
مفهومُ الكِبر وأنواعه
أسبابُ الكِبر
عواقبُ الكِبر في الدنيا والآخرة.
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:
مفهوم الكِبر وترهيب الإسلام
منه
:
عباد الله :
إنَّ الدينَ الإسلامِيَّ الحنيفَ دينٌ
يدعُو إلى القيمِ والأخلاقِ الفاضلةِ، وينهَى عن سيءِ الأخلاقِ، ولأهميةِ الأخلاقِ
كانتْ الدعوةُ الإسلاميةُ في مكةَ ثلاثةَ عشرَ عامًا منحصرةً في عبادةِ اللهِ
تعالى وغرسِ مكارمِ الأخلاقِ.
ومِن أهمِّ الظواهرِ الاجتماعيةِ
المعاصرةِ التي ينهَى عنهَا الشارعُ الحكيمُ ( ظاهرةُ الكِبر)
والكِبر هو : رد الشرع والاستعلاء على
الناس والتكبر عليهم وازدراؤهم واحتقارهم
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال "الكبر بطر الحق وغمط الناس " رواه مسلم
فالكبر من الصفات الممقوتة التي نهي
عنها الشارع الحكيم
.
وقد ذم الله تعالى الكِبر والمتكبرين
في مواضع عديدة من القرآن الكريم؛ قال تعالى:
"سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ" (الأعراف: 146).
وقال:{ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ}.(غافر: 35) ؛
وقال:{إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ}.
(النحل: 23) ؛
وقال:{ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.(غافر: 76).
وقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.[غافر: 60]، أَي: صَاغِرِينَ.
والتكبر والكبرياء من صفات الله تعالى
الذي اختص بها دون غيره ؛
قال تعالى:
{ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . (الجاثية: 37) .
وقال تعالى:
{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
(الحشر: 23)
.
لذلك كل من يحاول أن يحمل هذه الصفة
يعذبه الله تعالى؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :” الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي
، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، مَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا ، أَلْقَيْتُهُ
فِي جَهَنَّمَ ” . ( أبو داود وابن ماجة بسند حسن ) .
وقد رهب النبي – صلى الله عليه وسلم –
من داء الكِبر:
في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة ؛
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ –
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
قَالَ :” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ
كِبْرٍ . قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا
وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ؛
الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ” . ( مسلم ).
وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رَسُول
اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ،
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً . وإِنَّ
أَبَغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ، الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ
وَالمُتَفَيْهِقُونَ” قالوا: يَا رسول اللَّه قَدْ عَلِمْنَا الثَرْثَارُونَ
وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفيْهِقُونَ؟ قَالَ:”المُتَكَبِّروُنَ” . ( أحمد
والترمذي وحسنه
).
كذلك كثرت أقوال السلف في ذم الكِبر
والمتكبرين ؛ ” يقول الأحنف بن قيس: عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول
مرتين
.
وقال محمد بن الحسين بن علي: ما دخل
قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر . وسئل
سليمان عن السيِّئة التي لا تنفع معها حسنة فقال: الكِبْر .
– وقال النعمان بن بشير على المنبر: إنَّ
للشيطان مصالي وفخوخًا ( أي مصيدة) ،
وإنَّ من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكِبْر
على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله . ”
( إحياء علوم الدين)
.
وهكذا ذم الإسلام داء الكِبر ونهى عنه
كما جاء في القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة .
أنواع الكِبر :
التكبر على الله تعالى:
وهو الذين ينكرون وجود الله سبحانه
وتعالى كتكبُّر فرعون والنمرود حيث
استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى ؛ وادَّعيا الرُّبوبيَّة ، وهو أفحش أنواع الكبر .
قال تعالى في شأن المتكبر النمرود :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ
إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا
مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ } (البقرة : 258)
.
هذا هو النمرود بن كنعان ؛ ادعى
الألوهية ؛ وكان في زمن إبراهيم عليه السلام ؛ فلما دعاه إبراهيم عليه السلام إلى
عبادة الله الذي يحي ويميت ؛ جاء النمرود برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر فقال: أنا
أحي وأميت . فقال له إبراهيم عليه السلام : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها
من المغرب ؛ فبهت وسكت ولم يجب
.
فانظر كيف كانت نهايته ؟!!
بعث الله عليه بعوضة ، فدخلت في منخره
وفي أم رأسه، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق والنعال ، ولا يهدأ حتى يضرب
بالنعال ؛ فإذا وقف الضرب دوَّت البعوض في أم رأسه فيأمرهم بضربه ؛ وأرحم الناس به
من جمع يديه ، ثم ضرب بهما رأسه ، وكان جباراً
في ملكه أربعمائة سنة ، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ليكون الجزاء من
جنس العمل؛ ثم أماته الله ، وهو الذي كان بنى صرحاً إلى السماء ، { فَأَتَى
اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ
فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } [ النحل : 26 ]
. فقد أخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس في الآية ، قال : هو نمرود بن كنعان ” ( انظر تفسير ابن كثير ) .
وهذا فرعون طغى وتجبر في الأرض وادعى
الألوهية { فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } ( النازعات:
23 ؛ 24 ) . { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ
مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي
صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ
الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ }. [القصص: 38 – 39]. واعتقد أن
الملك ملكه والأنهار تجري من تحته ؛
{ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ
قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الزخرف: 51). فأبى الله إلا أن يجريها من فوقه ليكون
الجزاء من جنس العمل وهو الغرق والأنهار تجرى من فوقه ؛ وهذه هي نهاية وعاقبة
المتكبرين
.
التكبر على رسل الله تعالى:
وذلك بأن يمتنع من الانقياد له
تكـبُّرًا، جهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفَّار مكَّة وغيرهم من الأمم
السابقة ؛ وقد ذكر القرآن الكريم أن المعارضة للرسل كانت من المستكبرين ؛ { قَالَ
الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } . ( الأعراف: 75 ؛ 88 ) .{ قَالَ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا } . ( سبأ : 32 ؛ غافر: 47) . وغير ذلك من الآيات التي لا يتسع
المقام لذكرها
.
ونحن نعلم أن كفار قريش كانوا يعلمون
صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأمانته؛ ومع ذلك منعهم الكبر عن الإيمان والتصديق
بما جاء به ؛
التكبر على العباد
وذلك بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره،
ويزدريه، فيأبى الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان
دون الأوَّلين إلَّا أنَّه عظيم إثمه أيضًا؛
لأنَّ الكبرياء والعظمة إنَّما يليقان
بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضَّعيف، فتكبُّره فيه منازعة
للَّه في صفة لا تليق إلَّا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما
أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله للخزي، ومن ثمَّ فمن نازعه العظمة والكبرياء
أهلكه، أي لأنَّهما من صفاته الخاصَّة به تعالى .
ونحن نعلم جميعاً أن كبار كفار قريش
كانوا يأنفون من الجلوس مع الضعفاء من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم استكباراً
وأنفةً؛ فعَنْ سَعْدٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا قَالَ:
وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ
وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا؛ فَوَقَعَ فِي
نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يَقَعَ؛ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ وَلَا تَطْرُدْ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
}(مسلم). نزلت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بأن يقيم بعض العبيد الذين
أسلموا أو الناس الذين نزلوا في أنسابهم وأحسابهم من أجل حفنة من المشركين كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتألف قلوبهم على الحق.
هذه هي أنواع الكبر الثلاثة ؛ أعاذنا
الله وإياكم منها
.
العنصر الثاني: أسبابُ الكبر :
عباد الله: تعالوا لنقف مع حضراتكم في
هذا العنصر مع أسباب الكبر وكيف نتقيها حتى لا نقع فيها ونحن لا نشعر ؟! وكما قيل
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه……. ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
التكبر بالعلم :
فقد تجد شخصاً تعلم بعض العلوم ؛ أو
أخذ بعض الإجازات في علم معين ؛ فيظن أنه بلغ العلا ويتكبر على أقرانه بعلمه؛ وهذا
أفحش أسباب الكبر ؛ لأن العلم سبيل لخشية الله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } . ( فاطر: 28 ) .
التكبر بالمال:
ونحن نعلم قصة قارون الذي ضرب به المثل
في كثرة المال؛ فيقال : فلان عنده مال كمال قارون . قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ
كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا
إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ
قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ……….الآيات} .
(القصص: 76 – 83)
.
إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز،
كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء الأقوياء ؛ ولو عرفنا عن مفاتيح
الكنوز هذه الحال، فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!
فقارون لم ينسب الفضل لله؛ وإنما تكبر
بماله : { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي } أي بمهارتي وتجارتي ؛
فكانت النهاية { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } هكذا في لمحة خاطفة
ابتلعته الأرض وابتلعت داره ؛ وذهب ضعيفاً عاجزاً ، لا ينصره أحد ، ولا ينتصر بجاه
أو مال . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:” بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ
أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ ؛ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ
فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” . ( متفق عليه ) .
فاعلم يا عبدالله أنه مهما بلغ مالك
وملكك ؛ فإن ذلك لا يساوي شربة ماء شربتها وحبست فيك!! فعلام تتكبر ؟!!
روي أن ابن السماك دخل على هارون
الرشيد الخليفة العباسي يوما؛ فاستسقى الخليفة فأُتى بكأس بها؛ فلما أخذها قال ابن
السماك : على رسلك يا أمير المؤمنين! لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟! قال:
بنصف ملكي. قال: اشرب هنأك الله تعالى يا أمير المؤمنين. فلما شربها قال: أسألك
بالله لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها؟! قال: بجميع ملكي. قال ابن
السماك : لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء . فبكى هارون الرشيد …
التكبر بالحسب والنسب:
فكثير منا يفتخر بنسبه وحسبه ويترفع
على الناس بأنه فلان بن فلان؛ ويعامل الناس بأنفة وعلو واستكبار ؛ وكأنه خلق من
مادة غير التي خلق منها الناس جميعاً؛
و قد وضع النبي صلى الله عليه وسلم
العنصرية تحت قدميه في خطبة الوداع؛
فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ
سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ:
” ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية
موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين ،
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ
رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ
عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى
أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ،
قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ”. ( أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح ).
الكبر بالجمال وحسن الصورة:
وهذا أكثر ما يكون في النساء ، ولو
عقلت المتكبرة بجمالها لعلمت أن الجمال من نصيب الدود ؛ ولو تخيلت صورتها في القبر
بعدما أكل الدود لحومها وعينها ومنخرها ، لرأت منظراً مرعباً مخيفاً ، بل إن هذا
الجمال في الدنيا معرض للآفات والأمراض؛ فكم من مرض ترك الجميلة شوهاء والفاتنة
نكراء ، فينفر منها الناس بعدما كانوا يتلهفون على رؤيتها .
الكِبْر بالقوة والجسم :
فالقوه ليست هي مقياس الشرف بين الناس
،
فكم من أناس أقوياء جسام ولكنهم من
الداخل خواء ؛ فعلام يتكبرون ؟!!
وانظر إلى الأمم السابقة الذين تجبروا
بقوتهم وكيف كانت نهايتهم ؟!
فهذه عاد تجبرت وتكبرت بقوتها فكيف
كانت نهايتها؟!! { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ اللَّهَ
الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا
يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ
لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ
الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ }. [فصلت: 15- 16].
عواقبُ الكبر في
الدنيا والآخرة
:
عباد الله: للكبر آثار ذميمة وعواقب
وخيمة في الدنيا والآخرة ؛
فالمتكبر دائماً يمقته الناس ويبغضونه
ولا يألفونه ؛ الكل يتأفف من رؤيته والجلوس معه ؛
وعن مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير
أنه رأى المُهَلَّب وهو يتبختر في جبة خز، فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها
الله ورسوله. فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال بلي، أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك
جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرِة. فمضى المهلب وترك مشيته تلك” . ( إحياء
علوم الدين
).
يقول الله تعالى ” ولا تمش في الأرض
مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولت تبلغ الجبال طولاً .
وانظر كيف كان عاقبة المتكبرين من
الأمم السابقة كما ذكرت في القرآن الكريم كمثل قارون وفرعون وعاد وغيرهم ؛ وانظر –
أيضاً – إلى هذا الرجل الذي منعه الكبر أن يأكل بيمينه ؛ فقد روي أَنَّ رَجُلًا
أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ». قَالَ:
لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ». قَالَ
فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.”. ( مسلم ) .
أما في الآخرة فقد تواترت السنة
النبوية في الحديث عن ما أعده الله من عقوبات للمتكبرين في الآخرة ؛ فعَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
:
يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ
القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ
تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ
الخَبَالِ ” . ( أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ) .
وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أكثر
أهل الجنة الضعفاء وأكثر أهل النار المتكبرون ؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْتَجَّتِ النَّارُ ،
وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ : هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ ،
وَالْمُتَكَبِّرُونَ ، وَقَالَتْ : هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ ،
وَالْمَسَاكِينُ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي
أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ
مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ” . ( مسلم ) .
وعن حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ ، أَنَّهُ
سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا
أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ
لَأَبَرَّهُ ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ قَالُوا :
بَلَى ، قَالَ : كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ “. ( متفق عليه ).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
” ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ؛ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ؛ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ” .
( مسلم
) .
وهكذا كانت عواقب الكبر والتكبر
والسخرية في الدنيا من المقت والبغض
والكراهية.
وتنتهي بالهلاك والدمار كما حل بالأمم السابقة ناهيك عن الذل والعذاب الذي أعده الله للمتكبرين في الآخرة .