لِمَاذَا
قُدِمَ التَّسْبِيحُ عَلَى التَّكْبيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ ؟
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
قدم التسبيح على التكبير والتحميد والتهليل من باب التخلية قبل التحلية، حيث يبدأ المسلم بتنزيه الله من كل نقص وعيب (التخلية)، ثم يتبع ذلك بإثبات الكمالات لله (التحميد والتهليل والتكبير). وهذا يبين أن الله منزه عن كل نقص متصف بكل كمال.
مفهوم التخلية قبل التحلية: هذا المبدأ يعني أن الإنسان يبدأ بتنظيف نفسه وتطهيرها من العيوب قبل أن يزينها بالصفات الحسنة.
وعندما نطبق ذلك على ذكر الله، فإننا نبدأ بتنزيه الله عن كل ما لا يليق
بجلاله وعظمته، ثم ننتقل إلى إثبات صفات الكمال له.
المعنى: عندما نقول "سبحان
الله"، فإننا نقول: الله منزه عن كل نقص. وعندما نتبعها بـ "الحمد
لله" أو "لا إله إلا الله" أو "الله أكبر"، فإننا نضيف
إلى ذلك إثبات صفات الكمال له.
الترتيب في الأذكار: ولذلك، فإن هذا
الترتيب في الذكر ينسجم مع طبيعة المسلم في إثبات لله ما هو أهلٌ له، فيبدأ بتنزيه
الله ثم يأتي بالصفات التي تليق بجلاله وعظمته.
باختصار، الترتيب هو: تنزيه (التسبيح)
ثم إثبات الكمالات (التحميد، التكبير، التهليل).
الدليل علي تقديم التسبيح علي غيره من الذكر
:"وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِين ( الحجر/97 -99). فأمره بالتسبيح قبل السجود
3- وقال تعالي :"
وفي تقديم الأمر بالتسبيح والحمد على الأمر بالاستغفار تمهيد لإجابة استغفاره على عادة العرب في تقديم الثناء قبل سؤال الحاجة كما قال ابن أبي الصلت :
إذا أثنى عليك المرء يوماً *** كفاه عن تعرضه الثناء
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخلو عن تسبيح الله فأريد تسبيح يقارن الحمد على ما أعطيه من النصر والفتح ودخول الأمة في الإِسلام وروي في « الصحيح » عن عائشة قالت : " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد أن نزلت عليه سورة : "إذا جاء نصر الله والفتح" إلا يقول : " سبحانك ربّنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي يتأول القرآن " أي يتأول الأمر في قوله : { فسبح بحمد ربك واستغفره } على ظاهره كما تأوله في مقام آخر على معنى اقتراب أجله صلى الله عليه وسلمقوله : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ، قيل : لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء . قاله الضحاك بن قيس ، وأبو العالية ، ووهب بن منبه ، وقتادة ، وغير واحد . واختاره ابن جرير . وقد ورد في الحديث الذي سنورده ما يدل على ذلك إن صح الخبر . وفي حديث عن ابن عباس : " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة "
وقال بعضهم : كان من المسبحين في جوف أبويه . وقيل : المراد : "فلولا أنه كان من المسبحين" هو قوله : ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "(الأنبياء : 87 ، 88 ) قاله سعيد بن جبير وغيرهكلمة سبحانك : تنزيها لك من مشابهة خلقك هي أزل كلمة نطف لها موسي بعدما أفاق من الصعق ..
في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر"
معاني الكلمات:
سُبْحَانَ اللهِ: أي المنزَّه عَنْ كل عيب ونقص، وعن مشابهة المخلوقين.
بِحَمْدِهِ: أي بكمال إفضاله وإحسانه إلى خَلقه جل وعلا.
حُطَّتْ: أي مُحِيَت.
خَطَايَاهُ: أي مَعاصيه.
زَبَدِ الْبَحْر: أي رغوة البحر.
المعنى العام:
يستحب للمسلم أن يُكثر من قول: «سبحان الله وبحمده»؛ لأجل أن تُحَطَّ عنه ذنوبُه، ومعناها: تنزيه الله تعالى عَنْ كل عيبٍ ونقص، وإثبات الكمال له سبحانه من كل وجهٍ، مقرونًا هذا التسبيح بالحمد الدال على كمال إفضاله وإحسانه إلى خلقه جل وعلا، وتمام حِكمته وعِلمه، وغير ذلك من كمالاته.
الفوائد المستنبطة من الحديث:
1- استحباب الإكثار من سبحان الله وبحمده؛ لأنها سببٌ من أسباب مغفرة الذنوب.
2- عظيم سَعة رحمة الله، فقد شرع لنا سبحانه ما يُكفِّر الذنوب
3- عدم اليأس من رحمة الله.
4- الله عز وجل منزهٌ عَنْ كل نقص، ومتَّصف بكل كمال.
5- قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح على التحميد من باب التخلية قبل التحلية.
6- لا يَثقُل مع ذكر الله شيءٌ.
التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل كلمات عظيمة حافظ عليها وأكثر
منها ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
يقول صلي الله عليه وسلم :"إنَّ ممَّا تذكرونَ من جلالِ اللهِ التسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ ينعطِفْنَ حولَ العرشِ لهنَّ دويٌّ كدويِّ النحلِ تُذكِّرُ بصاحبِها أمَا يُحبُّ أحدُكم أن يكونَ له أو لا يزالَ له من يُذكرُ به"(أحمد وابن ماجه).
وهذا مِن الحَثِّ على الاستكثارِ مِن
هذا الذِّكْرِ؛ فالتَّسبيحُ: تنزيهٌ للهِ عن كلِّ ما لا يليقُ به، والتَّحميدُ:
إثباتٌ لأنواعِ الكمالِ للهِ في أسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، والتَّهليلُ: إخلاصٌ
وتوحيدٌ للهِ وبَراءةٌ مِن الشِّركِ، والتَّكبيرُ: إثباتٌ لعَظَمَةِ اللهِ، وأنَّه
لا شيءَ أكبَرُ منه؛ فاشتمَلَتْ هذه الجملُ على جُملةِ أنواعِ الذِّكْرِ مِن
التَّنزيهِ والتَّحميدِ والتَّوحيدِ والتَّمجيدِ، ودِلالتُها على جميعِ المَطالِبِ
الإلهيَّةِ إجمالًا. ولهذه الكلماتِ فَضائلُ عَظيمةٌ أُخرَى، ومِن ذلك: أنَّهنَّ
مُكفِّراتٌ للذُّنوبِ، وأنَّهنَّ غَرْسُ الجنَّةِ تُغْرَسُ لقائلِها.