recent
أخبار عاجلة

خطبة الجمعة أنا نوُر ونارٌ لفضيلة الشيخ عبدالناصربليح

             أنا نوُر ونارٌ

 متى تكون كلمة (أنا) نور ومتى تكون نار..؟

كلمة أنا قيلت في الخير قالها الله ورسله

كلمة أنا قيلت في الشر قالها إبليس وجنده 

أنا الشريرة لها عواقب وخيمة خلدت إبليس في النار


 الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلي ألك وصحبك وسلم تسليماً كثيراً   أما بعد فياعباد الله

حديثنا إليكم اليوم عن  كلمة الأنا

 متى تكون كلمة (أنا) نور ومتى تكون نار..؟

تكون نورا حينما تُقال تواضعا ومحبة وأفضل كلمة قيلت كلمة انا قالها الله ورسله والصالحون 

وتكون نارا حينما تُقال تكبراّ واستعلاءوأخطر كلمة قيلت  كلمة أنا قالها إبليس وجنده فرعون وقارون والنمرود ومن علي شاكلتهم من اهل الكبر والغرور 

فهي حسب نية قائلها

فرق كبير بين من قال (أنا) خير منكم  ، وبين من قال (أنا) أمنة لكم...

قالها المولى عز وجل تعريفا بنفسه :"نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "(٤٩ الحجر).

:"وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ"(٨٩/ الحجر).

:"يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ "(النحل/2).

 قال تعالى :"فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى.وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى . إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي"( طه /11،14) .

قال تعالى :"فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"( النمل / 8 ، 9 ) .

قال تعالى :"فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"(القصص /30 ).

ولماأراد ان يعرفنا بأنَّ دولةَ الباطلِ ساعةٌ ودولةَ الحقِّ إلى قيامِ الساعةِ،
وأنَّ الأمةَ المحمدية منصورةٌ بوعدِ اللهِ وصدقِ نبيِّهِ ﷺ، 
 قالَ :" إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ )، وقالَ:" كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ".هذا وعدُ اللهِ قاطعٌ جازمٌ بأنْ ينصرَ رسلَهُ والذين آمنوا معه"().
قالها قابيل يكف نفسه عن الشر:" 

:"لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٨ المائدة﴾

قالها إبراهيم ليعرف قومه العبادة الحق:"إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ "(٧٩ الأنعام).

قالها يوسف وهي من أعظم كلمات أنا فالأولي عرف نفسه لأخيه كي يطمئن ولايبتئس بأفعال الأشرار من باقي ألأخوته :" وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)

أي: لما دخل إخوة يوسف على يوسف { آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي: شقيقه وهو "بنيامين" الذي أمرهم بالإتيان به، [و] ضمه إليه، واختصه من بين إخوته، وأخبره بحقيقة الحال، و { قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ } أي: لا تحزن { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن العاقبة خير لنا، ثم خبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر.

وقالها أنا مدوية ليعرفهم بنفسه بعد أن عرفوه :"قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)

فعرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فقالوا:"أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا " بالإيمان والتقوى والتمكين في الدنيا، وذلك بسبب الصبر والتقوى،" إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ"أي: يتقي فعل ما حرم الله، ويصبر على الآلام والمصائب، وعلى الأوامر بامتثالها" فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ " فإن هذا من الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

قل لهم يامحمدهذه طريقتي، أدعو إلى عبادة الله وحده، على حجة من الله ويقين، أنا ومن اقتدى بي، وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء، ولستُ من المشركين مع الله غيره
قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"(١٠٨ يوسف). 

قالها نبينا ليعرفهم برسالته إن أنا إلانذير وبشير :"قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١٨٨ الأعراف﴾.

قالها نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بأمر من الله ليعرفهم ببشريته 

 قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠ الكهف﴾

قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ﴿١٠٤ الأنعام﴾

قال نبينا :" أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ"(  صحيح ابن ماجه).

قالها في غزوة حنين:" أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب؟

وعلى هذا

فليس كل من قال: أنا، فهو بالضرورة قد وقع في داء الأنانية أو الغرور، ليس كل من قال: أنا، فهو متعالٍ على الغير متكبر، كلا، قد قال خير البشر -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، وقال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر".

فقد يتحدث المرء عن نفسه لحاجة، لا كبرًا ولا مفاخرة، وإنما من باب الاقتداء به، أو للتحدث بنعمة الله عليه: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)،

والميزان في ذلك مقصد القلب، وما يكنه الصدر لا يعلمه إلا علام الغيوب، وفي محكم التنزيل: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)

 متي استخدمت أنا للشر ؟

أول من استخدمها في الشر إبليس   :" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ  قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) 

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴿١٢ الأعراف﴾

ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي "(٢٢ ابراهيم).

وكيف لا ؟ والأنانيةُ شِيمَة المجرِمين، وطبيعة المخرِّبين، داءٌ مُمتدٌّ لا تحُدُّه حدودٌ، ولا تمنعُه فواصِلُ. 

وكيف لا ؟ "وكلمةُ أنا " تُقال غالبًا في سياق الكِبْرِ والفخر، والتعالي والغرور، وتضخيم ِالذات، والإعجاب بالنفس، والثناء عليها، وهذه كلها صفات قبيحة وآفات خطيرة، ويكفي في ذم "الأنا" كونها شعار الطغاة والمتكبرين والمغرورين، وبسببها باؤوا بسوء العاقبة: فهذا هو إبليس: وذلك لما عصى أمر ربه بالسجود لآدم عليه السلام استكبارًا؛ فقال: ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ "(الأعراف: 12)، 

ويقول الملكُ جل وعلا:"إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ   فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ  فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ   إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ  قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ "(ص: 71 - 76). فكان الجزاء بأن أصبح شيطانا رجيما بكلمة ألأنا قال جل وعلا:" قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ "(ص: 77، 78)، 

وقال:" قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ   وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ "(الحجر: 34، 35).

 وكلمةُ أنا  قالها النمروذُ بن كنعان : وقد كان ملكًا متجبرًا طاغية يدَّعي الربوبية؛ لما دعاه إبراهيم عليه السلام إلى توحيد الله، مبيِّنًا له أنه هو وحده الأحق بالعبادة؛ لأنه هو الذي يحيي ويميت، قال النمروذ، وقد تملَّكه الكبر والغرور: أنا أحيي وأميت؛ قال الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"(البقرة: 258)

 فكان الجزاء بأن أهلكه الله بأضْأَلِ مخلوقاته؛ إذ أرسل عليه وعلى جنوده بابًا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا بادية. فقد دخلتْ بعوضةٌ في أذنِهِ فكان لا يهدأُ بالُهُ ولا يستقرُّ ضميرُهُ إلَّا إذا ضُرِبَ بالنعالِ علي أمِّ رأسِهِ.. وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ: { فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

وكلمةُ أنا  قالها فرعونُ: لما دعاه نبي الله موسى عليه السلام إلى الإسلام، فتكبَّر وتعظَّم في نفسه، معلنًا أنه خيرٌ منه؛ لأنه يملك جنات وأنهارًا ومُلكًا واسعًا، وأما موسى وأتباعه فقوم فقراءُ ضعفاء لا يملكون شيئًا؛ قال الله عز وجل:"وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ"(الزخرف: 51، 52).

.وأعظم من ذلك ادعاؤه الربوبية والألوهية؛ قال الله تعالى:"فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى "(النازعات: 23، 24)، 

وتطاوَلَ على الذات الإلهية العَلِيَّة؛ فقال كما حكى عنه القرآن:" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ "(القصص: 38).

 فكان الجزاء أغرقَهُ اللهُ في البحرِ ومَن معهُ مِن الطغاةِ،:"فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا "( الإسراء /103).

فقد أخرجه الله هو وجنوده من جناتهم وقصورهم وأموالهم، وأغرقهم في اليمِّ ليكونوا عِبرة لكل ظالم؛ قال الملك سبحانه:"وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ  فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ "(القصص: 39، 40).

وكلمةُ أنا  قالها قارونُ الذي أُعجب بكسبه ومهارته، وأنكر فضل الله عليه "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي"(القصص: 78).

 وكلمةُ أنا  قالها صاحب الجنتين: وهو يحاور صاحبه مفتخرًا متكبرًا مغرورًا؛ قال الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا   كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا   وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا   وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا   وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا "(الكهف: 34 - 36).

فكان الجزاء أرسل الله على جنتيه مطرًا عظيمًا مزعجًا، أقلع زرعها وشجرها، وصارت صعيدًا زَلَقًا؛ أي: ترابًا أملس لا يثبت فيه قدم، وذهب ماؤها غائرًا في أعماق الأرض، فأصبح يقلب كفَّيه حزنًا وأسفًا على أمواله الكثيرة التي أنفقها على جنَّتيه؛ حيث اضمحلَّت وتلاشت وتَلِفَتْ، ولم ينفعه حينئذٍ ما كان يفتخر به من ولد وعشيرة وأتباع، في دفع ما نزل به؛ قال تعالي:" وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا  وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا"(الكهف: 37 - 44). فالانانية هلاك ودمار , وخزي وعار ,وخراب وضياع  

يَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّنَا يَعْلَمُ بِأَنَّ النَّارَ خُصَّتْ بِالمُتَكَبِّرِينَ، وَأَنَّ الجَنَّةَ للمُسْتَضْعَفِينَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاريُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَحَاجَّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ.

فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالمُتَكَبِّرِينَ وَالمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ. قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ: فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدَاً، وَأَمَّا الجَنَّةُ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقَاً». فالغرورُ وإعجابُ المرءِ بنفسِهِ هلاك وخزي وعاركما وصفَهُ النبيّ ﷺ، كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ  -رضي اللهُ عنه-  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ: هَوًى مُتَّبَعٌ وَشُحٌّ مُطَاعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَشَدُّهُنَّ )، و قالَ ابنُ مسعودٍ  -رضي اللهُ عنه- : الهلاكُ في شيئينِ: العجبِ والقنوطِ. وقال الأحنفُ بنُ قيسٍ: عجبتُ لِمَن جرَى في مجرَى البولِ مرتينِ كيفَ يتكبرُ؟!

يا مظهرَ الكبرِ إعجابًا بصورتِهِ  *  انظرْ خَلاك فإنَّ النتنَ تثريبُ

لو فكّرَ الناسُ فيمَا في بطونِهِم  *  ما استشعرَ الكبرَ شبانٌ ولا شيبُ

 شتان شتان بين أنا وأنا !!!

أيُّها السادةُ : شتان شتان بين كلمة "أنا" في مقام الإصلاح كلمة "أنا" في مقام الإفساد والكِبر والغُرور كما بين الثَّرى والثُّريَّا.

 كلمةُ أنا قالها عفريت من الجن لسليمان عليه السلام "أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ"(النمل: 40).

 فامتدحها الرحمن استجابةً لأمر نبيٍّ من الأنبياء. وحسنٌ قولُ من قال:"وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ"(النمل: 39).

 استِحضارًا للأمانة والمصلحة العامَّة؛ لأن شيئًا من تلكُم الأمورِ لم يكُن لمصلحةٍ شخصيَّة تُقدَّم فيها مصلحةُ النفسِ على المصلَحةِ الأعمِّ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴿٣٤ الكهف﴾

وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴿٣٩ الكهف﴾

قَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم:"لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ "

الخطبة الثانية 

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أمابعد فياعباد الله

عبادَ اللهِ: ﴿ كلمةُ ((أنا ))نورُ ونارٌ ﴾ بل إن شئت فقل( الأنا خيرها وشرها)

  الأنانيةٌ مرضٌ خطيرٌ وشرٌّ مستطيرٌ،.

 نحن نعيشُ زمانًا انتشرَت فيهِ الأنانيةُ بصورةٍ مُخزيةٍ ولم يسلمْ منهَا أحدٌ والأنانيةٌ مرضٌ عضالٌ، وشرٌّ ووبالٌ، داءٌ يفرِّقُ القلوبَ، ويوغرُ الصدورَ، ويُذكِّي نارَ الفتنِ ، وخاصة كلمة "أنا" في مقام الإصلاح بينها وبين كلمة "أنا" في مقام الإفساد والكِبر والغُرور كما بين الثَّرى والثُّريَّا وخاصة والأنا قد تكون هلاكا ودمارا ونارًا لصاحبها وهي الأكثرية وقد تكون نورا وهدية وتوفيقا لصاحبها ، وخاصة والأنا كم أفسدت من أعمال الصالحين وكم جلبت من سخطِ ربِّ العالمين فهي فاكهةُ الأرزلين وسلاحُ العاجزين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. 

أيُّها السادةُ : الأثَرَة والأنانية بمعنى واحد وهي: حبُّ النفس المُفضِي إلى تقديم رغَبَاتها وشهواتها دون اعتِدادِ حقوق الآخرين العامَّة والخاصَّة.

والأنانيةُ داءٌ اجتماعيٌّ خطيرٌ ، ووباءٌ خُلقيٌّ كبيرٌ ما فشا في أمةٍ إلَّا كان نذيرًا لهلاكِهَا، وما دبَّ في أسرةٍ إلَّا كان سببًا لفنائِهَا، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعُ كلِّ شرٍ وتعاسةٍ، والأنانيةٌ آفةٌ من آفاتِ الإنسانِ، مدخلٌ كبيرٌ للشيطانِ، مدمرٌ للقلبِ والأركانِ، تفرقُ بين الأحبةِ والإخوةِ، تحرمُ صاحبهُ: الأمنَ والأمانَ ،وتدخلُه النيرانَ، وتبعدُه عن الجنانِ، فالبعدُ عنها خيرٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ. والأنانيةُ  ظاهرةٌ سلبيةٌ مدمرةٌ للأفرادِ والدولِ ويُعَدُّ طمعُ النفسِ وغيابُ الوعيِ وضعفُ الوازعِ الدينيِّ، وعدمُ مراقبةِ المولىَ جلّ وعلا من أهمِّ أسبابِ الانانيةِ، ولا حولَ ولا قوةَ الّا باللهِ.

إنه حبُّ الذَّات الذي يُعمِي ويُصِمُّ ليجعلَ المُصابَ به لا ينظرُ إلا من زاويةٍ واحدةٍ ضيِّقةٍ داكِنة، لا يرى فيها إلا نفسَه ومصلحتَه، ضارِبًا بهما ما للمسلمين من مصالِح عُرضَ الحائِط. فليس لمصلحة الأُسرة أو المُجتمع مقامٌ في معجم أخلاقِه، يرى في الحياة كلِّها معنى نفسِه لا معنى الناس، وكيف لا ؟ وبالأَثَرَةِ تحلُّ النِقَم وتذهب النِعَم، وهي دليلٌ على دناءةِ النفسِ وخِسَّتِها، وهي مِعْوَلٌ هدَّامٌ للمجتمع الإنساني، وتُؤدي إلى نفيِ الإيمانِ الكامل عن صاحبها، لأنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: كما في حديث أنس رضي الله عنه (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) متفق عليه ، فبالأَثَرَةِ يضيع العدل، وتذهب الأخلاق، وتنتفي الأسوة الحسنة، وتصير المنفعةُ الشخصيةُ باعثَ الحركة في الحياة.

 فشتان شتان بين أنا في الباطلِ، وأنا في الحقِّ، بين أنا نكرانُ النعمةِ وجحدُهَا، وأنا إظهارُ النعمةِ والتحدثُ بهَا.  

عباد الله:"

 سؤالٌ مخجلٌ، سؤالٌ مهيبٌ، سؤالٌ خطيرٌ: هل انت راض عن نفسك؟

 وما يحدث لاخواننا في غزة وفلسطين وخاصةً وأنَّ أحداثَ غزةَ لا تزالُ تُألمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا لمِن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، مِن قتلٍ للأطفالِ وسفكٍ للدماءِ وقتلٍ للنساءِ والشيوخِ وهدمٍ للمساجدِ والكنائسِ والمستشفياتِ، فأين مَن يتغنونَ بحقوقِ الإنسانِ بالليلِ والنهارِ؟ أين مَن صدَّعُوا رؤوسَنَا بالحرياتِ وحقِّ الحياةِ؟ أين مَن صدعونَا بالرفقِ بالحيوانِ فأين الرفقُ بالأطفالِ في غزةَ. وأين المنظماتُ العالميةُ مِن سفكِ الدماءِ؟ وللهِ درُّ القائلِ

أطفالُنَا على احلامِهِم نامُوا*** وعلى لهيبِ القاذفاتِ أفاقُوا

أطفالُنَا قُتلِوا في بيوتِهِم ***والعالمُ كلُّهُ خسةٌ وخيانةٌ ونفاقُ

 


 

google-playkhamsatmostaqltradent