recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة التطرف ليس في التدين فقط "إعداد عادل عبدالكريم توني إبراهيم إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

التطرف ليس في التدين فقط


دَعُوهَا فَإِنهَا مُنْتِنَةٌ".
من مظاهر التعصب "السخرية والاستهزاء" .
من أضرار التعصب "الفرقة " .

الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير؛ (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 14]، أحمده -سبحانه- وأشكره، أعطى الكثيرَ، وقَبِلَ اليسيرَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة تنجي من عذاب السعير، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، البشير النذير، والسراج المنير، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، كانوا لنبيهم نعم النصير، ونعم المشير، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلي يوم الدين.
أما بعد ،أيها المسلمون:
عباد الله، يقول الله تعالى ذاماً أهل الحمية والعصبية لغير الدين: ﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ﴾ [الفتح:26]،
وأخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في غَزَاةٍ ‌فَكَسَعَ ‌رَجُلٌ ‌مِنَ ‌الْمُهَاجِرِينَ -أي: ضرب- رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟"، ثم قال: "دَعُوهَا فَإِنهَا مُنْتِنَةٌ".
أخرجه البخاري ، برقم (4527).
إن التعصب أو العصبية داء اجتماعي خطير، يُورِث الكراهيةَ، ويُنبِت العداوةَ، ويُمزِّق العَلاقاتِ، ويزرع الضغائنَ، ويُفرِّق الجماعاتِ، ويهدد الاستقرار، وينشر القطيعة، مرض كريه، يبني جدارًا صلبًا بين المبتلى به وبينَ الآخَرين، ويمنع التفاهمَ، ويُغلِق بابَ الحوار، يعمم في الأحكام، ويزدري المخالِف .
التعصب -عباد الله- داء فتَّاك، هو عِلَّة كل بلاء، جمود في العقل، وانغلاق في الفكر، يعمي عن الحق، ويصد عن الْهُدَى، ويثير النعرات، ويقود إلى الحروب، ويغذي النزاعات، ويطيل أمد الخلاف.
التعصب عنف وإقصاء، التعصب يدعو إلى ستر الحق؛ لأن صاحبه يرى في الحق حجة لمخالفه، والتعصب يقلل من فرص التوصل إلى الحلول الصحيحة، وينشر الظلم، وهضم الحقوق، ويضعف الأمة، وينشر الفتن والحروب الداخليَّة.
التعصب غُلُوٌّ في الأشخاص، وفي الأُسَر، وفي المذاهب، وفي القوم، والقبيلة، وفي الطائفة، وفي المنطقة، وفي الفكر، وفي الثقافة، وفي الإعلام، وفي الرياضة،وفي كل شأن اجتماعي.
ومن أكثر ألوان التعصب في زماننا ، التعصب الكروي أو الرياضي الأعمى بين المشجعين لنواديهم حتى يصل بهم التعصب إلى السب والشتم والسخرية والاستهزاء والعداوة والكذب والافتراء وربما وصل إلى خراب بعض الأسر ووقوع الطلاق والتهاجر بين أهل البيت الواحد. وربما وصل إلى التحارب والتقاتل باليد والعصي والأسلحة كما يشاهد في بعض البلدان. ومن آثار التعصب الرياضي السيئة أن يكون الحب في النادي والبغض في النادي عليه الولاء وعليه البراء.
ولقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من التعصب الأعمى ، فعن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل تحت راية عمية يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتْلةٌ جاهلية " .
رواه مسلم كتاب الإمارة باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ، برقم (3440) .
ولقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من المتعصب فعن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية " .
رواه أبو داود كتاب الأدب باب ما جاء في العصبية ، برقم (4456).
***
(٢)- ومن مظاهر التعصب الرياضي "السخرية والاستهزاء" .
والسخرية والاستهزاء : تعني الاحتقار والاستهانة بالناس، وذكر العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الحركة ، و قد تكون السخربة والاستهزاء بنظرة أو كلمة أو إشارة أو محاكاة أو غمز أو همز أو لمز ومرد ذلك كلهِّ إلى القلب فإذا انعقد على شيء من ذلك وقع المحذور .
وإن من الأمور التي قررتها الشريعة الإسلامية أن التفاضل بين الناس لا يرجع إلى جنس ولا لون ولا عرق ولا نسب، إنما ميزان التفاضل بين الناس إنما هو التقوى، قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ، (الحجرات:13) .
ذكر العلامة ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير عند الحديث عن سبب نزول الآية أنه عند فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن فلما سمعه الحارث بن هشام قال: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا،فنزلت الآية
ولما تسلق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نخلة انكشفت ساقه فضحك بعض الصحابة من دقتها قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تعجبون من دقة ساقيه؟ إن إحداها أثقل عند الله من جبل أحد".
ولهذا لما خطَبَ النبي صلى الله عليه وسلم في حَجَّة الوداع، فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى " .
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحقيقة كثيرا، فتراه صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فيمر عليهم رجل فيقول: " ما تقولون في هذا؟" قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: " ما تقولون في هذا؟ " ، قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن هذا خير من ملء الأرض من هذا".
وصدق القائل:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا **
تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس **
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
فتذكر أخي الكريم أن كل الروابط سوى الدين يمكن أن توجد ثم تنقطع، هذا نبي الله نوح تنقطع بينه وبين ولده الروابط لأنه كافر، تأمل قوله تعالى : { ونادى نوح ربه فـقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ، قال يا نـوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } [ هود : 45-46]،
وامرأة فرعون تنفصل عن مجتمعها كلِّه، وتنتصرُ على ضغط المجتمع والقصر والملك والحاشية وترفع رأسها إلى السماء، إنه التجرد الكامل من كل هذه الروابط، قال الله تعالي: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
(التحريم :11)
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:
(٣)- الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى سائر النبيين وعلي آله وصحبه أجمعين .أما بعد:
عباد الله: إن التعصب يؤدي دائماً إلى الفرقة والشتات والاختلاف ، وإن على كل منا أن يضع على كاهله مسؤولية منع الفرقة بين المسلمين، ومحاربة هذا التعصب المقيت ، وقد أمرنا الله تعالى بالوحدة والائتلاف، ونهانا عن الفرقة والاختلاف فقال الله تعالي : ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ . وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾
[آل عمران:102، 103].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وأَمَّا الَذِينَ ابْيَضَّتْ وجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران: 105-107]،
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة،
وقال عز وجل: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال: 46]
وروي الترمذي في سننه قوله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ »
فاللهم اجمع شملنا ووحد صفوفنا، واجعلنا إخوانا متحابين على الخير متآلِفين، يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الفرقة والخلاف، ونعوذ بك من الشقاق والنزاع، ونعوذ بك من داء وبلاء، ونعوذ بك من المحن والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز.
وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
ايشو يهدد بفسخ التعاقد مع الزمالك
google-playkhamsatmostaqltradent