لا أحد يعلم الغيب إلاالله
يقول الله تعالي:"إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"(لقمان/ 34).
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله "(البخاري).
وفي رواية عنده أيضا:" مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"(لقمان/34).
يؤكد الحديث على معنى غاية في الأهمية وهو انحصار علم الغيب في الله سبحانه، فلا يعلم الغيب أحد إلا الله، وذكر الحديث أنواعاً من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله، وتخصيصها بالذكر لتعلقها بحياة الإنسان ورزقه ومصيره . فذكر اختصاص الله بعلم قيام الساعة، والتي تمثل بداية حياة الإنسان في الدار الآخرة وبدأ بها لأهميتها، وذكر اختصاص الله بعلم نزول الغيث، وهو سبب رزق الإنسان وحياته على الأرض، وذكر اختصاص الله بعلم ما اشتملت أرحام النساء من ذكور وإناث ومعرفة أحوالهم سعادة وشقاءً، وذكر اختصاص الله بعلم ما يكتسبه الإنسان في غده، واختصاصه بعلم مكان موته . فهذه الأمور الخمسة هي مفاتيح الغيب فيما يتعلق بحياة الإنسان منذ كان جنينا إلى أن يتوفاه الله ويبعثه .
علم الغيب إلى الله ، وليس عند الرسول ﷺ ولا غيره شيء من علم الغيب، فهو مختص بالله ، كما قال الله": قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ "(النمل:65) وقوله تعالي لنبيه ﷺ في سورة الأعراف: "قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ"(الأعراف:188)، ويقول وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ" (الأنعام:59).
فالغيب عند الله تعالي ومختص به، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان
كيف يكون، يعلم ما يكون في الآخرة وما في الجنة والنار، ويعلم الناجين من
الهالكين، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار، ويعلم كل شيء ، والرسل إنما يعلمون ما
جاءهم به الوحي، فما أوحى الله به إليهم يعلمونه، كما قال ": عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ
عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ "(الجن:26-27).
فالله يوحي إلى
الرسل ما شاء كما أوحى إلى نبينا ﷺ أشياء كثيرة من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر
الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان من الدجال ومن المسيح، وأمر الكعبة، ويأجوج
ومأجوج، وغير ذلك مما يكون آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب، أوحى الله به إلى
نبيه ﷺ وعلمنا إياه وصار معلومًا للناس.
وهكذا ما يعمله
الناس من أمور الغيب عند وقوعه في بلادهم أو في غير بلادهم ويكون معلومًا لهم بعد
وقوعه وكان لا يعلم لهم قبل ذلك.
أما ما يقع في
كتب بعض أهل العلم من قولهم: "الله ورسوله أعلم" فهذا فيما يتعلق بأمور
الشرع وأحكام الشرع ومرادهم في حياته، يعلم هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام.
أما بعد وفاته
فلا يعلم ما يكون في العالم ولا يدري عما يحدث في العالم؛ لأنه بموته انقطع علمه
بأحوالنا عليه الصلاة والسلام، إنما تعرض عليه من أمته الصلاة والسلام عليه؛ حيث
قال: صلوا علي؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"(حديث صحيح).
أما أمور الناس
وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات، كل هذا لا يعلمه الرسول ولا
غيره ممن مضى ممن مات، ولا يعلمه من يأتي، وقد يعلمه من حوله من الناس لمطالعتهم
إياه ولمشاهدتهم أعمالهم من جلسائهم وأهل بلادهم.
والمقصود أن علم
الغيب لا يعلمه إلا الله ،
وما أوحاه الله إلى الرسل هو من علم الغيب الذي أطلعهم عليه في حياتهم، وهم أطلعوا الناس عليه
وعلموه للناس، وقد صح عن رسول الله أنه قال: يذاد أناس عن حوضي يوم القيامة،
فأقول: يا رب أمتي وفي لفظ يقول: أصحابي أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: سحقًا سحقًا لمن بدل
بعدي".(البخاري ومسلم).
فبين ﷺ أنه لا يعلم ما أحدث الناس بعده، وفي لفظ آخر: يذاد أناس عن حوضي فأقول: يا رب أمتي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال عيسى ابن مريم: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(المائدة:117)
فهو ﷺ يعلم ما أوحاه الله إليه، وما كان عند الله من الغيب لا يعلمه سواه ، وبعد موته لا يعلم حوادث الناس عليه الصلاة والسلام."( أبو داود وأحمد ).
فوائد في العقيدة :
لا أحد يعلم الغيب إلا الله .
بطلان
كل علم يدعي صاحبه من خلاله معرفة الغيب كالتنجيم والكهانة. قال الشيخ الشنقيطي في
أضواء البيان: " ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة – زجر الطير والتفاؤل
بأسمائها وأصواتها - والكهانة والعرافة، والطرق - الضرب بالحصى لمعرفة الغيب –
والزجر ، والنجوم وكل ذلك يدخل في الكهانة، لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الإطلاع
على علم الغيب " .
أن الغيب قسمان: غيب كلي وهو ما لا يعلمه إلا الله وحده كالخمس المذكورة في الآية والحديث، وغيب جزئي: وهو ما غاب عن شخص دون غيره، فما يراه شخص في مكان ما هو غيب عمن غاب عن ذلك المكان.
أن وقت قيام القيامة مما اختص الله بعلمه فلا يعلم أحد زمن وقوعها، وعندما سأل جبريلُ – عليه السلام - النبي – صلى الله عليه وسلم - عن الساعة قال:"ما المسئول عنها بأعلم من السائل "(البخاري).
أي أنا وإياك في الجهل بزمن وقوعها سواء.
أن لا أحد يعلم ما تكتسبه نفسه أو ما يكتسبه غيره في المستقبل من علم وعمل ومال .
أن
لا أحد يعلم زمن ولا مكان موته ولا موت غيره فهذا مما استأثر الله بعلمه وحجب
العلم به عن جميع خلقه.
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم