
خيركم
خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
النظر لجوانب
الحسن وترك القبح
مواساته
لزوجاته والنخفيف عنهم
المدح والثناء وإظهار جوانب الفضل
حفظ الود والاعتراف بالجميل
المعاملة بالرفق والرحمة
الحمد لله
والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فالناظر
في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان يحسن معاشرة ومعاملة أهله، ويُولِيهم
عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان مع زوجاته حنوناً ودوداً، تجلّت فيه العواطف في أرقى
معانيها، والمشاعر في أسمى مظاهرها، فكان يُكرم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، ولا يعنِّف
ويَجْرَح، روى أنس رضي الله عنه قال:"ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً
قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله"(مسلم). بل وجعل صلى
الله عليه وسلم حسن معاملة وعشرة الزوجة معياراً من معايير خيرية الرجال، فعن عائشة
ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم لأهله،
وأنا خيركم لأهلي"(الترمذي).
وفي هذا
الحديث دليل عظيم على محاسن الإسلام التي جاء بها، ومن جملتها أنه جعل الإحسان إلى
الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس، قال صاحب تحفة الأحوذي
في شرحه لهذا الحديث: قوله: خيركم خيركم لأهله: أي لعياله، وذوي رحمه، وقيل لأزواجه
وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق،"وأنا خيركم لأهلي" فأنا خيركم مطلقا،
وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خلق عظيم.
النظر لجوانب
الحسن وترك القبح
ومن هديه
صلى الله عليه وسلم في حسن معاملته لأهله (زوجته) النَّظَر إلى الجوانب الحَسَنَة فيها
وهي كثيرة، والتغاضي عن عيوبها، فلا تخلو الزوجة من جوانب طيبة متعدِّدة، سواء ما يتعلَّق
بالجانب الظاهري الشكلي أمِ الديني والأخلاقي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرك
(يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كَرِه منها خُلُقًا رضيَ منها آخر"(مسلم).
"يعني
لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من
الأخلاق؛ وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه
حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعاً،
فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً، هذا هو العدل".
مواساته
لزوجاته والنخفيف عنهم
ومن حسن
عشرته صلى الله عليه وسلم لزوجته: مواساتها والتخفيف عنها حين حزنها وبكائها، ورقيتها
حين مرضها، فعن أم المؤمنين صفية بنت حىّ رضي الله عنها:"أن النبي صلّى اللَّه
عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي
صلى اللَّه عليه وسلم: "كذاك سوقك بالقوارير(النساء)، فبينما هم يسيرون، برك بصفية
بنت حيي جملُها ـوكانت من أحسنهن مركباًـ فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أُخْبِرَ بذلك فجعل يمسح دُمُوعَهَا بيده"(النسائي). وعن عائشة رضي الله عنها
قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مرض أحدٌ من أهله نفثَ عليهِ بالمعوِّذات"(مسلم)،
وفي رواية الطبراني:"من أهل بيته".
المدح والثناء
وإظهار جوانب الفضل
ومِن حسن
معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله مَدْحُهنَّ، والثناء عليهنَّ، وبيان فضلهنَّ، وما
لهنَّ من مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كَمُل
منَ الرِّجال كثيرٌ، ولم يكملْ منَ النساء إلاَّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران،
وإن فضل عائشة على النساء، كفضلِ الثريد على سائر الطعام"(البخاري).
وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لهن، وربما يعاتِبْنَهُ،
ويردِّدن القول عليه، ويقابل ذلك بالصبر والإحسان، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال: "كنا معشر قريش نغلب النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا هم قوم تغلبهم
نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يأخذْنَ مِن أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت
أن تراجِعَنِي، فقالتْ: ولِمَ تُنكر أن أراجعكَ؟، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله
عليه وسلم ليُرَاجِعنه، وإن إحداهنَّ لتهجره اليوم حتى الليل"(البخاري).
حفظ الود
والاعتراف بالجميل
ومِن جميل
معاملته وعشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه، حفظه لودَّهُنَّ، واعترافه بِجَمِيلهنَّ
حتى بعد وفاتهنَّ، وكذلك حُسن معاملة أهل الزوجة والمقربين منها، فعن عائشة رضي الله
عنها قالت:"ما غِرْت على نساء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ على خديجة،
وإني لم أدركْها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذَبَحَ الشاة يقول:
أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عنها:"إنها كانتْ
وكانتْ، وكان لي منها ولد"(البخاري).
ومن لطيف
معاملته صلى الله عليه وسلم لزوجته أنه كان يشرب من موضع شربها، فعن عائشة رضي الله
عنها قالت:"كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم
فيَضَعُ فاه على موضِعِ فيَّ فيشرب، وأَتَعَرَّقُ العَرَقَ "تأكل من العظم الذي
عليه لحم"وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيَضَعُ فاه على
مَوضِعِ فيَّ"(مسلم)،
وقال صلى الله عليه وسلم:"إنك لن تنفق نفقة
الا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى فِّيّ امرأتك"( البخاري).
قال ابن
كثير: "وكان من أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه جميل العشرة، دائم البِشر،
يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه".
لقد كان
نبينا صلى الله عليه وسلم مع أهله الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس،
يمازحهن ويداعبهن، ويواسيهنَّ ويمسح دموعهن بيده، ولا يؤذيهنَّ بلسانه أو بيده، يتحمَّل
منهنَّ كما يتحمل أحدنا من أهله، وما ضرب بيده امرأةً قط، وكان يوصي أصحابه بزوجاتهم
خيراً، فعن عمرو بن الأحوص الجشمي ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
في حجة الوداع يقول:"ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوانٌ عندكم"(
الترمذي)، (العوان: الأسير).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي،
المعاملة بالرفق والرحمة
وهو خيرٌ
لهم في أمور دنياهم ومعاشِهم، يعاملهم بالرفق والرحمة، وحسن الخلق، اقتداءً بمن هو
خيرٌ لأهله، صلى الله عليه وسلم، وقد كان خُلُقُه القرآنَ، وأثنى عليه ربُّه تعالى
أعظمَ ثناءٍ فقال:"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"(القلم)، لا يغضَب لأمر
دنيا، يُخاطب أهله بأجمل العبارات، ويُلاطفهم بأسمى المعَاملات، ويمشي في خدمتهم، ولا
يَبخل عليهم بما قُدِّر له من رزقٍ، يَعفو ويصفح، بشوش الوجه، طَلْقُ المحَيَّا، يبث
الجميلَ، ويطوي ويستر القبيحَ، وهو قدوتنا في شأنه كلّه، خيرٌ لأهله ولصحابته ولأمَّتِه
وللعالمين أجمع.
فيا باغي هذه الخيرية هلمَّ، فقد شُرِعَت لك أبوابها، كن حليمًا مع أهلك، أشعرهم بحبِّك وحنانِك، قاسمهم وقتَك واهتمامَك، اُعف عن زلّاتهم، وتجاوز عن هفواتِهم، كن حازمًا في أمر الشرع من غير عنفٍ، ليِّنًا من غير ضعفٍ، منفقًا من غير مَنٍّ، ولا سَرَفٍ، باذلًا قبل الطَّلَبِ، تتحسس حاجاتهم وتُشْعِرهم أنّك معهم ولو كان بدنُك بعيدًا، تشفق على مريضهم، وتعطف على صغيرهم، تبدؤهم بالسلام، وتردُّ التَّحيَّةَ بخيرٍ منها، وتفسح لهم في المجالس، إنْ غِبت فقدُوك، وإن حضرت سَعدوا بك، لا تكن كَلاًّ عليهم، خذ بمنهج التغافل ما استطعتَ، مرهم بالصلاة والزكاة، كأبينا إسماعيلَ عليه السلام:"وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا"(مريم).،
ليرضى عنك وعنهم ربك، خذ بمجامع الأخلاق الفاضلة، تنل السعادة والهناءَ وطيبَ العيشِ، تَسْعد بهم ويسعدون بك، ومع ذلك تكن بذلك في طاعةٍ لربك، واستجابةٍ لقدوتك صلى الله عليه وسلم، وأبشر بحسن العاقبةِ والمآل!"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(آل عمران/).، هل هناك أغلى من محبة الله تعالى وغُفرانه؟!
وهذا جزءٌ
منْ حديثٍ رواهُ أبو داودَ والحديثُ طويلٌ وفيهِ يقولُ النبيُّ
صلى الله عليه وسلم: "لقدْ طافَ بآلِ محمدٍ نساءٌ كثيرٌ يَشكُونَ أزواجَهُنَّ ليسَ
أولئكَ بخيارِكم"، وهؤلاءِ النسوةُ اللاتي جئنَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ما دفعتهن
إلاّ حاجات، لم يأتين ليتكثرن أو يجرن فهن يَعْلَمْنَ أنهنَّ إنْ كَذبن علَى النبيِّ
صلى الله عليه وسلم وحاشاهُنَّ منْ ذلكَ، سدده الوحي، وعندهن من الوازع ما يردعهن،
فهنَّ صحابياتٌ جَليلاتٌ، فشكواهُنَّ لها أسبابُها الحقيقيةُ، من تقصيرٍ أو إساءةٍ
أو ضربٍ -كما في الحديث- أو غير ذلك، فاستجابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبيَّنَ
أنَّ من يفعل ذلك ليسوا من خيارِ أصحابِهِ، تنفيرًا منه عن ذلك الخلق.
وكما مرَّتْ
معنا الوصيةُ للمرأةِ بشكرِ زوجِها والتحذيرُ من ضدِّ ذلك في حديث:"أنَّ اللهَ لا
ينظرُ إلى امرأةٍ لا تشكرُ لزوجِها وهيَ لا تَسْتَغْنِي عنْه"، فهنا جاءتِ الوصيةُ
وجاءَ التحذيرُ للرجالِ؛"ليسَ أولئكَ بخيارِكم".
وفي قوله:
بآلِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إخبار بأنَّ النساءَ جئنَ يشكينَ لأمهاتِ المؤمنينَ،
وأمهاتُ المؤمنينَ نقلنَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم هذهِ الشكوَى، وفي هذا إرشادٌ لزوجاتِ
العلماءِ والدعاةِ إلى ما ينبغي لهن وهو أنْ يستقبلنَ بعضَ الشكاوَى التي تُقدَّمُ
لأزواجِهِنَّ منْ أجلِ علاجها، وأنْ يَكُنَّ واسطاتِ خيرٍ بدونِ إثقالٍ علَى أزواجِهنَّ،
وبدونِ إحراجٍ للنساء، وإنّما توسطًا في الخير، ومساهمة في حلِّ المشكلات، كما كانتْ
أمهات المؤمنين يفعلن.
فالشاهدُ
أنَّ الذي يُؤذِي أهله، وتَكْثُرُ شَكْوَى زوجتِه منهُ بحيث لا يحتوي الشكاية بيته،
ليسَ منَ الخيارِ، وهلْ يرضَى أحدٌ منا أنْ يُوصَفَ بهذا الوصفِ، وعلَى لسانِ الصادقِ
المصدوقِ صلى الله عليه وسلم!
كلَّا
-واللهِ-، فلهذَا علينا أنْ نَحْرِصَ علَى أنْ نُحققَ الخَيرِيَّةَ في البيتِ، بأنْ
تكونَ المرأةُ شاكرةً صابرةً ومحتسبةً، والرجلُ محسنًا إلى أهلِه، وإن وقع شيء عالجه،
ولم يضطرها إلى رفع الشكوى إلى من يرفع ظلامتها! وهذا لا يكون من المرأة غَالبًا إلاّ
إذا ضاقتِ بها السبلُ وتقطعت بها الأسباب فلمْ تَجدْ أذنًا في البيت صاغية، ولا أملًا
لعلاج مشكلتها أو كشف ظلامتها فيه.