
أيات التذكير ودلالتها في القرآن الكريم
" فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ"
التذكير في القرآن الكريم
تذكير الأنبياء
سيذكر من يخشى
لماذا التذكير؟
سوء العاقبة لمن ذُكِّر فلم يتذكر
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله وعلى آلك وأصحابك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: فيقول تعالى:"فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ
مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ"(ق / 45).
التذكيربالقرأن الكريم
عباد الله :"إن القرآن الكريم مليء بالآيات والمواعظ والعبر،التي تذكر الإنسان بربه ورسله وحياته ومماته ودنياه وأخراه ودينه وشريعته.. ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُذكر بالقرآن النفوس الغافلة، ويعظ به القلوب القاسية، ويحرك به الأنفس الجامدة، فإنه لن يحركها إلا القرآن، ولن يذيب قسوتها وجمودها إلا هذا الذكر الحكيم الذي أنزله الله تذكرة لمن شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً، ومن لم يؤثر فيه القرآن فلن يؤثر فيه شيء آخر، ومن لم يذكره القرآن فلن يذكره غير القرآن شيء يقول:"لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(الأنبياء : 10).
تذكيرالأنبياء
ويقول الله تعالى في محكم آياته : "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"(الذاريات /55).
وقال تعالي:" فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ
رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُون"(الطور/29).
فذكّر - أيها الرسول - بالقرآن، فلست بما أنعم
الله عليك به من الإيمان والعقل بكاهنٍ لكَ رَئِيٌّ من الجن، ولست بمجنون.
"فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ"(الأعلى/9).
فعظ الناس بما نوحيه إليك من القرآن، وذكّرهم
ما دامت الذكرى مسموعة.
:"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ"(الغاشية/21).
فعظ - أيها الرسول - هؤلاء، وخوفهم من عذاب الله،
إنما أنت مذكر، لا يطلب منك إلا تذكيرهم، وأما توفيقهم للإيمان فهو بيد الله وحده.
وقال تعالي:"وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ
تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا
تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ"(الأعراف/205).
واذكر - أيها الرسول - الله ربك متذللًا متواضعًا
خائفًا، واجعل دعاءك وسطًا بين رفع الصوت وخفضه في أول النهار وآخره لفضل هذين الوقتين،
ولا تكن من الغافلين عن ذكر الله تعالى.
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ
إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا"(الكهف/24).
إلا أن تُعَلِّق فعله على مشيئة الله بأن تقول:
سأفعله - إن شاء الله - غدًا، واذكر ربك بقولك: إن شاء الله - إن نسيت أن تقولها -
وقل: أرجو أن يرشدني ربي لأقرب من هذا الأمر هداية وتوفيقًا.
"وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلًا"(المزمل/8).
واذكر الله بأنواع الذكر، وانقطع إليه سبحانه
انقطاعًا بإخلاص العبادة له.
"وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"(الإنسان/22).
واذكر ربك بصلاة الفجر أول النهار، وصلاة الظهر
والعصر آخره.
سيذكر من يخشي
لقد لانت قلوب طبع الكفر عليها بمجرد أن سمعوا
القرآن الكريم
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُذكر بالقرآن،
كما أمره ربه يقول جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
"اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا، فَأَتَاهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ فَقَالَ:" يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
أَفَرَغْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: "بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"(فصلت:
2) حَتَّى بَلَغَ :"فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ
صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ"(فصلت: 13) " فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ
حَسْبُكَ، مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: لَا ..."( الحاكم/3002).
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه كان سبب إسلامه
آيات من أول سورة طه ذكر بها وتليت عليه، فرق لها قلبه، واسلم من تلك الساعة التي تليت
عليه فيها تلك الآيات
قالَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: كانَ إسلامُ عمرَ رضي الله عنه عزاً، وهجرتُه نصراً، وإمارتُه رحمةً، واللهِ ما استطعْنا أنْ نصليَ حولَ البيتِ ظاهرينَ، حتى أسلمَ عمرُ رضي الله عنه.
فهذا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عابد الحرمين
خشع ولأن وتذكر بالقرآن فقد ذكر ابن كثير في البداية، أن الفضيل كان لصا يقطع الطريق
وكان يعشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها في ليلة من الليالي سمع صوت قارئ يقرأ
والنهاية القرآن ويتلو:"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ
لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ"(الحديد:16).، فلما سمعها قال: بلى
قد آن فتاب إلى الله تعالى، ثم أصبح عابد الحرمين.
يحدثنا عمرو بنُ العاصِ رضي الله عنه عنْ حالِهِ
قبلَ الإسلامِ وحالِه بعدَه، فيقولُ:"لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ
بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ
قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي.. مَا كَانَ
أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا أَجَلَّ فِي
عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالاً لَهُ،
وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ
مِنْهُ"(مسلم).
أيُّها المسلمون! لولا التذكيرُ ما رأينا هؤلاءِ
الأبطالَ وغيرَهم، يرفعونَ رايةَ الإسلامِ، وما أسلمَ هؤلاءِ كرهاً، وإنَّما أسلموا
حينَما تذوّقوا لذةَ الإيمانِ، وتنسموا عرفَ الدعوةِ إلى الحقِّ، واستلَّ التذكيرُ
منْ نفوسِهم غرورَ التعبِ للباطلِ.
ولقدْ قامَ سلفُنا الصالحُ بواجبِ التذكيرِ والإرشادِ،
محاربةً لما يستحدثُ منْ صنوفِ المعاصي والسيئاتِ، وما يبتدعُ منْ دواعي المنْكراتِ،
وذلكَ حقُّ الدينِ في عنقِ أبنائِه، وواجبُ الحقِّ على أوليائِه، فليذكروا بهِ العالمينَ،
وليدعوا إلى رحابِه المعرضينَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا"(مسلم).
لماذا التذكّر؟
قال تعالي :"وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"(الأعراف/130).
ولقد عاقبنا آل فرعون بالجدب والقحط، واختبرناهم بنقص ثمار الأرض وغَلاَّتِهَا؛ رجاء أن يتذكروا ويتعظوا بأن ما جاءهم من ذلك إنما هو عقاب لهم على كفرهم، فيتوبوا إلى الله.
ولقد بعثنا موسى وأيدناه بالآيات الدالة على
صدقه، وأنه مرسل من ربه، وأمرناه أن يُخْرِج قومه من الكفر والجهل إلى الإيمان والعلم،
وأمرناه أن يذكرهم بأيام الله التي أنعم عليهم فيها، إن في تلك الأيام دلالات جلية
على توحيد الله وعظيم قدرته، وإنعامه على المؤمنين، وهذا ما ينتفع به الصابرون على
طاعة الله المداومون على شكر نعمه وآلائه.
تعطي هذه الشجرة الطيبة ثمرها الطيب كل وقت بأمر ربها، ويضرب الله سبحانه وتعالى الأمثال للناس رجاء أن يتذكروا.
وقال تعالي:" وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ "( النحل/13).
وسخر لكم ما خلق سبحانه في الأرض مما اختلفت
ألوانه من المعادن والحيوان والنبات والزروع، إن في ذلك المذكور من الخلق والتسخير
لدلالة جلية على قدرة الله سبحانه لقوم يعتبرون به، ويدركون أن الله قادر ومنعم.
أفمن يخلق هذه الأشياء وغيرها كمن لا يخلق شيئًا؟! أفلا تتذكرون عظمة الله الذي يخلق كل شيء، وتفردوه بالعبادة، ولا تشركوا به ما لا يخلق شيئًا؟ قال تعالي:" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"(النحل/90).
إن الله يأمر عباده بالعدل بأن يؤدي العبد حقوق
الله وحقوق العباد، وألا يفضّل أحدًا على أحد في الحكم إلا بحق يوجب ذلك التفضيل، ويأمر
بالإحسان بأن يتفضل العبد بما لا يلزمه كالإنفاق تطوعًا والعفو عن الظالم، ويأمر بإعطاء
الأقرباء ما يحتاجون إليه، وينهى عن كل ما قبح، قولًا كفحش القول، أو فعلًا كالزنى،
وينهى عما ينكره الشرع، وهو كل المعاصي، وينهى عن الظلم والتكبر على الناس، يعظكم الله
بما أمركم به، ونهاكم عنه في هذه الآية رجاء أن تعتبروا بما وعظكم به.
فاتقوا اللهَ أيُّها المسلمون! واذكروا قولَ ربِّكم عزَّ وجلَّ:"وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون"(آل عمران/104).
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله
سوء العاقبة لمن ذُكِّر فلم يتذكر
قال تعالي:" وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا
مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا
كَانُوا يَصْنَعُونَ"(المائدة/14).
وكما أخذنا على اليهود عهدًا مؤكدًا موثقًا أخذنا على الذين زَكَّوْا أنفسهم بأنهم أتباع عيسى عليه السلام، فتركوا العمل بجزء مما ذُكِّرُوا به، كما فعل أسلافهم من اليهود، وألقينا بينهم الخصومة والكراهة الشديدة إلى يوم القيامة، فأصبحوا متقاتلين متناحرين يُكَفِّرُ بعضهم بعضًا، وسوف يخبرهم الله بما كانوا يصنعون، ويجازيهم عليه.
وقال تعالي:"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ"(الأنعام/44).
فلما تركوا ما وُعِظُوا به من شدة الفقر والمرض، ولم يعملوا بأوامر الله، استدرجناهم بفتح أبواب الرزق عليهم، وإغنائهم بعد الفقر، وصَحَّحْنَا أجسامهم بعد المرض، حتى إذا أصابهم البَطَرُ، واستولى عليهم الإعجاب بما مُتِّعُوا به جاءهم عذابنا فجأة، فإذا هم متحيرون يائسون مما يأملون.
وقال تعالي:"فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا
الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ"(الأعراف
فلمَّا أعرض العُصاة عما ذَكَّرَهُم به الواعظون، ولم يكفُّوا، أنجينا الذين نهوا عن المنكر من العذاب، وأخذنا الذين ظلموا باعتدائهم بالصيد يوم السبت بعذاب شديد بسبب خروجهم عن طاعة الله وإصرارهم على المعصية.
وقال تعالي :" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا"(الكهف/57).
ولا أحد أشد ظلمًا ممن ذُكِّر بآيات ربه، فلم يَعْبأ بما فيها من وعيد بالعذاب، وأعرض عن الاتعاظ بها، ونسي ما قدّم في حياته الدنيا من الكفر والمعاصي ولم يتب منها، إنا جعلنا على قلوب من هذا وصفهم أغطية تمنعها من فهم القرآن، وفي آذانهم صَمَمًا عنه، فلا يسمعونه سماع قبول، وإن تدعهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لما تدعوهم إليه أبدًا ما دامت على قلوبهم أغطية، وفي آذانهم صَمَم.
وقال تعالي:" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ"( السجدة/22).
ولا أحد أظلم ممن وُعِظ بآيات الله فلم يتعظ بها، وأعرض عنها غير مُبالٍ بها، إنَّا من المجرمين - بارتكاب الكفر والمعاصي الذين يعرضون عن آيات الله - منتقمون لا محالة.
وقال تعالي:" وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا
نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ
فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
نَصِيرٍ"( فاطر/37).
قال الرسل ردًّا عليهم: شؤمكم ملازم لكم بسبب كفركم بالله وترككم اتباع رسله، أتتشاءمون إن ذكرناكم بالله؟ بل أنتم قوم تسرفون في ارتكاب الكفر والمعاصي.
وإذا وُعظ هؤلاء المشركون بموعظة من المواعظ
لم يتعظوا بها، ولم ينتفعوا؛ لما هم عليه من قساوة القلوب.
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار