إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح
إعداد/صلاح عبدالخالق.
تعريف الوقت
أهمية الوقت في حياة الإنسان.
ما معنى فن إدارة الوقت.
مبادئ إدارة الوقت في الإسلام.
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ
خَمْسٍ.
من أقوى أسباب ضياع الوقت.
الحمد لله على نعمة الإسلام ونشهد أن
لاإله إلا الله الملك العلام ونشهد أن محمد ﷺ سيد الأنام وبعد فحديثى معكم بحول
الله الواحد الديان تحت عنوان: إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح
تعريف الوقت
«وَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي
الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ
الْمُقِيمِ، وَمَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهُوَ
يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ
فَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ،
وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَاشَ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي
الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ خَيْرَ مَا
قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ وَالْبِطَالَةُ، فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ
حَيَاتِهِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ
مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا مَا كَانَ فِيهِ بِاللَّهِ
وَلِلَّهِ.وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامِ مِنَ الْخَطَرَاتِ وَالْفِكَرِ،
فَإِمَّا وَسَاوِسُ شَيْطَانِيَّةٌ وَإِمَّا أَمَانِيُّ بَاطِلَةٌ، وَخِدَعٌ
كَاذِبَةٌ، بِمَنْزِلَةِ خَوَاطِرِ الْمُصَابِينَ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ
السُّكَارَى ».«الداء والدواء» (ص156)
أهمية الوقت في حياة الإنسان:
(1)الفوز لمن شغل وقته بطاعة الله تعالى :
-قال تعالى :وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ العصر .
الْعَصْرُ:
الزَّمَانُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ حَرَكَاتُ بَنِي آدَمَ، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
فَأَقْسَمَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، أَيْ: فِي
خَسَارَةٍ وَهَلَاكٍ، {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
فَاسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ عَنِ الْخُسْرَانِ الَّذِينَ آمَنُوا
بِقُلُوبِهِمْ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِجَوَارِحِهِمْ، {وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ} وَهُوَ أَدَاءُ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، {وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ} عَلَى الْمَصَائِبِ وَالْأَقْدَارِ، وَأَذَى مَنْ يُؤْذِي مِمَّنْ
يَأْمُرُونَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ.(تفسير ابن كثير
(8/480).-المعنى: أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح، فإنهم في ربح لا في
خسر؛ لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها.حدائق الروح والريحان
(32/302)
(2)الوقت نعمة عظيمة :-
قال تعالى :وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا (34)إبراهيم .من هذه النعم العظيمة نعمة الوقت .«عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ:
الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ "»«صحيح البخاري» (٦٤١٢) «(غُبن): إذا خسر الرجل في
تجارته، وذهب عنه مطلوبُه؛ يعني: لا يَعرف قَدْرَ هاتين النعمتين كثيرٌ من الناس؛
يعني: لا يعملون في زمان الصحة والفراغ الأعمال الصالحة، ولا يهيئون أمر الآخرة،
حتى تتبدل الصحة بالمرض، والفراغُ بالاشتغال، فحينئذ يندمون على تضييع أعمارهم ولا
ينفعهم الندم»«المفاتيح في شرح المصابيح» (٥/ 273)
-« غبَنه في البيع والشِّراء: غلَبه
ونقَصه وخدعه ووكسَه ، رجَع بصفقة المغبون: خسر ورجع فارغ اليدين، عاد خائبًا»
«معجم اللغة العربية المعاصرة» (٢/ 1593)
(3)السؤال عن الوقت يوم القيامة :-
-عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ،عَنِ النَّبِيِّ ﷺ
قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ
عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ
خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ،
وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا
عَلِمَ»سنن الترمذى
(2416)،صحيح الجامع 7176).فماذا تقول لربك عن هذه
الأوقات الضائعة بلا فائدة
.
