
حكم الابتزاز وتسجيل المكالمات بدون إذن؟
لفضيلة الشيخ أحمد تركى
أمين أمانة الشؤون الدينية بحزب حماة الوطن
الشرع والدين
في القانون المصري
الداء والدواء
سألني سائل عن حكم من يقوم بتسجيل المكالمات للناس بقصد الإضرار
بهم؟.. وطلب مني البعض أيضًا الحديث عن الابتزاز الإلكتروني للفتيات وحرمة اختراق
حسابات أدوات التواصل الاجتماعي، فكتبت هذا المقال للتبيان والتوضيح، حيث يعمد بعض
الناس إلى تسجيل المكالمات الهاتفية أو تسجيل أي لقاءات تواصل بسرية دون علم الطرف
الآخر، بقصد تصيد أخطائه أو انفعالاته لابتزازه لاحقَا أو أي غرض آخر، وهذه جريمة
كاملة الأركان على المستويين الديني والقانوني.
الشرع والدين
أما دينياً: فقد قال الله تعالى: "ولا تجسسوا"..(الحجرات:
12)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة)
رواه الترمذي، وقال عبد الله بن عمر: (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر
فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا
المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع
الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"(الترمذي).
فهذا الفعل يعتبر من الخيانة التي حرمها الله تعالى في القرآن الكريم، قال تعالى: "إن الله لا يحب الخائنين" (الأنفال: 58)، وقال: "إن الله لا يحب كل خوان كفور" (الحج: 38)، وقال: "إن الله لا يحب من كان خوانا أثيماً (النساء: 107)، وقال سبحانه: "وأن الله لا يهدي كيد الخائنين" (يوسف: 52).
وأصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تاريخية مضمونها: "لا يجوز
شرعًا استخدام تقنية (DeepFake: التزييف العميق) لتَلْفِيق مقاطع
مَرْئية أو مسموعة للأشخاص باستخدام الذكاء الاصطناعي لإظهارهم يفعلون أو يقولون
شيئًا لم يفعلوه ولم يقولوه في الحقيقة؛ لأنَّ في ذلك كَذِبًا وغِشًّا وإخبارًا
بخلاف الواقع، وفي الحديث: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» (رواه مسلم)، وهو نَصٌّ
قاطعٌ صريحٌ في تحريم الغِشِّ بكل صوره وأشكاله.
والإسلامُ إذ حثَّ على الابتكار والاختراع؛ فقد جَعَله ليس مقصودًا
لذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غَرَضٍ ما؛ لذا أحاط الإسلامُ الابتكاراتِ العلمية
بسياجٍ أخلاقيٍ يقوم على أساس التقويم والإصلاح وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو
الإضرار بالغير، فمتى كان الشيء الـمُخْتَرع وسيلة لأمرٍ مشروعٍ أخذ حكم
المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهيٍّ عنه أخذ حكمه أيضًا.
واختلاق هذه المقاطع بهذه التقنية فيه قَصْد الإضرار بالغير، وهو أمر
منهي عنه في حديث النبي صلى الله وعليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»،
إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة الناس، والشريعة الإسلامية جعلت حفظ
الحياة من مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ حتى بالغت في النهي عن ترويع الغير
ولو بما صورته المُزاح والترفيه.
وهو أيضًا جريمة قانونية يُعاقَب عليها وَفْق القانون رقم (175) لسنة 2018م، الخاص بـ«مكافحة جرائم تقنية المعلومات»؛ فقد جَرَّم المُشَرِّع المصري في هذا القانون نشر المعلومات المُضَلِّلة والمُنَحرفة، وأَوْدَع فيه مواد تتعلق بالشق الجنائي للمحتوى المعلوماتي غير المشروع". انتهى كلام دار الإفتاء.
في القانون المصري
وأما قانونًا: فقد حدد القانون المصري عقوبة من يقوم بعملية تسجيل المكالمات الهاتفية دون إذن قضائي، بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، وفق المادة 309 مكرر من قانون العقوبات والتي نصت على أنّه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون".
كما يحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة، ومحو التسجيلات الحاصلة عنها أو إعدامها.
ووفقًا لنصوص المواد 95 و95 مكرر، و206 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي نصت "إذا تم التهديد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها عن طريق التنصت أو التسجيل أو التصوير، يعاقب الفاعل بالسجن مدة قد تصل إلى 5 سنوات، كما إذا قام موظف عام بالتنصت أو التسجيل أو النقل أو التصوير يعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 15 سنة.
وقد يقوم البعض بتسجيل المكالمات أو اختراق مواقع التواصل الاجتماعي بقصد الابتزاز الإلكتروني للضحايا.. والابتزاز الإلكتروني: هو الوصول إلى البيانات والمعلومات الخاصة بالضحية عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، ثم تسجيل أو فبركة محتوى صوتي أو مرئي؛ لاستخدامه فيما بعد بهدف تهديد الضحية والحصول على مكاسب مادية أو استغلال جنسي، وقد تصل تلك الجريمة إلى درجة الاتجار بالبشر وهو ما حدث بالفعل في بعض القضايا.
الداء والدواء
ولقد عانى مجتمعنا المصري خلال الفترة الأخيرة من صدمات اجتماعية
كبيرة بسبب جرائم قتل ضد فتيات آخرها، مقتل فتاة الزقازيق الابنة سلمى بهجت على يد
زميلها والذى سبق وهددها وحاول ابتزازها
إلكترونيًا، ولذلك من الخطورة تأخير التجاوب مع قضايا الابتزاز الإلكتروني، وترك
الذئاب البشرية تهدد بناتنا ضحايا هذه الجرائم
قدراً من الوقت حتى عقابهم قضائياً بعد عدة سنين أو شهور، ولابد من إجراء
قانوني رادع فور ثبوت التهديد من قبل مباحث الاتصالات والإنترنت .
ولابد من إعادة ترميم المصدات الذاتية الاجتماعية لحماية الأعراض
والخصوصيات وخاصة حماية المرأة التي تتعرض لتلك الجرائم البشعة .
وهذه بعض الاقتراحات العاجلة لإدراك ما يمكن إدراكه في هذا الشأن:
لابد من تركيز الخطاب الدعوى في مصر وخاصة خطب الجمعة على التحذير من
تلك الجرائم بمداخل اجتماعية مقبولة، وخاصة أن القرآن قد توعد من يتعرض لأعراض
الناس بالباطل باللعن والعذاب المهين في الآخرة:
قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ" سورة النور (23)، وقال تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون
والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين (12) سورة النور، وقال النبي صلى الله
عليه وسلم: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا في بلدكم هذا".
نشر رسائل الوعى الخاصة بصور وأساليب الابتزاز الإلكتروني، وأن
التقنيات الآن باتت تفبرك أي شيء لأى شخص بدقة عالية يصعب كشفها، كالتطبيق الذى
أشارت إليه دار الافتاءDeep Fake ، وبالتالي لا يتم تصديق أي محتوى لأى شخص
وفق ما تقدم وتطبيقاً للآية الكريمة
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات.
توضيح ماذا يفعل الشخص إذا تعرض لابتزاز إلكتروني؟ أو تهديد من هذا
النوع؟ ومن الضروري وجود حملات إعلانية ضخمة في هذا الشأن حفاظًا على السلم
المجتمعي واستقرار الأسر المصرية ومحاصرة هذا النوع من الجرائم .
نشر رسائل الوعى بخصوص الاستخدام الرشيد لوسائل التواصل الاجتماعي،
وأن الهواتف الذكية على قدر منافعها، على قدر خطورتها إن لم يتم تطبيق عوامل حماية المعلومات والخصوصية الشخصية.
إن حملات الوعي في هذه المساحة لم تعد رفاهية، أو من الثانويات في
ترتيب أولوياتتنا، بل أصبحت من الضروريات الملحة والعاجلة.
حفظ الله مصر من كل سوء ومكروه، وحفظ الله شعبها من الشر وأهله ..
والله المستعان .
الشيخ أحمد تركي
أمين أمانة الشؤون الدينية بحزب حماة الوطن