ماذا يقول المسلم عندمصيبة نزلت به؟
هل يحوقل :"لاحول ولاقوة إلابالله؟
أم يسلم أمره لله "إنالله وإنا إليه راجعون؟
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّم يُعلِّمُ أُمَّتَه أنْ يُسلِّموا أَمْرَهم للهِ عزَّ وجلَّ عندَ نُزولِ
المَصائبِ بهِم، وأنْ يَلجَؤوا إلى حَولِه وقُوَّتِه سُبحانَه؛ فهوَ المُقدِّرُ،
وهوَ مِن عندِه العِوَضُ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ سَلَمةَ أمُّ المؤمنين رَضِي اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "ما مِن مُسلمٍ تُصيبُه مُصيبةٌ"، والمُرادُ أيُّ مُصيبةٍ كانت، عَظيمةً أو صَغيرةً، مِن أمرٍ مَكروهٍ في نَفْسِه، أو في أهلِه، أو في مالِه، أو غَيرِ ذلك، "فَيقولُ ما أَمرَه اللهُ بهِ: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"(البقرة: 156)،
أي: إنَّ ذَواتَنا وجَميعَ ما يُنسَبُ إِلينا للهِ مُلكًا وخَلقًا، وإنَّا
إليه راجِعون في الآخرَةِ، ويكونُ هذا القولُ مُصاحِبًا للصَّبرِ وعَدمِ الجَزعِ،
ثُمَّ يَدعو صاحبُ المُصيبةِ فيقولُ:"اللَّهمَّ أْجُرْني"، أي: أَعطني الأجرَ
والجَزاءَ والثَّوابَ "في مُصيبَتي، وأَخْلِفْ لي خيْرًا مِنها"، أي: اجعَلْ لي
خَلفًا ممَّا فاتَ عَنِّي في هَذه المُصيبَةِ خيْرًا مِن الفائتِ فِيها.
فمَن قال ذلك، فإنَّ جَزاءَه أنْ يُخلِفَ اللهُ عليْه بأَفضَلَ ممَّا فَقَدَه في مُصيبتِه تلك.
وزاد في رِوايةٍ
أُخرى عندَ مُسلمٍ:"إلَّا أَجَرَه اللهُ في مُصِيبَتِه"، فيَكتُبُ اللهُ له
الأجرَ على ذلك.
ثُمَّ ذَكَرتْ أمُّ سَلمةَ رَضِي اللهُ
عنها أنَّها لَمَّا ماتَ عنها زَوجُها أبو سَلَمةَ عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الأَسدِ
المَخزوميُّ رَضِي اللهُ عنه، كأنَّها تَذَكَّرَتْ وَصيَّةَ رَسولِ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، إلَّا أنَّها قالتْ في نَفْسِها أو باللِّسانِ تَعجُّبًا:"أيُّ المسلمينَ خيْرٌ مِن أَبي سلمَةَ؟!" تَعجَبُ مِن تَنزيلِ قَولِه صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّم: "إلَّا أَخلَفَ اللهُ خيرًا مِنها" عَلى مُصيبَتِها؛ استِعظامًا
لأبي سَلمَةَ رَضِي اللهُ عنه عَلى زَعمِها وفي ظَنِّها، فتَعجَّبَت لاعتقادِها
أنَّه لا أَفضَلَ مِن أَبي سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عنه، ولَم تكُنْ تَطمَعُ أنْ
يَتزوَّجَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؛ فهوَ خارجٌ مِن هذا العُمومِ،
ثُمَّ بَيَّنت خَيريَّةَ أَبي سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنه في أنَّ بيْتَه «أَوَّلُ
بيتٍ هاجرَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم"، فكان أَوَّلَ مَن هاجرَ
مَع عِيالِه وأسرته، وبَعْدَ تَعجُّبِها استَجابت لأَمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّم، "ثُمَّ إِنِّي قُلتُها"، أي: كَلمةَ الِاسترجاعِ والدُّعاءَ
المَذكورَ بَعْدها، فأخبَرَت أنَّ اللهَ سُبحانه قدْ أَخلَف لها رَسولَ اللهِ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، بأنْ جَعلَها زَوجتَه، وَكان عِوَضًا خيرًا لي مِن
زَوجها أَبي سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ: الأَمرُ بالصَّبرِ عَلى
المَصائبِ وعَدمِ الجَزعِ.
وَفيهِ: التَّوجُّهُ بالدُّعاءِ إلى
اللهِ في المُلمَّاتِ؛ لأنَّ عندَه العِوضَ.
وَفيه: ضَرورةُ امتثالِ المُؤمنِ لأمرِ
النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وإنْ لم تَظهَرْ لَه الحِكمةُ مِن أَمرِه.
وللمسلم أن يقول عند المصيبة ما تيسر
من الأدعية والأذكار، ومن أهمها وأنفعها قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) لحاجته
الماسة إلى ما تضمنته هذه الكلمة العظيمة من التبرؤ من الحول والقوة، من التحول من
الضعف والجزع إلى الصبر والاحتساب، وإلى دفع حزن المصيبة وهولها وهمها وغمها.
«قال الشبلي بين يدي الجنيد: لاحول ولا
قوة إلا بالله، فقال الجنيد: قولك ذا ضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء».
قال ابن تيمية تعليقاً على
قول الجنيد:"فإن هذا من أحسن الكلام، وكان الجنيد - رضي الله عنه - سيد الطائفة
ومن أحسنهم تعليمًا وتأديبًا وتقويمًا وذلـك أن هذه الكلمة كلمة استعانة، لا كلمة
استرجاع، وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعًا لا
صبرًا، فالجنيد أنكر على الشبلي حاله في سبب قوله لها، إذ كانت حالاً تنافي الرضا،
ولو قالها على الوجه المشروع لم ينكر عليه»، انتهى كلام شيخ الإسلام.
والظاهر من قول شيخ الإسلام أن الخطأ في قولها عند المصيبة جزعًا لا صبرًا، أمّا من قالها مستعينا بالله على التحول من الجزع ونحوه إلـى الصبر والاحتساب ودفـع ما يترتب على المصيبة من الهم والغم والحزن؛ فإن قوله لها والحال ما ذكر في محله وموافق لما شرعه الله ورسوله من الأدعية والأذكــار، وليس في كلام شيخ الإسـلام - رحمه الله - ما يدل
وقد جوز بعض العلماء للمسلم أن يقول عند المصيبة ما تيسر
من الأدعية والأذكار، ومن أهمها وأنفعها قول:"لا حول ولا قوة إلا بالله" لحاجته
الماسة إلى ما تضمنته هذه الكلمة العظيمة من التبرؤ من الحول والقوة، من التحول من
الضعف والجزع إلى الصبر والاحتساب، وإلى دفع حزن المصيبة وهولها وهمها وغمها.