(4)الوقت هو الحياة ورأس مال الإنسان :
-إن الوقت أخية هو الحياة وهو رأس
المال، فإياك ثم إياك أن منه دقيقة واحدة في غير طاعة.! لو رأيت إنساناً يحرق كل
يوم مبلغاً زهيداً من المال فستقول عنه: إنه مجنون وسفيه، ولا بد أن يحجر عليه،
لكن والله الذي لا إله إلا هو! إن الذي تضيع جزءاً من عمرها فيما لا ينفع هو أعظم
سفهاً ممن يحرق المال؛ لأن المال يمكن أن يعوض، ولكن العمر إذا ذهب لا يعوض أبداً،
وصدق الشاعر حين قال: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني أخية! إن
المؤمن الصادق تعلم أنها في صراع دائم مع الوقت، وأن الساعة التي تمر عليها ولا
تغتنم بفعل الطاعات، فإنها مغبونة عليها، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على
شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.»«دروس الشيخ خالد
الراشد» (١١/ 14
)
ما معنى فن إدارة الوقت؟
-منهج متكامل إدارة الوقت في الإسلام
ليست مجرد مجموعة من النصائح العملية، بل هي منهج حياة متكامل مُستمد من القرآن
الكريم والسنة النبوية الشريفة. يرى الإسلام أن الوقت نعمة عظيمة ومسؤولية يجب على
المسلم أن يستغلها بفعالية لتحقيق مرضاة الله سبحانه وتعالى، والنجاح في الدنيا
والآخرة.فن إدارة الوقت هو القدرة على تنظيم واستغلال الوقت بشكل فعّال لتحقيق
الأهداف والمهام بأفضل صورة، دون تضييع أو تقصير، وهو من الأمور التي حث عليها
الإسلام واهتم بها العقلاء لما لها من أثر كبير في النجاح في الدنيا والآخرة.
«فَقَالَ سَلْمَانُ:إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ
حَقًّا،وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ
كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«صَدَقَ سَلْمَانُ»«صحيح البخاري» (١٩٦٨)
مبادئ إدارة الوقت في الإسلام؟
-عدة مبادئ لإدارة الوقت في الإسلام
مثلاً
:
(1)التخطيط والتنظيم:-
-تحديد الأهداف: يجب على المسلم أن يحدد
أهدافه في الحياة، دنيوية وأخروية، وأن يجعل وقته وسيلة لتحقيق هذه الأهداف.والهدف
الأعظم أن تكون حياته كلها لله رب العالمين:قال تعال :قُلْ إِنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)الأنعام
(2)ترتيب الأولويات:
ينبغي ترتيب المهام حسب أهميتها
وأولويتها، وتقديم الأهم على المهم. الصلاة مثلاً هي أولى الأولويات اليومية.
(3)وضع جدول زمني:
يفضل وضع جدول زمني يومي أو أسبوعي
لتنظيم الأنشطة والعبادات والعمل.
(4)الموازنة بين الحقوق:-
«فَقَالَ سَلْمَانُ:إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ
حَقًّا،وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ
كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«صَدَقَ سَلْمَانُ»«صحيح البخاري» (١٩٦٨)
-حق الله: إعطاء حق الله في العبادات
مثل الصلاة، تلاوة القرآن، الذكر، والدعاء.
-حق النفس: إعطاء النفس حقها من الراحة،
والنوم، والطعام الصحي، وممارسة الرياضة للحفاظ على الصحة الجسدية
والنفسية.-حق الأهل والأقارب: قضاء
الوقت مع العائلة، وصلة الأرحام، والإحسان إليهم.
-حق المجتمع: المشاركة في الأعمال
الخيرية، مساعدة المحتاجين، وخدمة المجتمع.
(5)استغلال الأوقات الفاضلة:-
الأسحار: وقت السحر (قبل الفجر) وقت
مبارك للدعاء والاستغفار وقيام الليل.
وبين الأذان والإقامة:الدعاء في هذا
الوقت مستجاب.ويوم الجمعة: استغلال ساعة الإجابة.و...
(6)الاستفادة من الأوقات الضائعة:يمكن
استغلال أوقات الانتظار في المواصلات أو في طوابير الانتظار في الذكر، أو قراءة
ورد من القرآن، أو الاستماع إلى دروس علم نافعة.تحويل العادات اليومية إلى عبادات
بقصد التقرب إلى الله (كالنوم بنية التقوي على الطاعة، أو الأكل بنية أخذ القوة
للعبادة).
(7)المحاسبة والمراجعةاليومية :
-يجب على المسلم أن يحاسب نفسه باستمرار
على كيفية قضائه للوقت، وأن يراجع أعماله ليقوم بتقييم مدى استغلاله للوقت فيما
يرضي الله. هذا يساعد على تصحيح المسار وتدارك التقصير. قال تعالى:يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)الحشر.-هذه الآية
الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه
بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه
مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه،
ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا
محالة.(تفسير السعدى (صـ853)
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ
خَمْسٍ:-
-عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ،وَصِحَّتَكَ قَبْلَ
سَقَمِكَ،وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ
قَبْلَ مَوْتِكَ"مستدرك الحاكم (7846)،صحيح الجامع (1077).
-غنِم الشّيءَ:فازبه، ربحه ناله بلا
مشقَّة.معجم اللغة العربية المعاصرة (2/1645).
-معنى الحديث :(اغتنم خمسا قبل خمس) أي
افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما تلقى نفعه
بعد موتك فإن من مات انقطع عمله وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك
لك(وصحتك قبل سقمك) أي اغتنم العمل حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد
بغير زاد(وفراغك قبل شغلك)أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة
التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك
قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت
في جنب الله (وغناك قبل فقرك) أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك
فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة فهذه الخمسة لا يعرف قدرها إلا بعد زوالها.فيض
القدير (2/16)
لماذا أغتنم هذه الخمس ؟
لعدة اشياء تحدث منها:-(1) سرعة تغير
الأحوال:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«مَا يَنْتَظِرُ
أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ مَرَضًا
مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ فَالدَّجَّالُ شَرُّ
غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» (حكم حسين
سليم أسد):إسناده رجاله ثقات مسند أبى يعلى (6542)
-مَا يَنْتَظِرُ
أَحَدُكُمْ":التَّوْبِيخِ عَلَى تَقْصِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَمْرِ
دِينِهِمْ، أَيْ: مَتَى تَعْبُدُونَ رَبَّكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْبُدُوهُ
مَعَ قِلَّةِ الشَّوَاغِلِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ، كَيْفَ تَعْبُدُونَهُ مَعَ
كَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ وَضَعْفِ الْقُوَى؟ لَعَلَّ أَحَدَكُمْ مَا
يَنْتَظِرُ"إِلَّاغِنًى مُطْغِيًا"أَيْ:جَاعِلُكَ طَاغِيًا عَاصِيًا
مُجَاوِزًا لِلْحَدِّ "أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا"أَيْ: جَاعِلًا صَاحَبَهُ
مَدْهُوشًا يُنْسِيهِ الطَّاعَةَ مِنَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَالتَّرَدُّدِ فِي
طَلَبِ الْقُوتِ"أَوْمَرَضًا مُفْسِدًا"أَيْ:لِلْبَدَنِ
لِشِدَّتِهِ،أَوْ لِلدِّينِ لِأَجْلِ الْكَسَلِ الْحَاصِلِ مِنْهُ"أَوْ
هَرَمًا مُفْنِدًا"أَيْ: مُبْلِغًا صَاحَبَهُ إِلَى الْفَنَدِ وَهُوَ ضَعْفُ
الرَّأْيِ:يُقَالُ فَنِدَ الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَ كَلَامُهُ مِنَ الْخَرَفِ،
وَأَفْنَدَهُ الْكِبْرُ يَقِفُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ مِنْ
غَايَةِ كِبَرِهِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ
تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ ﷺ: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ
تُفَنِّدُونِ (94)يوسف."أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا "أَيْ: قَاتِلًا
بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَوْبَةٍ وَوَصِيَّةٍ ."أَوِ
الدَّجَّالَ، فَالدَّجَّالُ "شَرٌّ غَالِبٌ يُنْتَظَرُ "أَيْ:
أَسْوَأُهُ " أَوِ السَّاعَةَ " أَيِ: الْقِيَامَةُ (وَالسَّاعَةُ
أَدْهَى" أَيْ:أَشَدُّ الدَّوَاهِي وَأَفْظَعُهَا وَأَصْعَبُهَا "
وَأَمَرُّ " أَيْ: أَكْثَرُ مَرَارَةً مِنْ جَمِيعِ مَا يُكَابِدُهُ
الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّدَائِدِ لِمَنْ غَفَلَ عَنْ أَمْرِهَا،
وَلَمْ يُعِدَّ لَهَا قَبْلَ حُلُولِهَا. فَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّجُلَ فِي
الدُّنْيَا يَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ. فَالسَّعِيدُ مَنِ
انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ وَاغْتَنَمَ الْمُكْنَةَ وَاشْتَغَلَ بِأَدَاءِ
مُفْتَرَضِهِ وَمَسْنُونِهِ قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِهِ، مرقاة المفاتيح (8/3239)
(2) :يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ:
أَيَّامَ الشَّبَابِ وَالصِّحَّةِ وَالْغِنَى وَالْفَرَاغِ وَالْحَيَاةِ هِيَ
أَيَّامُ الْعَمَلِ وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ
الزَّادِ, فَمَنْ فَاتَهُ الْعَمَلُ فِيهَا لَمْ يُدْرِكْهُ عِنْدَ مَجِيءِ
أَضْدَادِهَا, وَلَا يَنْفَعْهُ التَّمَنِّي لِلْأَعْمَالِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ
مِنْهُ وَالْإِهْمَالِ فِي زَمَنِ الْفُرْصَةِ وَالْإِمْهَالِ فَإِنَّ بَعْدَ
كُلِّ شَبَابٍ هَرَمًا وَبَعْدَ كُلِّ صِحَّةٍ سَقَمًا وَبَعْدَ كُلِّ غِنًى
فَقْرًا وَبَعْدَ كُلِّ فَرَاغٍ شُغْلًا وَبَعْدَ كُلِّ حَيَاةٍ مَوْتًا,فَمَنْ
فَرَّطَ فِي الْعَمَلِ أَيَّامَ الشَّبَابِ لَمْ يُدْرِكْهُ فِي أَيَّامِ
الْهَرَمِ, وَمَنْ فَرَّطَ فِيهِ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ لَمْ يُدْرِكْهُ فِي
أَوْقَاتِ السَّقَمِ, وَمَنْ فَرَّطَ فِيهِ فِي حَالَةِ الْغِنَى فَلَمْ يَنَلِ
الْقُرَبَ الَّتِي لَمْ تُنَلْ إِلَّا بِالْغِنَى لَمْ يُدْرِكْهُ فِي حَالَةِ
الْفَقْرِ, وَمَنْ فَرَّطَ فِيهِ فِي سَاعَةِ الْفَرَاغِ لَمْ يُدْرِكْهُ عِنْدَ
مَجِيءِ الشَّوَاغِلِ,وَمَنْ فَرَّطَ فِي الْعَمَلِ فِي زَمَنِ الْحَيَاةِ لَمْ
يُدْرِكْهُ بَعْدَ حَيْلُولَةِ الْمَمَاتِ,فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ
وَقَدْفَاتَ وَيَطْلُبُ الْكَرَّةَ وَهَيْهَاتَ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ
وَعَظُمَتْ حَسَرَاتُهُ حِينَ لَا مَدْفَعَ لِلْحَسَرَاتِ. معارج القبول (2/711)
(3) كتابة كل الأعمال الصالحة التى كنت
تعملها :-عن أَبَى مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ،
أَوْسَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» صحيح
البخارى (2996) يعني أن الإنسان إذا كان من عادته أن يعمل عملاً صالحاً، ثم مرض
فلم يقدر عليه، فإنه يكتب له الأجر كاملاً. وفي هذا تنبيه على أنه ينبغي للعاقل ما
دام في حال الصحة والفراغ، أن يحرص على الأعمال الصالحة، حتى إذا عجز عنها لمرض أو
شغل كتبت له كاملة. شرح رياض الصالحين (2/189).
من أقوى أسباب ضياع الوقت
مثلاً
:
(1) الاتصالات الهاتفية:
-كثير من أوقاتنا تضيعُ في استخدامِ
الهواتف المحمولة في اتصالاتٍ ليست ذات أهميةٍ، ومع كثرةِ العروض التي تقدِّمُها
شركاتُ الاتصالِ ضيَّعَ كثيرٌ من الناس أوقاتَهم في القيلِ والقال، والكلامِ
الفارغ، والحواراتِ التافهة، هذا بخلافِ شباب آخرين يستخدمونه في معاكسة الفتيات
بالساعات.
(2) مواقعُ التواصل وشبكاتُ الإنترنت:
- انتشرت مواقعُ التواصل الاجتماعي بقوة
في هذه الأيام، وضيَّع كثيرٌ من الناس أوقاتَهم في الدخولِ عليها ليلًا ونهارًا،
وهي في الغالبِ لا تنفعُك في دينِك ولا دنياك، فينبغي لك ألا تكون فريسةً لها
تلتهِمُ وقتَك، وتشغَلُك عن مهامِك الأساسية، ولا تُعطِها إلا دقائق من يومِك،
ولهدفٍ مُحَددٍ.
(3) القنواتُ الفضائية:
-لا تكاد تجد بيتا إلا وفيه تلفاز، ومع كثرة القنوات الفضائية تشتَّت الناس وأصابتهم حيرة: أي قناة يشاهدون؟ وأي برنامج يتابعون؟ ومع كثرة البرامج غير الهادفة، وكثرةِ الإغراءات، وتفنُّنِ القنوات الفضائية في جذبِ عقولِ المشاهدين، ضاعتْ أوقاتُ كثيرٍ من الناس في مشاهدة أشياء لا تقدم لهم كثيرَ فائدةٍ.