
رمضان كله عبادة عبادة المواساة
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فياعباد الله:"لِّكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ"(الحديد/23).
عباد الله حديثنا
إليكم اليوم عن المواساة في القرآن الكريم مواساة
المصابين والتخفيف عن المنكوبين، والمبتلين, مواساة الأرامل واليتامي والمساكين
مواساة المكلومين والمهمومين ، وفي حقيقة الأمر
أن هؤلاء كثر وبخاصة في أيامنا هذه عندما ابتعد الكثير عن منهج القرآن وتشبثوا بالدنيا
الفانية فهذا المنهج الخاص يقوم على أسس، ودعائم لعلاج أولئك ومواساتهم والتخفيف عنهم..فحينما
ينهمك الإنسان بالدنيا ويكون هذا حال الجميع
..ولاأحد يرضي بحاله وبما قسم الله له ..
صغير يشتهي الكبر وشيخ ود لو صغر
ورب المال في تعب وفي تعب من افتقر
وخال يبتغي عملاً وذو عمل به ضجــرا
ويشقى المرء منهزماً ولا يرتاح منتصراً
هنا نجد ان للقرآن
الكريم منهج خاص في مواساته لهؤلاء فيخبره بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء كما وصفها
الله تعالى:"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"(الملك/2). ووصفها أيضاً بأنها
دار لهو ولعب، وأن نعيمها لا يدوم، والراحة فيها ليست بباقية، قال سبحانهوتعالي
:"وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ
الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون"(العنكبوت/64).
وكما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالسجن فقال:"الدُّنْيَا
سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِر"(أحمد ومسلم)،
وقَالَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ
فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ
كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ
عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ"(الترمذي).
وكما قال القائل:
حكم المنيـة في
البريــة جاري**ما هـذه الدنـيـــا بـدار قــرار
بينما يرى الإنسان
فيها مخبرا**ألفيـتـه خـبـرا مـن الأخبـــار
طبعت على كدر و
أنت تريدهـا**صفـوا من الأقـذار والأكــدار
ومكـلـف الأيــام
ضد طبـاعـهـا**متطـلب قي الماء جذوة نــار
وإذا رجـوت المستحيـل فـإنما**تبني الرجاء على شفير
هـار
عباد الله
:" ماذا نفعل إذا رأينا مبتلي؟
علي الفور قل له لست وحدك المبتلى في هذه الحياة: قل الحمد لله الذي
عافني مما ابتلي به كثيراً من خلقه "
وكما أخبرنا القرآن الكريم بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، فقد أخبرنا أيضاً بأن المبتلى
فيها ليس فرداً في ابتلائه، وأنه ليس وحده المبتلى، قال تعالى :"الم. أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا
الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ"(العنكبوت/1-3).
بل إن أشرف الناس الأنبياء والمرسلون كانوا أكثر الناس ابتلاء
:"يارسول الله أَيُّ اَلناسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: الأنبياء،ثُم الأمثل فالأمثل،
يُبْتَلَى اَلْعَبْدُعلى حَسَبِ دِينِهِ، فَإنْ كَانَ فِي دِينِهِ صلبا اَشتَد بَلاؤهُ،وإِنْ
كَانَ فِي دِينِهِ رِقة أبتُلِيَ على حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ ألبَلاَءُ بِالعَبْدِ
حَتُّىَ يَترُكَهُ يَمشِي على ألأَرضِ،ومَا عَلَيهِ مِن خَطِيئَةِ"(أحمد والترمذي).
و قد ذكر ابن الجوزي
بإسناده :"أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها، وبلغ أرض بابل مرض
مرضاً شديداً، فعلم أنه مرض الموت، وأشفق على نفسه، فكتب لأمه معزياً في ذكاء قائلاً:
يا أماه، إذا جاءك كتابي فاصنعي طعاماً، واجمعي من قدرت من الناس، ولا يأكل طعامك من
أصيب بمصيبة، وتسألي هل وجدت لشيء قراراً، إني لأرجو أن الذي أذهب إليه خيراً مما أنا
فيه. فلما وصل كتابه صنعت طعاماً عظيماً، وجمعت الناس، وقالت: لا يأكل هذا من أصيب
بمصيبة. فلم يتقدم أحد من هذا الطعام، فعلمت مراد ابنها فقالت:بني، من مبلغك عني أنك
وعظتني فاتعظت،وعزيتني فتعزيت، فعليك السلام حياً وميتاً" (تسلية أهل المصائب
/20).
عباد الله :"أن تواسي أصحاب البلايا هو منهج قرأني فريد
فعندما يسأل :" هل ما أنا فيه من شدة وكرب وهوان وبؤس سيزول؟
قل له :"نعم سيزول بمشيئة الله وعونه فكل الأمور بيد الله عز وجل :"مَا أَصَابَ
مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ
أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ
يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور"(الحديد/23).
فإذا قال لك هل
ذلك ممكن حقاً ؟
قل له هذا عند الله يسير فلاتستعظم أمراً علي الله قال
أبو لُبَابَة :"عَلِمَ اللَّه مَا هُوَ خَالِق وَمَا الْخَلْق عَامِلُونَ , ثُمَّ
كَتَبَهُ ثم قال لنبيه :"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ"(الحج/70).
ويواسي القرأن
أولئك الذين يشعرون بالخوف :"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ"(الطور/48).
لما أوذي الرسول
أمره الله أن اصبرعلى أذاهم ولا تبالهم،فإنك
بأعيننا وعنايتنا.
وفي مواساة القرأن
للحزين إن الله معنا :"ثَانِيَ اثْنَيْنِ
إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ"(التوبة/40).ومن كان الله معه فمن عليه..
عباد الله
:"وفي مواساة القرآن لهذا الذي يقول :"لا أستطيع تحملاً فلست رسولاً ؟:فيقول
الله "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًاإِلَّا وُسْعَهَا لَهَامَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا
مَااكْتَسَبَتْ "(البقرة/286). فالله كلفك علي قدر وسعك وطاقتك ولوعلم فيك ضعف
ماكلفك وهو القادر علي أن يصرفه عنك..
فالله هو الذي
يعلم بضعفك وقوتك فهو خالقك فلما علم بأهل بدر الضعف نصرهم وأيدهم بجنود من عنده لما
صبروا فاصبر قال تعالي:"الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ
ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ
يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ
اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(الأنفال/66).
فإلي الذي يقول
همي كبير ؟ نقول له :"لا تقل يا رب عندي
هم كبير بل قل يا هم عندي رب كبير :"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ "(يوسف/21).
وقد وجه القرأن
كل أولئك الذين يعانون الفقر وضيق الرزق والهم
قائلاً :" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْرًا"(الطلاق/2-3).
عباد الله
:"ومن يقول أريد أن أفرح ؟ قل له ستفرح بقربك من الله :" فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"﴿آل عمران/١٧٠﴾."قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" ﴿٥٨ /يونس﴾.
عباد الله:"أقول
ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الحمد لله والصلاة
والسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث حول منهج القرآن الكريم
في المواساة ..فيقول القرآن لمن يتسأل كيف وأنا في بؤس شديد؟:"لَاتَدْرِي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"(الطلاق/ 1). فتلك آية كالبلسم للفكر
المنهك ، والقلب المتعب ! مهما كان الظرف عصيباً ، مهما فاتك ! مهما حدث،مهما كان الخَطْب
، ثق بالله الكريم ،:"لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا
"..( أبشر).
تلك الأخت التي
نزلت بها مصيبة الطلاق وأصابها الخوف من المستقبل وما فيه من آلام , نقول لها:"لَا
تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"(الطلاق/1).لعل بعد الفراق
سعادة وهناء , لعل بعد الزوج زوج أصلح منه وأحسن منه,ولعل الأيام القادمة تحمل في طياتها
أفراح
ولذلك الزوج الذي
عانى من زوجته , وصبر عليها , ولكنها لم تبال بحقوقه,وطالما نست أو تناست حسناته, نهمس
له ونقول :"لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا"(الطلاق/
1 ). نعم فلعل الله يصلح لك زوجك و تحسن التعامل
معك , وتساعدك على تحقيق أهدافك وتجعلك تشعر بأنك رجل لك مكانتك واحترامك.
تلك الأم التي عقها ولدها وذلك الأسرة التي تغرق في الديون "فعسى الله أن يأتي بالفتح" فيفتح الأقفال .. ويكشف الكرب الثقال ويزيل الليالي الطوال ..ويشرح البال .ويصلح الحال "..فكل خسارة لابد أن تعوض إذا توكلت على الله .. أعطى الخلق والرزق, والسمع والبصر, والهداية والعافية, والماء والهواء, والغذاء والدواء, والمسكن والكساء .فلا شيء يُريح القلبَ المتعب أكثرَ من سماع قوله تعالى :"لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا "(الطلاق/ 1).
وعندما نسمع من يقول :"وهل سيحدث هذا حقاً؟
فيقول له كتاب
ربنا:"وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ"(فاطر/17). نعم غداً ربك سيأذن
من فوق سبع سماوات بإنتهاء تعبك.. فاستبشر خيراً وقل يا رب..خلقك ورزقك, علمك وفهمك,
هداك وسددك, أرشدك وأدبك, نصرك وحفظك, تولاك ورعاك."وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ
فَمِنَ اللَّهِ"(النحل/53).
اللهم أبدل عسرنا
يسراً ، وفرج عنا كل ما ضاقت به صدورنا .
عباد الله أقول قولي هذا وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة .