
متي تخص الحسنة ومتي تعم السيئة؟
كيف يشمل العقاب من أخطأ ومن لم يخطئ؟
كم مرة
ذكرت"وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى؟
هل كل إنسان
يحاسب علي عمله هو فقط؟
من ظلم
العبادالحسنة تخص والسيئة تعم
متي يعم
العقاب ؟
كيف يشمل العقاب من أخطأ ومن لم يخطئ؟
من الكوارث
التى يطبقها الكثيرون شعار"الحسنة تخص والسيئة تعم"،
وهى واحدة من الجمل الخطيرة القادمة من التراث الشعبى محملة بالظلم، هذه الجملة دمرت نفوسًا وحطمت هممًا، وذلك لأن السؤال البسيط الذى يطرح نفسه:كيف يشمل العقاب من أخطأ ومن لم يخطئ؟
وإذا عرضنا
هذا علي ميزان الإسلام نجد أن هناك عدل مطلق في هذه القضية فلايحاسب الأنسان إلا
بجرم اقترفه أوسكت عنه ولم يمنعه طالما كان في مقدوره ذلك وتعالوا لنري
كم مرة
ذكرت :"ولاتزرو وازرة وزر أخري؟
دكرت خذخ
الجملة المعبرة في القرآن أربع مرات في
سورة الأنعام الآية ١٦٤،وفي سورة الإسراء الآية الخامسة عشر, وفي سورة فاطر الآية
الثامنة عشر وفي سورة الزمر الآية السابعة..
كل إنسان
يحاسب علي ذنبه هو فقط؟
فلا شك
أن كل إنسان يوم القيامة يحاسب على ذنبه هو ، ولا يظلم ربك أحدًا ، ولا يحمل إنسان
تبعة إنسان آخر ، كما في قوله تعالى :"وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"( الأنعام/164) .
ولا شك
أيضا في تمام عدل جل جلاله، وتنزهه عن ظلم أحد من عباده ، أدنى شيء من الظلم: "وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا "(الكهف/49) :"إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ
شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ "(يونس/44).
وقد وعد
الله جل جلاله عباده : أن كل إنسان إنما يحاسب بعمل نفسه، لا بعمل غيره، فإما أن يوبقه
عمله، أو يعتقه من النار ؛ قال الله تعالى :"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"(الطور/21)،
وقال تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ "(المدثر/38).
من ظلم
العباد الحسنة تخص والسيئة تعم؟
ونحن لا
نزال معًا نقرأ فى سورة "فاطر" ونتوقف مع قول الله سبحانه وتعالى "وَلا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ
مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم
بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ"، أية ضمن أيات أربع تنخلع لها القلوب وخاصة أن جميعنا يعرف أنه لا يجوز أن يحمل إنسان
ذنب إنسان آخر؟ ولكننا على أرض الواقع لا نطبق ما نعرفه، بل نأخذ بالذنب القاصى والدانى،
المخطئ والمصيب.
إن أخذ
المحسن بما فعل المخطئ أمر موجود فى البيوت الصغيرة وفى المؤسسات الكبيرة أيضًا، لذا
لن أحدثكم عن الصعيد والثأر، وهذه الأمور التى تعرفونها جميعًا، فمفهوم القصاص هناك
غريب لا علاقة له بقانون أو حتى عقل، ولكن أحدثكم عن الأمور البسيطة مثل أن "ينكد"
أحدنا على أهل بيته لأن طفلا صغيراً أفسد شيئاً.
إن مفهومنا
عن العدل "مرتبك" يحتاج إلى إعادة ضبط، وأن نعرف أن الثواب والعقاب مرتبط
بالعمل، لا يرتبط بقرابة ولا محسوبية، ولا برضا ولا بغضب.
ومن ناحية أخرى فإن العدل للنفس مهم وواجب أيضا،
وذلك معناه ألا نرتكب حماقات من أجل الآخرين، حتى لو كانوا أقاربنا وأهلنا، لأننا فى
النهاية سنتحمل الإثم وحدنا، فمن المعانى الأساسية لـ "لا تزر وازرة وزر أخرى"
أن العدل – الذى ننشده جميعا - سيجعلنا نحمل ما ارتكبناه من أوزار وذنوب وحدنا، ولن
يحمل أحد معنا شيئا، ولو طلبنا ذلك فلن يستجاب لنا، حتى أولئك الذين فعلنا الأخطاء
من أجلهم لن نجدهم أيضا، إذن من باب أولى أن نحمى أنفسنا، ونلجأ إلى العدل فهو الوحيد
الذى يصل بنا إلى بر الأمان.
مع أن الله
تعالى يقول: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] فجوابه يؤخذ من
كلام ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث، حيث قال: قول الله عز وجل: {ولا تزر وازرة وزر
أخرى} إنما هو في أحكام الدنيا؛ وكان أهل الجاهلية يطلبون بثأر القتيل، فيقتل أحدهم
أخاه، أو أباه، أو ذا رحم به، فإذا لم يقدر على أحد من عصبته، ولا ذوي الرحم به، قتل
رجلًا من عشيرته، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} .. ولذلك قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل رأى معه ابنه: "لا تجني عليه، ولا يجني عليك".
متي يعم العقاب ؟
عقاب الله
تعالى إذا هو أتى، فيعم، وينال المسيء والمحسن، قال الله تعالى: "واتقوا فتنة
لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" يريد: أنها تعم، فتصيب الظالم، وغيره، وقال عز
وجل:"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا"،
وقالت أم سلمة: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال: "نعم، إذا كثر الخبث".اهـ.
ونقل محقق
الكتاب عن الشيخ محمد بدير من تعليقه على الكتاب قوله: الإهلاك في الدنيا بالمجاورة،
وشؤم الصحبة، فهذا يجري على المؤمنين والكفار، ثم يبعثون على نياتهم، كما في صحيح البخاري
من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو
جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأولهم وآخرهم، قالت: قلت: يا رسول الله،
كيف يخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم
يبعثون على نياتهم". فإهلاك المحسن مع المسيئين في الدنيا بشؤم المجاورة ليس خاصًا
بالكفار، بل هو جار على المؤمنين أيضًا. اهـ.
وقد حمل
طائفة من أهل العلم هذا المعنى على حال مخصوصة، وهي التقصير في واجب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وقد بوب الإمام مالك في موطئه على حديث أم سلمة بقوله: باب ما جاء
في عذاب العامة بعمل الخاصة. وروى بعده عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: "كان يقال:
إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارًا استحقوا
العقوبة كلهم".
قال الباجي
في المنتقى: يريد ـ يعني: عمر بن عبد العزيز ـ قول الله عز وجل: {ولا تزر وازرة وزر
أخرى}، وقوله - رضي الله عنه -: "ولكن إذا عمل المنكر جهارًا.. " يقتضي أن
للمجاهرة بالمنكر من العقوبة مزية ما ليس للاستتار به، وذلك أنهم كلهم عاصون من بين
عامل للمنكر، وتارك للنهي عنه، والتغيير على فاعله، إلا أن يكون المنكر له مستضعفًا
لا يقدر على شيء، فينكره بقلبه، فإن أصابه ما أصابهم، كان له بذلك كفارة، وحشر على
نيته. اهـ.
ومن المقرر
أن القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من أسباب النجاة من العقوبات
الإلهية لأهل الفساد، كما قال تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"(البقرة:
251). وقال عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا
بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا
بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ "(الأعراف: 165). وقال سبحانه: "فَلَوْلَا
كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ
فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ
الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"(هود: 116-117).
وقال أيضًا
صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن
الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"(الترمذي).
وقد ضرب
النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى مثلًا بيِّنًا فقال: "مثل القائم على حدود
الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها،
فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا
في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا
على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا"(البخاري).