recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة القادمة الإتحاد قوة فضيلة الشيخ / عبد الناصر بليح

  


  

الإِتِّحَادُ قُوَّةٌ

وجوب الاعتصام وعدم التفرق

  أسس الوحدة والائتلاف فى الاسلام

 الوحدة وعدم التفرق سبيل النصر والقوة

 الخلاف شر فاعتبروا يا أولى الابصار

تحميل الخطبة Pdf

 الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أما بعد 

فحديثنا إليكم اليوم   الْاِتِّحَادُ قُوَّةٌ

عباد الله :"

لقد ابتليت الأمة الإسلامية في زماننا هذا بهذا الداء الوبيل والشر الكبير داء الفرقة والاختلاف وعدم الاتفاق على شيء وكثرة المهاترات والتناحرات حتى على أمور بسيطة أو مسائل اختلافية اجتهادية.

أصبحت الأمة اليوم تتفتت وتتشرذم ويضحك علينا الشيطان ويقسمنا شيعًا وطوائف ويبددنا أقساماً وأحزاباً كل حزب بمالديهم فرحون

وكل طائفة بما عندهم مقتنعون مع أن الحق أبلج والصراط المستقيم واضح وجلي والدين شامل وكامل وقد تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولكنه التفرق والجدال وحب المراء والخلاف وشهوة التسلط وحب الزعامة جعلت هذه الأمة تتقسم وتتفرق

وصدق ربى جل وعلا:

﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾  [المؤمنون: 53].

لقد نجح الشيطان في تفريق قلوبنا وشق صفوفنا ووصل إلى أعماقنا ودواخلنا وزرع فيها الضغائن والأحقاد والكراهية والحسد فصرنا نختلف على أبسط الأشياء ويهجر بعضنا بعضاً على أتفه الأمور فضلاً عن التناحر والاقتتال ولكنه رجس الشيطان وخبثه وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن رضي في التحريش بينهم ".رواه مسلم

والتحريش إيقاع الخصومات بين الناس والفرقة والتنازع

لقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة وتختلف كما اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وهذه الأمة تفوقهم في الاختلاف فتختلف على ثلاث وسبعين فرقة.

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ : أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : ( أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )

رواه أبو داود ( 4597 ) والحاكم (443) وصححه وورد بلفظ : ( ... وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) ، رواه الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " ( 3 / 432 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 284 ) ، والألباني في " صحيح الترمذي "

ولقد وقع فينا ما أخبر عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم ودبّ فينا داء الأمم قبلنا عندما تفرقوا واختلفوا فاختلفت قلوبهم وتصدع بنيانهم وحلت القسوة في صدورهم بسبب هذا التفرق والاختلاف فلذلك نهانا الله أن نكون مثلهم

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102 - 103].

وقال عز من قائل:، (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 31، 32].

مع الرجوع لأعلام الهُدى ومصابيح الدُّجَى وأنوار الاقتِدا: العلماء الربانيين الذين تُجلى بعلومهم حوازِمُ الأمور، وفتنٌ ظلمَاءُ كالدَّيْجُور، وتُشدُّ لهم في المُعضِلات الرِّحال، وبهم تُحذَى مطايا الائتلاف والآمال، فالصُّدُور عنهم -لا سيَّما في الفتن والأزمات- لهو المنهجُ الحق الأنقى، وسبيلُ الرشاد والسلام الأقوى، وبذلك تستأنِفُ أمتُنا العتيدة مكانتها المُشرِقة، وتماسُكها واتحادَها واستقرارَها واعتِدادَها، فيرهَبُها الجافِي وينعطِفُ إليها المُوافِي، وتقتعِدُ -بإذن الله- غاربَ العزةِ والهُدى؛ فتُرى في كل مجتمعٍ قويةَ الكِيان، مُتراصَّةَ البُنيان، نديَّة الوِجدان، حول الكتاب والسنة مُلتفَّة، وبالجماعة معتصِمةً مُحتفَّة، ما صحَّت العزائمُ والطوايا، وخلُصَت الهِمَمُ والنوايا، وما ذلك على الله بعزيز.

 إنها الدعوة العالمية، لا فرق فيها بين صغير وكبير، ولا بين أحمر ولا أسود، ولا عربي ولا عجمي، إلا بالتقوى والعمل الصالح، (إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُم) [الحجرات:13]، هذه الأمة تخص ربها بالعبادة، ولا تفرق بين أحد من رسله (وأنا ربكم فاعبدون).

فمن خرج عن الأمة فقد نكث عن العهد، وسار عن طريق الغواية، وخالف كلمة الرسل جميعاً؛ (وتقطعوا أمرهم بينهم)، مختلفين على الرسل بين مصدق ومكذب، ولكن المرجع والمصير إلى الله، فيجازي كلاًّ بعمله، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُون) [الأنبياء:94].

 فالاتحاد، وعدم التنازع والفرقة، هو الحجر الأساسي في بناء صرح الأمة، يقول ابن مسعود –رضي الله عنه- في هذا السياق "عليكم بالجماعة! فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة، خير مما تحبون في الفرقة".

فإذا انقادَت الأمةُ فكريًّا وسياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا للائتلاف، ونبذَت ظهريًّا الاختلاف، واستمسَكَت بالحق وأزِمَّته، وانقادَت للدين وشِرعَته، قرَّت منها العين، وفازَت بالحُسنيَيْن، واندفَعت عنها الشرور، وانقلَع الثُّبُور، وأحرَزَت في العالمين توقيرًا وهيبةً واحترامًا، ولم ينَل منها المُتربِّصون مرامًا، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بالجماعة؛ فإن يدَ الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار". أخرجه الترمذي وصحَّحه. ففي الجماعة أمةٌ تعِزُّ وترقَى، ومجدٌ يسُطَّر ويبقَى.

 ولئن اصطلَحَت على أمتنا الأبِيَّة مع الأسى أعضلُ أدواء التنافُر والشتات والتناثُر، وحاقَ بفئامٍ التغطرُس والفشل، فأصبحَ هاديهم النَّصَل والأَسَل، فأراقوا الدماء على مسارِحِ اليَهْماء، جرَّاء الرُّعونة العمياء، وكانوا أنكَى في الإسلام من أعدائه، وأشدَّ ضراوةً على أوليائه، وتشفيًّا من أبنائه.

يا إخوة الإسلام:

لم يكن للعرب قبل الإسلام دولة، فلا قانون يجمعهم ولا سلطان يحكمهم، ولا شريعة ترسم لهم طريق الحياة، إلى أن أذِن الله لهذا الظلام بالزوال، فأرسل رسولنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة، فدعاهم إلى عبادة الله الواحد القهار، ونبَذ عبادة الأصنام والأوثان، لكن قريشًا كَبُر عليها الأمر، وتحكَّمت فيها العصبية الجاهلية، فلم يدخل في الدين الجديد إلا نفر قليل، فأذِن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة، وفيها تكوَّنت الدولة الإسلامية الأولى، واستمر الوحي الإلهي ينزل على رسولنا محمد، يوضِّح له قوام الدولة، ويحدِّد له أهدافها التي تُميزها عن غيرها في عقيدتها وفي مبادئها وسلوكها، ومعاملاتها وعاداتها.

فدعا البشرية جمعاء أن تتَّجه بالعبادة لله الواحد الأحد، الذي أنشأهم من نفس واحدة، وخلَقهم في أحسن تقويم، وكرَّمهم ورزقهم من الطيِّبات، وفضَّلهم على كثير ممن خلَق تفضيلاً.

دعاهم إلى الوحدة الإنسانية: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ [النساء: 1].

وإذا كان الناس جميعًا إخوةً في الرحم والإنسانية، فقد دعاهم جميعًا للدخول في الإسلام: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ﴾ [الأعراف: 158].

فالناس جميعًا متساوون في أصل الخلقة، لا فضْل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

يقول الإمام الشافعي:

الناسُ من جِهة التِّمثالِ أكْفاءُ**** أَبوهمُ آدمُ والأُمُّ حوَّاءُ

فإنْ يَكُنْ لَهُمُ في أصْلِهم شَرَفٌ **** يُفاخِرون به فالطِّين والمَاءُ

ما الفخْرُ إلا لأهْل العِلْم إِنَّهُمُ****على الهُدى لمَن استهْدَى أَدِلاَّءُ

ففُزْ بعلمٍ تَعِشْ حيًّا به أبَدًا****فالناسُ موْتَى وأهْل العلْمِ أحْيَاءُ

أسس الوحدة والأئتلاف  فى الاسلام

والوحدة الإسلامية لا تقوم على الجنس أو العنصر أو القبيلة؛ كما قال الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب))، ولا نجد نداءً في القرآن خاصًا بالعرب، إنما النداء؛ إما بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [البقرة: 21]، فيعم الإنسانية كلها، وإما بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]، فيعم المؤمنين ويخصهم.

