القران والمحافظة علي الهوية الإسلامية
لفضيلة الشيخ /عبدالناصر بليح
العناصر:"
1- دورالقرآن والسنة في الحفاظ علي الهوية الإسلامية.
2- مؤمرات الأعداء لطمس الهوية الإسلامية..
3- دورالمسلمين والواجب عليهم للحفاظ علي هويتهم ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله يقول
تعالى: "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(الأنبياء/10).
عباد الله :"حديثنا إليكم اليوم عن القرآن والمحافظة علي الهوية الإسلامية .. فلقد ميز
الله تعالى المجتمعات الإسلامية بهوية فريدة في مصادرها، وأصولها وفروعها، وكل
متعلقاتها، ومن عايشها، وفهمها، والتزم بها سعد في الدنيا والآخرة،
دورالقرآن والسنة في الحفاظ علي الهوية الإسلامية.
عباد الله :"ولأهمية القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة كمصدرين أساسين ومنبعين
صافيين للهوية الإسلامية، فقد اعتنى الشارع الحكيم إعتناء كبيراً بالمحافظة عليهما،
فقال تعالى: " لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(الأنبياء/10).
وقـال تعـالى:"فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ
وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ"(الزخرف: 43-44).
وكلتا الآيتين الكريمتين تشيران إلى ضرورة التمسك بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة
لأن فيهما العزة، والرفعة، للإنسان المسلم، ولهذا فهما موضع الفخر، والاعتزاز بهما،
قال تعالى:"وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ"(المنافقون/ 8).
ومن الأحاديث الشريفة التي تؤكد المحافظة على الهوية الإسلامية، ما جاء في التحذير
من التشبه بالمشركين،
ففي الحديث الشريف: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(أبو داود).
وذلك لتبقى أمة الإسلام محافظة على هويتها مستقلة بذاتها، وهذا قمة التوجيه في
الاعتناء بالهوية الإسلامية والاعتزاز بها حتى إن اليهود قالوا: " ما يريد هذا الرجل أن
يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
والدليل علي ذلك ماقاله أنس بن مالك:" كانتِ اليَهودُ إذا حاضَتِ المرأةُ منهُم لم
يؤاكلوهنَّ ولم يشارِبوهنَّ ولم يجامِعوهنَّ في البيوتِ ، فسَألوا نبيَّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ عن ذلِكَ فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ :"وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى "الآية
, فأمرَهُم رسولُ اللَّهِ أن يؤاكِلوهنَّ ويشارِبوهنَّ ويجامِعوهنَّ في البيوتِ،وأن يصنَعوا بِهِنَّ
كلَّ شيءٍ،ما خَلا الجماعَ"(النسائي والترمذي).
وأراد الرسول من ذلك أن يحدد للمسلم شخصية وهوية مستقلة فلا إلي هؤلاء وإلي
هؤلاء والمسلم ليس إمعة إنما هو عزيز بعز الإسلام .. وهذا ماقاله عمر بن الخطاب
:"إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا
الله"(الحاكم).
فالاعتزاز بهويةالإسلام يبعث على الفخر، والاعتزاز، والشموخ، والثقة بالنفس،
والمجتمع الذي ليس له هوية يتمسك بها، ويتميز بها هو مجتمع ضعيف البنية، حيران،
وتائه الرؤية، يترنح تارة نحو الشرق، وتارة نحو الغرب.
المؤامرة على الهوية الإسلامية
عباد الله :" والمؤامرة على الهوية الإسلامية مؤامرة شرسة فمنذ أن أتم الله هذا الدين وأكمله ، وأظهره علي جميع الخلق ، وأعداء الإسلام :
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ "(التوبة: 32، 33).
وكان لانتصار الإسلام على أصحابِ الدِّيانات والهويات الأخرى أعظم الأثر في نُفُوسهم، فكان منهم مَن أحسَّ بعظمة الإسلام ، فدخله بنفسٍ راضية ، ومنهم من أكل الحقد قلبه ، ولكنه لإدراكه قوة الإسلام ، علم أنَّ السبيلَ للقضاء على قوة المسلمين ليس في مُواجهتهم بالسلاح ، وإنَّما في استخدام المكر والحيلة ، فأخذ يتظاهر بالإسلام ، ومن خلال هذا التظاهُر أخذ يبث سمومه التي تفرق وحدة المسلمين ، وتضعف قوتهم.
وقد اتَّخذ هذا الأسلوب بعضُ اليهود الذين أكل الحقدُ قلوبَهم؛ بسبب انتصار الإسلام عليهم، وإجلاء الرسول لهم من المدينة المنورة .
وكان ممن أكل الحقدُ قلبه كذلك، ولم يستطعْ أن ينتقمَ لدولته التي قوَّض الإسلام أركانها : بعضُ أهل الفرس، وبعضُ أهل الروم، وبالأخص وهم كانوا ينظرون إلى العرب بعين الازدراء والاحتقار، ولعلَّ مما يلفت النَّظر لمدى هذا الاحتقار تلك الكلمة الخبيثة ، التي قالها ملك الفرس لما وصله كتابُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فقال :"عبدي يكتب إليَّ"، وما كتبه يزدجرد إلى سعد بن أبي وقاص قائد معركة القادسية، يقول له: "إنَّ العرب مع شرب ألبان الإبل وأكل الضب بلغ بهم الحال إلى أن تمنَّوا دولة العجم،فأفٍّ لك أيها الدهر الدائر".
بدأ هؤلاء الأعداء المتسترون في الإسلام يضعون الخطط ؛ للتخلُّص من هذا الدين القوي، الذي قوَّض أركان دولتهم ، والذي لا يُمكنهم مواجهته بالسِّلاح، وإنَّما عليهم أن يواجهوه بتدبير خبيث يتم في السرِّ وفي مأمن من ملاحقة الدَّولة الإسلامية اليقظة ، فكانت تلك الحركات الباطنية وهي أولى حلقات المؤامرة على الهوية الإسلامية بعد مؤامرات حي بن أخطب زعيم اليهود وعبدالله بن أبي بن سلول قائد الطابور الخامس بالمدينة المنورة.
عباد الله :" وقد جاءت هذه الحركات في وقت مُبكر، وفي تستر كاملر؛ نظرًا لضعفهار، وإدراكًا منها لوعي المجتمعر، وقوة إحساسه بأي أمر دخيل يُخالف هُوِيَّته وعقيدتهر. فكانت حركة السبئيِّينر، بقيادة "عبدالله بن سبأ" اليهودي هي أولى هذه الحركات، التي بدأت محاولات تشويه الهوية الإسلاميةر، من خلال المبادئ التي أخذ ابن سبأ ينشرهارويبثها في المجتمع..
ثم على منهاج ابن سبأ تتابعت الحركات الباطنية، التي رأت أنَّ خير وسيلة للقضاء على الإسلام هي تشويهه في نفوس أتباعه، تحت ستار من المكر والدَّهاء.
وكان من هذه الحركات كذلك: الراوندية والقرامطة وسار على نهج هذه الحركات (إخوان الصفا)، و(الإسماعيلية)،تلك الحركات التي أرادت أن تقضيَ على مفهوم الإسلام الصحيح بدعوى أنَّ القرآن له ظاهر وباطن، ومُحاولة نشر عقائد المجوس بين المسلمين ؛ سعيًا لبث الفرقة بين المسلمين ، ومن ثم يتخلصون من الإسلام دون مُواجهة بالسلاح.
ولكن عباد الله:"كان الحكام والعلماء لهؤلاء بالمرصاد علي مر التاريخ يواجهونهم فكريًّا ، ويظهرون للمسلمين ضلالَهم وأهدافهم ..
عباد الله أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياعباد الله :"بعد أن عرجنا علي دور
القرأن والسنة في الحفاظ علي الهوية الإسلامية ونوهنا إلي بعض مؤمرات أعداء
الإسلام لطمس هذه الهوية ..
ماذا يجب علينا نحو الحفاظ علي هويتنا؟
فيا عباد الله :"من أهم ما يجب المحافظة عليه: العقيدة الإسلامية الصحيحة، والشعائر الإسلامية كلها، وفي مقدمتها أداء الصلوات والقاء الخطب والدروس في المساجد والمدارس والجامعات ، والمحافظة على اللغة العربية ؛ لغة القرآن الكريم ، واللباس المحتشم والتوقير والوقار والحياء بالنسبة للرجال ، والنساء، وكل الأخلاق الإسلامية الفاضلة. والاعتزاز بالهوية الإسلامية لأن الحال الذي وصل إليه المسلمون اليوم هو ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم،
حين قال :"لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ "،قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ :" فَمَنْ "(البخاري).
وهذا الإخبار الحق من الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعني الاستسلام ، والانقياد لكل آت من الغرب، والشرق ، ولكن لابد أن نتعاون جميعاً، ونرسم الخطط، ونوفر الإمكانات، وسوف تستقيم سلوكيات المسلمين إن شاء الله تعالى في المستقبل القريب، فترتفع راية أمتنا عالية خَفَّاقة بإذن الله تعالى.
عباد الله:" إن الواجب على المسلمين في كل مكان ليس المحافظة على الهوية الإسلامية فحسب، بل الواجب عليهم الدعوة إليها بالحكمة، والموعظة الحسنة، ونشرها في كافة أصقاع الدنيا لأنها مستمدة من ديننا القويم، وهو أشرف الأديان، وخاتمها، وإذا كان غيرنا من المجتمعات غير المسلمة يفتخر، ويعتز بهويته أيما اعتزاز، وهي هوية جلها ممسوخ من الأخلاق، والقيم الفاضلة، فنحن أحق بالافتخار، والاعتزاز بهويتنا، التي تقوم علي الأخلاق والقيم، والفضائل السامية، والفطر، والعقول السليمة.
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ومن تحتنا يارب العالمين ..
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة ..