
هل الصلاة علي الكراسي بمؤخر المسجد تبطل الصلاة ؟
وأين يكون المكان الصحيح؟
حكم الصلاة قاعداً وصفتها
الصلاة قاعد علي الأرض أفضل أم الكرسي؟
مكان المصلي قاعداً بالمسجد
حكم اتصال الصفوف في صلاة الجماعة
حكم عادة وضع الكراسي بمؤخر المساجد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المصلي على كرسي لم نعثر على ما يدل على ارتباطه بمكان معين في الصف، وبالتالي فله الصلاة في أي مكان فيه، ولكن ينبغي أن يحرص على الانسجام في الصف، وألا يؤدي وجوده إلى إحداث فرجة إلى جواره في الصف أو عدم تسويته. ونحن في هذا البحث سنضطر لتوضيح عدة أمور لأن هناك من يفتون بغير علم أن صلاتهم باطلة بل ينددون بهم ويتهمون من قال بصحة الصلاة أنه جاهل .. كان هذا هو الموجزوإليكم الأحكام بالتفصيل .
أولاً:" حكم الصلاة قاعداً وصفتها
القيام مع القدرة ركن من أركان صلاة الفريضة؛ لما ثبت عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ﭬ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، فدل هذا الحديث على اشتراط القيام مع القدرة في صلاة الفريضة، قال العمراني الشافعي: «فإن صلوا قعودًا مع القدرة على القيام، لم تصح صلاتهم»، أما إن كان القعود في صلاة الفريضة بعذر يمنع من الوقوف فلا تبطل به الصلاة، قال ابن قاسم الغزي:"فإن عجز عن القيام قعد"، وعليه فلا يجوز للرجل الصحيح القادر على القيام أن يصلي قاعدًا في صلاة الفريضة فإن فعل بغير عذر بطلت صلاته، وإن كان الإنسان عاجزًا عن أداء بعض الأركان وقادرًا على أداء بعضها وجب عليه أداء ما يقدر عليه على صفة الكمال، ويعذر فيما عجز عنه؛ لأن من المقرر فقهًا أن الميسور لا يسقط بالمعسور.
الصلاة قاعد علي الأرض أفضل أم الكرسي؟
والمصلي قاعدا ًيجلس على الأرض أو على الكرسي بحسب ما يتيسر له،
ولكن الإشكال هنا فيمن يقوم ويقعد فهو يكبر مع الإمام قائماً، ثم إذا أراد الإمام الركوع جلس فكيف تتم مصافته؟
هل على اعتبار كونه جالساً مع أنه إذا قام تقدم في الصف؟ أو على اعتبار كونه قائماً مع أنه إذا جلس تأخر عن الصف إذا اعتبرنا مصافته على حال القيام؟فالجواب أن على هذا المصلي أن يستقر على حالة واحدة مراعاة لمصلحة تسوية الصف، فإن أمكنه الوقوف لم يجز له الجلوس على كرسي،وإن أمكنه الوقوف لكن لا يمكنه القعود والسجود ونحوها ننظر هل يستطيع الجلوس متربعاً على الأرض دون الكرسي ويشير بالركوع والسجود أو لا؟ فإن أمكنه ذلك قلنا له لا تجلس على الكرسي لإمكان تحصيل مصلحة القعود والوقوف سواء دون الإخلال بالصف وإن لم يمكنه ذلك قلنا: له أن يجلس على الكرسي ويبدأ صلاته عليه وينهيها عليه دون تغيير وضعيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سقط من فرس فجحش شقه أي جرح جنبه فصلى قاعداً جميع صلاته، ولأن التنقل من حال إلى حال والاشتغال بالكرسي فيه تضييع لجانب الطمأنينة في الصلاة، وموجب لكثرة الحركة فيها، كما أن فيه إيذاء لغيره من المصلين، وإخلالاً بالصف إذا توسط الصف .
مكان المصلي قاعداً بالمسجد
المصلي مدعو كغيره للمسابقة والمنافسة على الصف الأول، ولا يجوز لأحد أن يمنعه من ذلك، كما يكره له أن ينفرد خلف الصف مع وجود متسع فيه .
والسنة والصواب أن يكون بالصفوف الأولي وقد وردت عدة أحاديث تدل علي ذلك وترغب في الصلاة بالصفوف الأولي للصحيح والمريض
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ
مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ
يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ
لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ،
لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا""(البخاري ومسلم) .
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصُّفُوفَ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ ، يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا وَصُدُورَنَا ، وَيَقُولُ : لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ ) وَكَانَ يَقُولُ :"نَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ "(أبوداودو النسائي) .
و بلفظ : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ "(ابن ماجه).
وروى عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ"(أحمد، وأبو داود والنسائي).
ولفظ أبي داود: أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ "
وهذا الأمر علي سبيل الاستحباب وليس الوجوب وإلا لتناحر الناس فيما بينهم وخرجب الصلاة عن معناه الحقيقي فما فرضت الجماعة إلا للجماعة والاتحاد والتألف والمودة
قال النووي رحمه الله: "
اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب الصف الأول والحث عليه، وجاءت فيه أحاديث كثيرة
في الصحيح، وعلى استحباب يمين الإمام، وسد الفرج في الصفوف، وإتمام الصف الأول ثم
الذي يليه إلى آخرها، ولا يَشرع في صف حتى يتم ما قبله" انتهى من
"المجموع" (4/ 301).
قال السندي رحمه الله :"قَوْله"رَاصُّوا صُفُوفكُمْ" بِانْضِمَامِ بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض عَلَى السَّوَاء "وَقَارِبُوا بَيْنَهَا" أَيْ : اِجْعَلُوا مَا بَيْن صَفَّيْنِ مِنْ الْفَصْل قَلِيلًا ، بِحَيْثُ يَقْرَب بَعْض الصُّفُوف إِلَى بَعْض" انتهى .
وقال المناوي رحمه الله: "وقاربوا بينها" بحيث لا يسع بين كل صفين صف آخر حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم" انتهى من (فيض القدير" (4 / 7) .
وبعد هذا الترغيب في الصفوف الأولي ماحكم اتصال الصفوف؟
اختلف الفقهاء في اشتراط اتصال الصفوف في صلاة الجماعة هل هو شرط صحة أم شرط كمال، والراجح المختار أنه شرط كمال؛ وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد - الصلاة –""(أحمد وابن ماجه)، والأمر بإعادة الصلاة لا لبطلانها ولكن لتحصيل كمال الثواب فيها بدليل حديث أَبِي بَكْرَةَ، ﭬأَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ"، قال الماوردي: "لو كان انفراده قادحًا في صلاته لأمره بالإعادة"وخومذهب الجمهور إلى أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة وحملوا النفي في الحديث على نفي الكمال وقالوا إن الحديث يدل على كراهة صلاة المنفرد خلف الصف، ودليلهم ـ على القول بالكراهة مع الصحة ـ حديث أبي بكرة وأنه ركع دون الصف ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة.ومنهم من لم ير صحة الأحاديث المروية في هذا الباب.
قال الإمام الشافعي: وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي طَرَفِهِ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ .
وقال بعضهم :"وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين ، وظاهرُ كلام المؤلِّفِ : أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصاً جاراً للمسجد ، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِن شُبَّاكه ، وصَلَّى في بيتِه ، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه ( أي يخرجه من كونه منفرداً ) فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ ؛ لأنه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين .
مثال ذلك : يوجد حولَ الحَرَمِ
عَماراتٌ ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين ،
إما في الصَّلاةِ كلِّها ؛ أو في بعضِها ، فعلى كلا تكون الصَّلاةُ
صحيحةً ، ونقول لهم : إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع
الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام في حالة الزحام الشديد .
إذا كان وضع الكرسي يؤدي إلى
إحداث فرجة في الصف، فهو مكروه وينبغي أن يوضع في طرف الصف عن يمينه أو شماله، أو يكون وسط
الصف مع الحرص على سد الفرج.
وإذا أمكن أن يوضع الكرسي في مكان من الصف ، لا يؤثر على من خلفه ، فذلك هو الأفضل ، وينبغي للمصلين أن يتعاونوا فيما بينهم على ذلك ، برفق ولين وحسن خلق وأدب ، وينبغي للمريض أن لا يمانع من ذلك ، فإن من الكلمات المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي كان يأمر بها عند تسوية الصفوف للصلاة : "لينوا في أيدي إخوانكم"( أحمد ، وأبو داود).
حكم عادة وضع الكراسي بمؤخر المساجد
أما عن العادة التي انتشرت في بعض البلاد : وهي وضع كراسي ، أو مقاعد ثابتة ، في مؤخر المسجد ، يصلي عليها من يحتاج إلى الجلوس في صلاته ،لم نري للفقهاء المتقدمين كلاماً حول موضوع المصلي في مثل هذه الحال،
سوي ما قاله الإمام الشافعي: وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ فِي طَرَفِهِ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ"
فالعبرة بمحاذاة الصف كان الصف قريباً أم بعيداً ونقول بإنها ليست منافية لأدب الشرع بإتمام الصفوف ، وإكمالها ، الأول فالأول .
وعليه فصلاتهم جائزة ومقبولة إن شاء الله بل هي أولي لعدم قطع الصفوف ومضايقة المصلين بوضع الكراسي في وسط الصفوف ووجود فرجة في الصف بسبب وضع الكرسي وكل ما عليهم أن يلتزموا بتسوية الصف المؤخروالخشوع في الصلاة ..
والله اعلم