وكما كوَّن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - الوحدة الإسلامية، حماها وحَفِظها من كل أمر يُهدِّدها، والأمور التي تهدِّد الوحدة مايلى:

 أولا: وجود العصبية، وقد نهى عنها الرسول محمد، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((ليس منا مَن دعا إلى عصبية))، والنهي عن العصبية لا يتضمَّن النهي عن حب الأوطان؛ فقد سُئِل - عليه الصلاة والسلام -: أمِن العصبية أن يحبَّ الرجل قومه؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن العصبية أن يُعين قومه على الظلم)).

 عدم الانضواء تحت راية واحدة:

فقد منَع الرسول صلى الله عليه وسلم  القتال بين المسلمين تحت أي لواء، فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((سِباب المسلم فُسوق، وقتاله كُفر))، ويقول الحق: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [الحجرات: 9]، وحماها.

  عدم تحقيق مبدأ الشورى:

 وهذا المبدأ كان هدى رسول الله صل الله عليه وسلم، فما كان يُقدِم على أمر إلا بعد المشورة؛ استجابة لقول الله: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38][1].

وإذا كانت الوحدة الإنسانية قائمة، فالناس جميعًا إخوة متحابون، وأعضاء متماسكون، يشتركون على البُعد والقُرب بالنسبة إلى الله، فهو خالقهم، وبالنسبة إلى أصلهم الأول، فهم أُولو أرحام، كلهم لآدمَ، وآدم من تراب.

 عدم تحقيق العبودية والطاعة لله عزوجل :

وقد أوجب الله عليهم طاعته وألزَمهم مراقبته، وطلَب منهم عبادته؛ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].

وأوضح العبادة المطلوبة، فقال - سبحانه -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون ﴾ [البقرة: 177].

فالمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يجتمعون على عبادة إله واحد بيده الأمر وهو على كل شيء قدير: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].

والعبادة في حد ذاتها مظهر من مظاهر الاتحاد والائتلاف بين الأمة الإسلامية، فالصلاة مثلاً تُنظم صفوفهم، وتوحِّد كلمتهم، وتَجمع شمْلهم، وقد صور ذلك عالم أوروبي فقال: "إذا نظَرت إلى العالم الإسلامي في ساعة الصلاة بعين طائرٍ في الفضاء، وقُدِّر لك أن تستوعب جميع أنحائه، بغض النظر عن خطوط الطول والعرض - لرأيت دوائر عديدة من المتعبدين تدور حول مركز واحد هو الكعبة، وتنتشر في ساحة تزداد قدرًا وحجمًا.

ثم إنهم في صلاتهم يناجون الله بهذه الصيغة الجماعية: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 5 - 7]، فالأمة الإسلامية أمة واحدة، ربهم واحد، ودينهم واحد، وكتابهم واحد، وقِبلتهم واحدة، وعبادتهم واحدة، وهدفهم واحد؛ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين ﴾ [الأنعام: 162- 163].

فالصلاة بذلك تعطي الأدب الوحدوي؛ فهي عبادة واحدة من أمة واحدة لربٍّ واحد؛ ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

فالمتأمل في شعائر الإسلام وشرائعه - يجد الدليل العمل على ضرورة التزام الجماعة في كل أمر ذي بال، لقد شرع الله الاجتماع في معظم العبادات، وهو عنوان صلاح الناس، فالصلوات الخمس والجمعة التي تجتمعون فيها هذه الساعة، والعيدان والصوم - خصه الله في شهر واحد وحده في وقت معين؛ ليصوم الناس في نفس هذا الوقت، وتظهر فيه وحدة الأمة وترابطها.

وهكذا الحج يجتمع فيه المسلمون ممن كتب الله لهم هذه الفريضة من سائر أقطار الأرض، في مظهر واحد، لا فوارق ولا ميزات، ولا مظاهر الشعار والميزان والتفاضل، كل ذلك بالتقوى.

وهذا واضح جدًّا من معنى الحديث: ((المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضًا))، فالبنيان المتماسك القوي هو الذي تكون أجزاؤه قوية سليمة، أما إذا كانت الأجزاء تالفة، تنخر فيها الأكلة، فهنا يدب لها الفساد، ولا تلبث أن تنهار؛ لأنها معرضة دائمًا لهبوب الرياح

فالاعتصام بحبل الله وعدم التنازع والفرقة - هو الحجر الأساسي في بناء صرح الأمة؛ يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - في هذا السياق: ((عليكم بالجماعة؛ فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة)).

واختلاف الناس في الأجناس واللهجات والألوان، إنما هو من أقوى الأدلة على كمال القدرة الإلهية في خلْق البشر ومساواتهم جميعًا أمام الله؛ ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22].

خامسا: عدم السمع والطاعة لولاة الأمور فى المعروف:

مما يوضح ما للاجتماع من استقرار الأمور وحسن الأحوال؛ أن يجتمع المسلمون فيما بينهم، لهم ولاية واحدة، يسمعون لها ويُطيعون بالمعروف، ويكون هذا على وجه الخصوص لدى تسلُّط الأعداء، وتعدُّد الفتن، يُبيِّن هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((وإنما الإمام جُنة يُقاتَل من ورائه، ويُتَّقى به))؛ يقول الإمام النووي رحمه الله: الإمام في قوله عليه الصلاة والسلام: ((الإمام جُنة))؛ يعني: كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويَمنع الناس بعضَهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتَّقيه الناس ويَخافون سَطوته.

ومعنى قوله: ((يُقاتَل من ورائه))؛ أي: يقاتَل معه الكفار والبُغاة والخوارج، وسائر أهل الفساد والظلم مطلقًا؛ انتهى كلامه رحمه الله.

وهذا يوضِّح أيضًا أن أئمة المسلمين ليسوا مطلقي الأيدي في رعيتهم وشعوبهم، يفعلون ما يريدون، ويتصرَّفون كما يشاؤون، إنما الواجب عليهم أن ينظروا في مصلحة رعيَّتهم، وأن يكونوا عونًا لهم على تيسير معايشهم.

ومن المستحيل أن يكون في شرع الله ما يكون للإمام فيه أن يقاتل رعيَّته، وأن يتسلَّط عليهم، فإن عذابه حينئذ يكون عظيمًا وعاقبته شنيعة، وإنما تنتظم الأمور بإمام يَحكم بالشرع، ويتلمس مصالح رعيَّته، ويكون من انتظام الأمور رعية تسمع وتُطيع بالمعروف، وتتابع إمامها، وتصبر على ما قد يكون من الجَور رعاية للمصالح العظمى للأمة،

 ومما يدل على هذا الأصل ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَن كرِه من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة الجاهلية))، وفي لفظ: ((من رأى من أميره شيئًا فكرِهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت، إلا مات ميتة الجاهلية))؛

 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "معنى قوله شبرًا: هذا كناية عن معصية السلطان ومحاربته"، وقال الإمام ابن أبي جمرة رحمه الله: "المراد بالمفارقة: السعي في حَلِّ عَقْد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار شبر؛ لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق".

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مات ميتة جاهلية))، معنى ذلك أنه يكون على ما كان عليه الجاهلية من قبل، فيموت كموتهم على ضلال، وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، يعني أنهم كان كل منهم يعتبر نفسه رأسًا، ويريد أن يُصرِّف الأمور؛ فلذلك ضعفوا وتسلَّط عليهم مَن حولهم من الأمم، وهذا بيِّنٌ في تاريخ الأمة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم كانوا مُتسلَّطًا عليهم من قبل الأمم الأخرى!

ثم إن مما يوضح ما يجب على المسلمين من المحافظة على هذا الأصل العظيم، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمر ما داموا مقيمين بالصلاة، وما داموا محافظين على الأصول العظمى التي جاءت بها الشريعة،

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((عليك السمع والطاعة في عُسرك ويُسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك))؛ قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس، وفي غيره مما ليس بمعصية، فإن كان معصية فلا سمع ولا طاعة؛ كما صرَّح به في الأحاديث الباقية.

والمقصود أن المسلمين إنما يتنعَّمون بالحياة الطيبة، وما يكون من الخير في معاشهم ومعادهم، بأن تكون لهم جماعة متآلفة، ولا جماعة تكون إلا بإمام يُسمع له ويُطاع بالمعروف، حتى لو وُجِد في بعض الأحيان ما يكون من استئثار الأئمة ببعض أمور الدنيا، فإن ذلك لا يُبيح الخروج عليهم، بل الواجب الصبر على ذلك؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ((أدُّوا الذي لهم، وسَلُوا الله الذي لكم))، وهنا لحظ النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون عادة - وفي الغالب - من الأئمة من الاستئثار بأمور الدنيا، ولذلك نص في البيعة: وعلى أثرة علينا، والأثرة هي: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا؛ يقول النووي رحمه الله: أي: اسمعوا وأطيعوا، وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يُوصلوكم حقَّكم مما عندهم.

وهذا كله أيها الأخوة الكرام يُبين رعاية الشريعة للمصلحة العظمى، وهي انتظام الأمور واجتماع الناس، وألا يكون بينهم الشقاق والفرقة والاختلاف؛ لأن عاقبة ذلك في الغالب إذا وُجِد التنازع والاختلاف أنها تتقطع السبل، ولا يستطيع الناس إقامة معايشهم، فلا أعمال تُقام، ولا أحوال تُدار، ولا يُمكن إقامة العبادات كما أمر الله جل وعلا؛ لأن الناس بعد ذلك يَصيرون في خوف وهلعٍ، همُّهم الإبقاء على رمَقهم، والإبقاء على حياتهم، وهذا مشاهد في كثير من الدول في الماضي والحاضر،

وكيف أنه إذا وُجِد التنازع بين أهل البلدة الواحدة، فإنهم يكونون إلى شر عظيم، والدخول إلى هذا المنتهى من التنازع حينما لا توجد قيادة يسمع لها ويطاع، حتى ولو كان عند هذه القيادة ما عندها من الخلل في أمور الدنيا، ما دام الدين سالِمًا، وهذا مشاهد في القديم والحديث، ومن هنا تَوارَدت النصوص التي توجب الحفاظ على هذه المصلحة العليا، والتراضي عن المصالح الدنيوية، والمصالح العليا هي الحفاظ على الكليات الخمس التي جاءت الشريعة بتأكيدها، والشرائع جميعًا، وهي رعاية الدين: الحفاظ على الدين وإظهاره، وكذلك الحفاظ على الأنفس والأرواح، وهكذا الحفاظ على الأعراض، وكذلك الحفاظ على الأموال، كل ذلك مما يجب العناية به، ولا يكون إلا بوجوب جماعة للمسلمين من خلف إمام يُسمع له ويُطاع.

ولذا كان توارُد هذه النصوص التي تؤكد هذا الأمر، وتَعِد بالثواب العظيم وحُسن العاقبة لمن حافظ عليه، كما أنها تتوعَّد بسوء العاقبة لمن أخلَّ به، وفتح على المسلمين باب الشر في تنازعهم فيما بينهم، وفي اختلافهم واقتتالهم فيما بينهم عياذًا بالله من ذلك.

 الوحدة وعدم التفرق سبيل النصر والقوة

 

قال الله  تعالى :" وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "(آل عمران: 105).

والاتحاد قوة، والقوة تؤدي إلى النصر، والتفرق ضَعف، والضعف يحقِّق الهزيمة، والتاريخ خير شاهد على ذلك، اتحدَّ المسلمون في غزوة بدر، فانتصروا، واختلفوا في غزوة أُحد، فكان منهم مَن طلَب الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، ومنهم مَن طلب المال والعتاد، فخالفوا أمْر الرسول، فانهزَموا، وقد قال أحدهم: لماذا هُزِمنا وقد وعَدنا الله النصر؟ فأنزَل الله قوله موضِّحًا أسباب الهزيمة: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ "(آل عمران: 152).

وشرح هذا المعنى أحد الحكماء لأولاده؛ ليُلقنهم درسًا في الاتحاد، فقدم إليهم حُزمة من العصي قد اجتمعت عيدانها، فعجزوا عن كسْرها، فلما فُكَّ الرباط، وتفرَّقت الأعواد، تكسَّرت واحدًا واحدًا، وصور ذلك الشاعر العربي،

فقال:

كُونُوا جميعًا يا بَنيّ إذا اعتَرى 

                                خَطْبٌ ولا تتفرَّقوا آحادَا

تأبَى العِصِيُّ إذا اجْتمعْنَ تكسُّرًا

                            وإذا افْتَرَقْنَ تكسَّرت أفْرادَا

ولقد حضَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - على مبدأ الإخاء وإعلانه وتطبيقه منذ قَدِم المدينة؛ كما جاء في سيرة ابن هشام؛ حيث روى أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - حينما قَدِم المدينة كتب كتابًا بين المؤمنين والمهاجرين مع أهل يثرب من المدينة، ومَن جاورهم من اليهود، جاء فيه:"هذا كتاب من محمد النبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومَن معهم، فلَحِق بهم، فحلَّ معهم، وجاهَد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس".

وهذا أول دستور عرَفته البشرية يُحدِّد إقليم الدولة الإسلامية، وهو المدينة، ويحدد شعبها وهم المسلمون، والأقليات التي تعيش معهم، ويحدِّد دستورها، وهو كتاب الله وسُنة الرسول محمد.

والواجب على الأمة الإسلامية اليوم أن تتَّحد وتأتَلف، فالتاريخ يحذِّرنا، انظر إلى تاريخ الأندلس مثلاً التي نُلقِّبها الآن بالكنز المفقود، تفرَّق المسلمون، واتَّصلوا بأعدائهم المسيحيين في أوروبا، وكان المسيحيون يستجيبون لهم ويقتل المسلمون بعضهم بعضًا، وهم يقفون موقف المتفرج؛ لعل الأحداث الآن في الوطن العرب كما كانت سابقًا في الأندلس، فالأمة العربية الآن متناحرة، والأعداء حولها يقفون موقف المتفرِّج.

قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ترَكت فيكم ما إن تمسَّكتم به، لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسُنتي))، ((يد الله مع الجماعة، والشيطان مع مَن يخالف الجماعة)).

وصدق الله إذ تبارك وتعالى إذ يقول ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال : 46].

أتى بفاء التعقيب فقال ناهياً لنا عن التنازع والاختلاف ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا ﴾ فإذا حصل التنازع والاختلاف ذكر مباشرة عواقب ذلك فقال ﴿ فَتَفْشَلُوا ﴾ وليس الفشل وحده فقط وإنما أيضا ﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ أي تضعف قوتكم وتتلاشى هيبتكم وتصيروا لقمة سائغة لعدوكم.

ولتنتظر المزيد من الفشل الذريع وتبدد القوة وذهاب الهيبة وحلول الوهن إن أصررنا على التناحر والاختلاف الذميم فيما بيننا.

عجباً لنا عندما تتوحد أصولنا فنختلف على الفروع البسيطة والمسائل الهينة التي من المفترض أن نعتبر الخلاف فيها من خلاف الرحمة والتنوع لا من اختلاف التضاد والمكايدة لأنها مسائل اجتهادية فنحولها من مسائل بسيطة إلى مسائل كبيرة يهجر بعضنا بعضاً من أجلها بل وربما يحصل الاقتتال وسفك الدماء من أجل هوى النفوس وتجاذب القلوب وتحكم الأهواء

يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع العوام فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر).إني أنصح نفسي وإياكم أن نبتعد عن الاختلافات وحب الجدال وكثرة المراء فإن المرء لا يجني من وراء ذلك إلا قسوة القلوب ووحشة الصدور وكره إخوانه المسلمين وخاصة أهل الفضل والسبق منهم والانشغال بالتوافه والمحقرات عن ما هو أهم وأجدر.

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ" [المعجم الأوسط (4693)]

ولنعلم جميعاً أن اجتماعنا ولو على أمر مرجوح خير من تفرقنا واختلافنا على أمور شتى كل واحد منا يرى أن أمره راجحاً.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ" [الترمذي (2165)].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: "الْزَمُوا هَذِهِ الطَّاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَأَنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ" [المعجم الكبير للطبراني (8973)].

  الخلاف شر .فاعتبروا يا أولى الأبصار

 

واجبنا أن  نعتبر ونتعظ  بما وقع لغيرنا من الأمم بسبب الخلاف الشقاق والتنازع  وما حل بهم من الاحتراب والاقتتال  والتشرد للآلاف وضياع للأموال والقتل والتشريد للملايين وانتهاك للأعراض ....الخ

 فلنتعظ بذلك ولنعتبر به ولنبتعد كل البعد عن الاختلاف والتفرق خاصة بيننا نحن أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة  ويجب أن ينصح بعضنا بعضاً بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن حتى نجتمع على كلمة سواء ويهيئ الله لهذه الأمة المحمدية أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية.

ولنعلم علم اليقين أن الافتتان الداخلي فيما بيننا وتفتتنا ليس في مصلحتنا أبداً وإنما هو لمصلحة أعدائنا خاصة في ظل هذه الهجمة الشرسة من أعداء الإسلام علينا وسنؤكل كما أكل الثور الأبيض وسيستبدلنا الله بغيرنا أن لم تجتمع قلوبنا على قلب رجل واحد.

يقول الله جل وعلا ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام : 153].

ويقول سبحانه: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ [الشورى : 13].

وهناك من الأمورُ الشَّرعيَّةُ  التى يَنبغي التَّحرُّزُ والاحتياطُ فيها، وخاصَّةً إذا وُجِد بينَ النَّاس مَن لا يَستطيعُ فَهْمَ الأمورِ على حَقيقتِها أو ليس لدَيه العِلمُ الكافي الَّذي يُؤهِّلُه لِمَعرفةِ العَزائمِ والرُّخَصِ في الشَّرعِ ومَعرِفةِ أوقاتِها، وكذلك فإنَّ لإِمامِ المسلِمين أن يَأخُذَ بما يَراه في صالحِ النَّاسِ، ويَنبَغي السَّمعُ له والطَّاعةُ.

ولنا فى أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم الأسوة  الحسنة

يَقولُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ:

أي: صلَّى عثمانُ بنُ عفَّانَ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ تامَّةً في أيَّامِ مِنًى مِن أيَّامِ الحجِّ ولم يَقصُرْها لرَكعتَينِ، كما فعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.

وإتمامُ عُثمانَ كان اجتِهادًا منه؛ لأنَّه اعتقَدَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قَصَر الصَّلاةَ لَمَّا خُيِّرَ بين القصرِ والإتمامِ؛ فاختار الأيسرَ مِن ذلك على أمَّته، فأخذ عثمان في نفسه بالشِّدَّةِ وترَكَ الرُّخصةَ؛ إذ كان ذلك مباحًا له في حُكمِ التَّخييرِ فيما أذِنَ اللهُ تعالى فيه. وقيل -كما في روايةٍ أخرى-: "إنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ أتمَّ الصَّلاة بمِنًى مِن أجلِ الأعرابِ؛ لأنَّهم كثُروا عامَئذٍ فصلَّى بالناسِ أربعًا؛ ليُعلمهم أنَّ الصَّلاةَ أربعٌ"، فأتمَّ لأنَّ النَّاسَ كَثُروا ويَأخُذون في الحجِّ أمورَ الدِّينِ مِن الأئمَّةِ والعُلماءِ، فخافَ أنْ يتَصوَّرَ البعضُ أنَّ الصَّلاةَ ركعتَانِ فقَطْ، فأتَمَّ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ؛ حتَّى يتَعلَّمَها الجُهَّالُ والأعرابُ، وقِيلَ غير ذلك.

فقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "صلَّيتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ركعَتَينِ ومعَ أبي بَكرٍ رَكعَتَينِ ومع عُمرَ ركعتَين- زادَ عن حفصٍ"، وهو ابنُ غِياثٍ أي: زاد في روايتِه: "ومَع عُثمانَ صدرًا مِن إمارتِه، ثمَّ أتَمَّها"، أي: كانوا يَقصُرون الصَّلاةَ الَّتي أتَمَّها عُثمانُ في آخِرِ أمرِه.

"قال الأعمشُ: فحدَّثَني مُعاويةُ بنُ قُرَّةَ عن أشياخِه: "أنَّ عبدَ الله"، وهو ابنُ مسعودٍ "صلَّى أربعًا، فقيلَ له: عِبتَ على عُثمانَ ثمَّ صلَّيتَ أربعًا"، أي: فعَلتَ ما كنتَ تَعيبُه على عثمانَ بنِ عفَّانَ، فقال عبدُ اللهِ: "الخِلافُ شرٌّ"، أي: إنَّ الخِلافَ بينَ المسلِمين في ذلك الموطنِ شرٌّ وأعظمُ مِن الإصرارِ على الرَّكعتَينِ ومُخالَفةِ الإمامِ؛ إشارةً إلى جَوازِ الإتمامِ وهو خِلافُ الأَوْلى، وهذا مبدَأٌ عظيمٌ، وخاصَّةً في الأمورِ الاجتهاديَّةِ الَّتي تَحتَمِلُ أكثرَ مِن وجهٍ، وعلى العُلماءِ أن يَلتَزِموا بما اختارَه وليُّ الأمرِ لِمَا رأَى فيه مِن المصلَحةِ.

وفي الحديثِ: بيانُ ضَرورةِ طاعةِ ولِيِّ الأمرِ فيما اجتَهَد فيه؛ ما دام لم يُخالِفْ نَصًّا ولم يَبتَدِعْ.

وفيه: أنَّ لِوَليِّ الأمرِ أن يُراعِيَ المصلحةَ العامَّةَ للمُسلِمين.


الخلاف شر 

نعم الخلاف شر- كلمتان صادقتان، قالهما الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، والمناسبة والسياق الذي قال لأجله هاتين الكلمتين فهو أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى بالناس في منى أربع ركعات، وقد ذكر ابن حجر: كلام العلماء في تفسير اجتهاده هذا، وكان ابن مسعود يرى القصر ركعتين لكونه صلى مع النبي عليه الصلاة والسلام بمنى ركعتين، ومع أبي بكر رضي الله عنه ركعتين، ومع عمر رضي الله عنه ركعتين، وكان يقول: ليت حظِّي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (كما روى ذلك البخاري ومسلم)،


 ومع ذلك صلى في منى خلف عثمان أربعاً، فقيل له في ذلك: كيف تصلي أربعا وأنت ترى القصر ركعتين، فقال كلمته الشافية الكافية (كما في سنن أبي داود): الخلاف شر.

وهذا دليل على عمق فهم الصحابة رضي الله عنهم، فالخلاف والنزاع اللذان يسببان تفرق الكلمة والإثارة والشر لا خير فيهما، ولهذا تُلتَزم أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، ولا ريب أن مصلحة الصلاة مع إمام المسلمين، وجمع الكلمة عليه، أعظم مصلحة من فعل ما يراه ابن مسعود هو الصواب.

ومفسدة التشويش على إمام المسلمين، وعدم الصلاة معه، أعظم مفسدة من ترك ما يراه ابن مسعود صواباً، هذا الفقه السلفي الموافق للنصوص الشرعية، يحتاجه كثير من المفكرين وحملة الأقلام، وأهل العلم والإعلام.

وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله: (ويسوغ أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة، خوفاً من التنفير عما يصلح، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم؛ لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم، وقال ابن مسعود، لما أكمل الصلاة خلف عثمان وأنكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال: «الخلاف شر»، فالنزاع والخلاف سببان للفشل، وذهاب الريح، وفرَح الأعداء، وتسلطهم، برهان ذلك قوله تعالى (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم)، أي: ولا تختلفوا فتتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، وتذهب ريحكم، يقال للرجل إذا أقبل ما يحبه ويُسَرّ به، الريح مقبلةٌ عليه، وإذا ذهبت قوته، ودخل عليه الوهن والضعف، يقال: ذهبت ريحه.

صحيح أن الخلاف مقدر كونا، لكنه غير مرغوب فيه شرعا، لأنه شرٌ وبلاء، قال المُزني عند قوله تعالى (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات): ذمَّ الله الاختلاف، وأمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينِهِ ما ذمه، وقال تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)، فجعل أهل الرحمة مستثنين من الاختلاف الذي يضر.

وما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «اختلاف أمتي رحمة»، فهذا لم يقله رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال الألباني-رحمه الله -عنه: «لا أصل له، بل هو مناقض لقوله تعالى (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد)، قال ابن حزم رحمه الله (لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطاً، وهذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط، وأما الحديث المذكور فباطل مكذوب، من توليد أهل الفسق).

وأما الخلافات المعتبرة التي لا تؤدي إلى افتراق، فهي سائغة، لأن فيها فتحا لباب الاجتهاد الذي فيه سعة على المسلمين، فيكون رحمة لهم من هذه الجهة، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم، من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتاباً سمّاه (كتاب الاختلاف)؛ فقال أحمد: (سمِّه كتاب السعة)، وإن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه؛ لما في ظهوره من الشدة عليهم)، فهو إذًا رحمة من جهة الاجتهاد والتوسعة.

واليوم كثرت الأهواء المضلة عند بعض الناس، وأُعجب كل ذي رأي برأيه، فصار بعض المعجبين بأنفسهم - هداهم الله - يُشاغبون بما لا يسوغ الخلاف فيه، ولا ينظرون في عاقبة أمرهم وخلافاتهم، وما يحدثونه من صخب وشر وفتن، وقد يكونون جاهلين بحقائق ما يخالفون فيه، بينما كما تقدم ها هو الفقيه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو الذي مُلء علما وفهما، لم يُشاغِب في عرض رأيه الذي يراه صوابا، وإنما احتفظ به لنفسه، وتابع الإمام، وقال قولته المشهورة: (الخلاف شر)، ولهذا كان من منصوص اعتقاد أهل السنة والجماعة قولهم: (ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً)، ولا تحصل الجماعة إلا بالائتلاف، ولا تحصل الفرقة والفشل وذهاب الريح وتسلط الأعداء إلا بالتنازع والخلاف، وصدق الله العظيم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).

وفى الختام :

إني أنصح نفسي وإياكم أن نبتعد عن الاختلافات وحب الجدال وكثرة المراء فإن المرء لا يجني من وراء ذلك إلا قسوة القلوب ووحشة الصدور وكره إخوانه المسلمين وخاصة أهل الفضل والسبق منهم والانشغال بالتوافه والمحقرات عن ما هو أهم وأجدر.

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ" [المعجم الأوسط (4693)].

ولنعلم جميعاً أن اجتماعنا ولو على أمر مرجوح خير من تفرقنا واختلافنا على أمور شتى كل واحد منا يرى أن أمره راجحاً.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ" [الترمذي (2165)].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: "الْزَمُوا هَذِهِ الطَّاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَأَنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ" [المعجم الكبير للطبراني (8973)].


google-playkhamsatmostaqltradent