recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن إعداد: الشَّيْخ أَحْمَد المراكبي

  بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن



الحمدُ للهِ الديّانِ، الواسِعِ الغُفْرانِ، الذي خَلَقَ الإنسانَ وعلَّمَهُ البَيانَ، وجعلَ التنوُّعَ في الخَلْقِ سَبَباً لِلتَّعارُفِ والإحسانِ، لا لِلتَّنافُرِ والخِذْلانِ، نَحْمَدُهُ سُبحانَهُ على نِعَمٍ لا تُحصَى ولا تُستَبانِ، ونشكُرُهُ على فَضْلِهِ الذي عَمَّ كُلَّ الأَكوانِ.

وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، الواحِدُ في المُلْكِ والسُّلطانِ،

وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، نبيُّ الرَّحمةِ والرِّضوانِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ على سيِّدِنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ تُعرَضُ الأعمالُ على الديّانِ.

أمَّا بعدُ، فيا أيُّها المؤمنونَ الصادقونَ، أُوصيكم ونفسيَ المقصِّرةَ بتقوى الرَّحمنِ، فهي زادُ الصَّالحينَ، وعُدَّةُ الفائزينَ، ونورُ المتَّقينَ يومَ يلقَونَ ربَّهُم في دارِ الأمانِ.

ثمَّ أمَّا بعدُ:

فلقد جُبِلَتِ الحياةُ على التنوُّعِ، وخُلِقَ الإنسانُ مختلفاً في طبعِهِ وفكرِهِ؛ فالاختلافُ فِطْرَةٌ إنسانيَّةٌ، وسُنَّةٌ كونيَّةٌ، وصنيعةٌ ربَّانيَّةٌ، وليسَ الاختلافُ نقيصةً بشريَّةً، فهو غِنىً حضاريٌّ تُثْرَى به العقولُ، وتَتَّسِعُ به الأفهامُ، فجوهرُ الحضارةِ يَكْمُنُ في قدرةِ المجتمعِ على استيعابِ هذا التبايُنِ، والارتقاءِ به من التَّصادُمِ إلى التَّنافُسِ المحمودِ.

أيُّها الأحبَّةُ في الله،

إنَّ من أعظمِ ما تحتاجُهُ الأُمَّةُ اليومَ في زمنِ التفرُّقِ والتدابُرِ، أن تتعلَّمَ أدبَ الاختلافِ وفقهَ الاتِّفاقِ، فلا يكونُ سبباً للعداوةِ والبغضاءِ، بل مجالاً للتكاملِ والتعاونِ، فحينَما انعدمَ الاستيعابُ تحوَّلَتِ البيوتُ إلى ساحاتِ نِزاعٍ، والمجالسُ إلى ميادينِ شِقاقٍ، وتفكَّكَتْ أواصِرُ المودَّةِ.

فلقد قرَّرَ القرآنُ أنَّ من آياتِ اللهِ تعالى في الخَلْقِ اختلافَ ألسنتِهِم وألوانِهِم، قال تعالى:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: ٢٢].

وأخبرَ عن اختلافِهم في الإيمانِ باللهِ ورسلِهِ فقال تعالى:

﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ [هود: ١١٨-١١٩].

فالناسُ يختلفونَ ليس في صُوَرِهِم وألسنتِهِم فحسب، بل حتى في عقائدِهم وأفكارِهم.

فالاختلافُ في الفهمِ والنظرِ والاجتهادِ أمرٌ طبيعيٌّ ما دامَ في دائرةِ الأدبِ والاحترامِ.

عبادَ الله،

لقد علَّمنا النبيُّ ﷺ كيفَ نختلفُ برُقِيٍّ ورَحمةٍ، فقدِ اختلفَ الصحابةُ في فَهمِ قولِه ﷺ يومَ الأحزابِ: «لا يُصَلِّيَنَّ أحدٌ العصرَ إلَّا في بني قُريظة».

فصلَّى بعضُهم في الطريقِ، وأجَّلَ بعضُهم الصلاةَ حتى بلَغوا المكانَ، فلم يُعنِّفِ النبيُّ ﷺ أحداً منهم؛ لأنَّ الجميعَ اجتهدَ وأرادَ الحقَّ، فهكذا كانَ الخلافُ في صدرِ الإسلامِ: رَحمةً واتِّساعاً، لا نِزاعاً وشِقاقاً.

أيُّها المسلمون،

من آدابِ الحوارِ: حُسنُ الاستماعِ لرأيِ المخالفِ،

فمن حقِّ كلِّ إنسانٍ أن يُعبِّرَ عن رأيِه ووجهةِ نظرِه بما لا يعتدي على حريةِ الآخرينَ، ولا يُشيعُ الفوضى الفكريَّةَ في المجتمعِ، كما أنَّ من حقِّه عليك – إن كنتَ طالبَ حقٍّ – أن تستمعَ إليه حتى يُفرغَ من كلامِه، ثمَّ تُجيبَه بأدبٍ وإنصافٍ، وهذا ما علَّمَنا إيَّاهُ رسولُ اللهِ ﷺ.

وهذا عُتبةُ بنُ ربيعةَ حينَ كانَ يُحاوِرُ النبيَّ ﷺ قال له:

«قُلْ يا أبا الوليدِ أسمعْ». فقالَ: «يا ابنَ أَخي، إن كنتَ إنما تُريدُ بما جئتَ به مالاً جمعنا لك من أموالِنا...»، فلما فرغَ من كلامِه، قال له النبيُّ ﷺ: «أقدْ فرغتَ يا أبا الوليدِ؟» قال: نعم، قال: «فاسمعْ مني»، قال: أفعلُ... [رواه ابن إسحاق].

وكذلك من أدبِ الحوارِ: الإنصافُ والعدلُ عندَ الاختلافِ،

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨].

وعن سيدِنا أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ ﷺ:

«ثلاثٌ مُهلِكاتٌ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهوًى مُتَّبَعٌ، وإعجابُ المرءِ بنفسِه، وثلاثٌ مُنجياتٌ: خشيةُ اللهِ في السِّرِّ والعَلانِيَةِ، والقصدُ في الغِنى والفقرِ، وكلمةُ الحقِّ في الرِّضا والغضبِ» [رواه البيهقي].

ونقَلَ ابنُ نُجيمٍ عن المصفى:

«إذا سُئلنا عن مذهبِنا ومذهبِ مخالفِنا قُلنا: مذهبُنا صوابٌ يحتملُ الخطأ، ومذهبُ مخالفِنا خطأٌ يحتملُ الصوابَ».

وقال الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ اللهُ:

«ما ناظرتُ أحداً إلَّا قلتُ: اللهمَّ أجْرِ الحقَّ على قلبِه ولسانِه، فإنْ كانَ الحقُّ معي اتَّبَعَني، وإنْ كانَ معه اتَّبعتُه».

وكذلك من أدبِ الحوارِ ضرورةُ استيعابِ الآخَرِ،

فمن خُلُقِ المسلمِ الرَّاسخِ أنْ يستوعبَ غيرَه، ويدركَ أنَّ الناسَ يتفاوَتونَ في الفَهمِ والرَّأيِ، وأنَّ الحقَّ لا يُحتكَرُ في رأيٍ واحدٍ أو مذهبٍ ضيّقٍ.

قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥].

فما أجملَ أن يكونَ المسلمُ واسعَ الصَّدرِ، يقبَلُ النَّصيحةَ بلُطفٍ، ويعرضُ رأيَهُ بأدبٍ، ويستمعُ إلى غيرِه بتواضُعٍ وإنصافٍ، فذلك خُلُقُ العقلاءِ ودأبُ الحكماءِ.

أيُّها الأحبَّةُ،

لقد قالَ الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ اللهُ قولتَهُ المشهورةَ:

«رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ، ورأيُ غيري خطأٌ يحتملُ الصوابَ».

فما أعظمَ هذا الأدبَ! وما أرقاهُ من خُلُقٍ يحقِنُ الدماءَ، ويصونُ الألسنَ، ويُشيعُ المودَّةَ في المجتمعِ.

فلن تزدهرَ أُمَّتُنا، ولن تستقيمَ حياتُنا ما لم نتعلَّم كيفَ نختلفُ دونَ أن نتخاصَمَ، ونتحاورَ دونَ أن نتنازعَ، ونُحبَّ الخيرَ لغيرِنا كما نُحبُّه لأنفُسِنا، فالاختلافُ إنْ كانَ بأدبٍ وعِلمٍ فهو ثراءٌ، وإنْ كانَ بجهلٍ وتعصُّبٍ فهو دمارٌ وبلاءٌ.

وإذا افتقدنا آدابَ الاختلافِ وأخلاقياتِه، أدّى ذلك إلى إيغارِ الصدورِ، وزَرعِ الشحناءِ والخصوماتِ، وتمزيقِ الوَحدةِ، قال تعالى:

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: ٤٦].

وقال تعالى:

﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥].

ويتجلّى هذا المعنى في قولِ النبيِّ ﷺ وهو يُسوِّي صفوفَ الصلاةِ:

«لا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم» [رواه أبو داود].

كما حذَّرنا ﷺ من السبيلِ الذي يسلكُه الشيطانُ لِيُوقِعَ بينَنا العداوةَ، فقال ﷺ:

«إنَّ الشيطانَ قدْ أيسَ أن يعبُدَهُ المصلّونَ في جزيرةِ العربِ، ولكنْ في التحريشِ بينهم» [رواه مسلم].

وقد أحسنَ شوقي حينَ قالَ:

إِلَامَ الخُلْفُ بَيْنَكُمُ إِلَامَا 

                      وَهَذِي الضَّجَّةُ الكُبْرَى عَلَامَا

وَفِيمَ يَكِيدُ بَعْضُكُمُ لِبَعْضٍ 

                         وَتُبْدُونَ العَدَاوَةَ وَالخِصَامَا

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وكونوا دُعاةَ وَحدةٍ ورحمةٍ لا فرقةٍ وخصومةٍ، واجعلوا شعارَكم قولَ اللهِ تعالى:

﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: ٨٣].

نفعني اللهُ وإيّاكم بالقرآنِ، وبهَدْيِ سيِّدِ الأنامِ العدنانِ، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفِروهُ يغفِرْ لكم، إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ المنَّانُ.

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الحنَّانِ المنَّانِ، الذي علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلَمْ، وهداهُ سُبُلَ البيانِ والإحسانِ.

وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، الواحِدُ في المُلكِ والسُّلطانِ.

وأشهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، المبعوثَ رحمةً للإنسانِ.

اللَّهُمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومَن تَبِعَهُم بإحسان في كل زمان ومكان

أمَّا بعدُ:

أيُّها الأَحبَّةُ في اللهِ:

إنَّ مَن يعتادُ على احترامِ الآخرينَ في فكرِهم ومشاعرِهم، يعتادُ كذلكَ على صونِ أعراضِهم وحرماتِهم، وهنا يتجلَّى الرَّابطُ الوثيقُ بين أدبِ الاختلافِ ومكافحةِ التَّحرُّشِ والإيذاءِ، إذ إنَّ التَّحرُّشَ ـ في حقيقتِهِ ـ تجاوزٌ لحدودِ الأخلاقِ والإنسانِ، وانتهاكٌ لحرمةٍ صانَها الرَّحمنُ، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠].

أمرٌ إلهيٌّ واجبُ الاتِّباعِ،

سواءٌ تبرَّجَتِ المرأةُ أم لم تتبرَّجْ، فالرَّجلُ مأمورٌ بغَضِّ بصرِه على الدَّوامِ، ثم قالَ تعالى بعدها:

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ....

فإنِ اتَّفَقَ أنْ وقعَ النَّظرُ على مُحرَّمٍ من غيرِ قصدٍ، فليصرِفْ بصرَهُ عنه سريعاً، كما رُويَ عن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنه قالَ: «سَألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن نَظَرِ الفُجاءةِ؟ فأمرَني أن أصرِفَ بصرِي» [أخرجه مسلم].

وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لعليٍّ رضيَ اللهُ عنه: «يا عليُّ، لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ، فإنَّ الأولى لكَ، وليستْ لكَ الآخرةُ».

فمَن تَعلَّمَ أن يَضبِطَ لسانَهُ عندَ الجِدالِ، ويكفَّ نفسَهُ عندَ الغضبِ، فهو أقدرُ على ضبطِ جوارحِه عندَ الشَّهوةِ والطُّغيانِ، ومَن فقدَ تهذيبَ النَّفسِ في الأولى، وقعَ في فسادِ الثَّانيةِ وعِصيانِ الرَّحمنِ.

مَن يَتربَّى على آدابِ الاختلافِ يُدرِكْ أنَّ لكلِّ إنسانٍ خصوصيَّةً وحدوداً، فلا يفرِضُ رأيَه، ولا يَنتهكُ حرمةَ جسدٍ أو مشاعرٍ.

ومَن يستوعِبُ الآخَرَ باحترامٍ وتقديرٍ، يعلَمُ أنَّ الاختلافَ في الجِنسِ أو الشَّكلِ أو المَظهرِ لا يُجيزُ أبداً الإساءةَ أو النَّظرَ بسوءٍ أو التَّعرُّضَ بالإيذاءِ.

فكما أنَّ الاختلافَ في الرَّأي لا يُبرِّرُ السَّبَّ أو التَّنمُّرَ، كذلكَ الاختلافُ في الجِنسِ أو اللِّباسِ لا يُبرِّرُ التَّحرُّشَ أو انتهاكَ الحياءِ.

عبادَ اللهِ،

إنَّ التَّربيةَ على آدابِ الاتِّفاقِ والاختلافِ تَبني جيلاً يعرفُ الحُدودَ والحُقوقَ، فيُكرِمُ الفكرَ والجسدَ والوِجدانَ، ويصونُ كرامةَ الإنسانِ من كلِّ عُدوانٍ وهَوانٍ.

فاحذَروا أن تكونوا سبباً في أذى أحدٍ أو في جَرحِ كرامةِ إنسانٍ، فإنَّ حُرمةَ المؤمنِ عندَ اللهِ أعظمُ من حُرمةِ الكعبةِ في الميزانِ.

علِّموا أبناءَكم أنَّ الرُّجولةَ ليست في القهرِ، بل في السَّترِ والصَّونِ، وأنَّ القُوَّةَ ليست في البَطشِ، بل في كَبحِ النَّفسِ وضبطِ الجَنانِ، وأنَّ كرامةَ المرأةِ والرَّجلِ سواءٌ، فكلٌّ مُكرَّمٌ بقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠].

فيا مَن ترجُو رحمةَ اللهِ وتخافُ عذابَهُ، احذرْ أن تظلِمَ بيدٍ أو بلسانٍ أو نظرةٍ، فإنَّها تُكتَبُ عليكَ في صَحائفِ الميزانِ، واذكُرْ قولَ نبيِّكَ ﷺ:«المُسلمُ مَن سَلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه».

أيُّها النُّبلاءُ، لقد صدقَ الجنابُ المُعظَّمُ حينَ قالَ القاعدةَ العظيمةَ:

«إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ»،

فأيُّ حياءٍ يبقَى فيمَن يترصَّدُ الأبرياءَ، ويتلمَّسُ ثغراتِ الغفلةِ؛ ليمُدَّ يدَهُ الآثمةَ، أو يُطلِقَ لسانَهُ الفاحشَ، أو يرمُقَ بعينِه الخائنةِ؟

إنَّهُ خَوَارٌ في الرُّجولةِ، وخُواءٌ في الإيمانِ، وتجرُّؤٌ على حدودِ اللهِ، واستضعافٌ لمَن أوجبَ اللهُ علينا حمايتَهُ.

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وكونوا قُدوةً في الخُلُقِ والإحسانِ، واغرِسوا في قلوبِ أبنائِكم احترامَ الآخَرِ في الفكرِ، لتبقى مجتمعاتُنا آمنةً طاهرةً تسودُها المودَّةُ والإيمانُ.

الدعاء:

اللَّهُمَّ اجعلْنا من أهلِ الحياءِ والعِفافِ، واصرفْ عنَّا الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطنَ،

اللَّهُمَّ طهِّرْ قلوبَنا من النِّفاقِ، وأعينَنا من الخيانةِ، وألسنتَنا من الفُحشِ والبُهتانِ،

اللَّهُمَّ ارزقْنا غَضَّ الأبصارِ، وحفظَ الجوارحِ، وسَترَ العيوبِ، وحُسنَ الأخلاقِ.

اللَّهُمَّ أصلِحْ شبابَنا وبناتِنا، واحمِهم من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ،

واجعلْهم قُدوةً في العفَّةِ والحياءِ والإيمانِ.

اللَّهُمَّ من أرادَ ببلادِنا وأعراضِنا وأمنِنا سوءاً فاشغَلْه بنفسِه، واجعلْ كيدَهُ في نَحرِه،

واحفظْنا بحفظِك، واكلأنا برعايتِك، واغفِرْ لنا ولوالدِينا ولجميعِ المسلمينَ أجمعينَ.

وصلَّى اللهُ على سيِّدِنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ،

وأقم الصلاة

google-playkhamsatmostaqltradent