، وليكون له من ذلك الوقت تناول الشراب، والذكر والاستغفار
وقراءة القرآن..
كما جاء ذلك في
الحديث:"عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَسَحَّرْنَا
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ قُلْتُ
كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ :"قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً"(البخاري).
فقول زيد ابن ثابت:"قدر خمسين آية"أي: متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة
ولا بطيئة، وهو تقدير الوقت في تلك الحال، وذلك لتقريب مقدار الوقت،
قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقوله: قدر حلب شاة، وقدر نحر جزور، فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة؛ إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة. وقال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة.
قال ابن حجر:"قال
ابن أبي جمرة: كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم
يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب
عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر. وقال فيه أيضا تقوية
على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ..
والفصل بين آخر
وقت التسحر وبين وقت صلاة الفجر بقدر خمسين آية هو الأفضل؛ لخبر الصحيحن، أما آخر وقت
السحور فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني؛ كما يدل على ذلك حديث:"إن بلالاً يؤذن بليل،
فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".
وقد وردعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:"لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم، فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا
أذان ابن أم مكتوم، فإنه لايؤذن حتى يطلع الفجر".(البخاري).وعن حماد،عن إبراهيم،قال:"السحور
بليل، والوتر بليل"وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كنت أتسحر في أهلي ثم تكون
سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
عباد الله .. والفصل
بين السحور وبين صلاة الفجر هو الأفضل. ويدل على ذلك ما رواه أنس عن معاذ ابن جبل في
الصحيحين أنه:"قدر خمسين آية"وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
.