
الظلم فاتورة باهظة الثمن
والعجيب أنها تسدد مرتين في الدنيا والأخرة
بعض المظلومين ينتظرون أن تكون عقوبة الله للظالم عقوبة سريعة وفورية ومباشرة
ولكن القرأن الكريم أخبرنا بأن الظالم يمربأربع مراحل حتي ينتقم الله من الظالم
المرحلة الأولي :"الإمهال والإملاء
قال تعالي:" وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"(الأعراف: 183).
وأمهل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا وأؤخر عنهم العقوبة حتى يظنوا أنهم لا يعاقبون، فيزدادوا كفرًا وطغيانًا،ويستمروا على تكذيبهم وكفرهم حتى يُضاعَف عليهم العذاب،.
إن كيدي متين، أي: قوي شديد لا يُدْفع بقوة ولا بحيلة، فأظهر لهم الإحسان، وأريد بهم الخذلان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِتْه" قال: ثم قرأ:"وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "(هود: 102). (البخاري ومسلم ).
المرحلة الثانية :"الاستدراج
قال تعالي:" وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ "(الأعراف/182)
أي: والذين كذبوا بآيات اللّه الدالة
على صحة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من الهدى فردوها ولم يقبلوها.
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ بأن يدر لهم الأرزاق.
المرحلة الثالثة :" التزين
:"وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ"(النمل/24).
وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: هم مشركون يعبدون الشمس. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فرأوا ما عليه هو الحق، فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ لأن الذي يرى أن الذي عليه حق لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته..قال تعالى :فَفَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"(الأنعام : 44 ،45).
أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم"
"أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
فأين الجبابرة؟! وأين الأكاسِرة؟! وأين القياصرة؟! وأين الفراعنة؟! أين الطغاة؟! وأين الطواغيت؟! أين عاد؟! وأين ثمود؟! وأين قوم نوح؟! وأين قوم لوط؟!.
أين الظالمون؟ وأين التابعون لهم في الغي؟ بل أين فرعون وهامان
وأين من دوخوا الدنيا بسطوتهم
وذكرهم في الورى ظلم وطغيان؟
هل فارق الموت ذا عز لعزته؟
أم هل نجا منه بالسلطان إنسان؟
لا والذي خلق الأكوان من عدم
الكل يفنى فلا إنس ولا جانُ
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال:"اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:"دعوة المظلوم تحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"(ابن حبان في صحيحه).
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
الظلم سبب في العذاب والخسران في الآخرة؛ ويكفي في التحذير من ذلك قول ربنا سبحانه: " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ "(إبراهيم: 42).
إياك أن تظن أن الله تعالى غافل عن هذه الأرواح التي تُزهق، ولا عن هذه الدماء التي تُسفك، ولا عن هذه الأعراض التي تُنتَهك، ولا عن هذه الحرمات التي تُستباح، ولا عن هذه الأموال التي تُسلب، ولا عن هذه المنكرات التي تُرتَكب." وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ "(إبراهيم: 42، 44).
يا من وقعت في ظلم العباد؛ بادِرْ برَدّ المظالم إلى أهلها:
اجتهدْ في رَدّ الحقوق والمظالم إلى أهلها ما دُمْتَ في هذه الدنيا، أو تحللْ منها بالْتِماسِكَ من المظلوم المسامحةَ والعفوَ والتجاوز، قبل أن تُؤخَذ منك الحسناتُ في الآخرة، أو تتحمّل من أوزار المظلوم بقدر مظلمته
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما المفلس"؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعْطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحَتْ عليه، ثم طرح في النار"(مسلم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كانت له مَظلمة لأخيه مِن عِرْضِه أو شيء، فليتحَلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينارٌ ولا دِرهم، إن كان له عملٌ صالح أُخِذَ منه بقدْرِ مَظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخِذَ مِن سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه"(البخاري).