
حكم قراء
الفاتحة في الصلاة ؟
الرأي الأول من قال بفرضيتها وتبطل الصلاة وأدلتهم
الرأي الثاني من قال بوجوبها وتصح الصلاة بدونها وأدلتهم
أقوال العلماء في قراءة الفاتحة في الصلاة
حُكمُ صلاةِ العاجزِ عن قراءةِ الفاتحةِ
حكم إمامة من لا يحسن قراءة الفاتحة
حكم صلاة الإمام الذي لم يقرأ الفاتحة في صلاة العيد في الركعة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فسورة الفاتحة هي أم الكتاب، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم.
والكلام على هذه السورة العظيمة من جهة آيات الأحكام يتعلق بقراءتها في
الصلاة للإمام والمأموم والمنفرد ..
ونقول:"
اختلف فقهاء المذاهب في فرضية قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة،علي رأيين:"
الرأي الأول:"
ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنها ركن تبطل الصلاة بتركها ولا تصح الصلاة إلا بها. وهذا القول هو المشهور عن أحمد.
أدلة القائلين بفرضيتها
واستدل من قال بوجوب قراءة المأموم للفاتحة مطلقاً وتبطل الصلاة
بدونها بما جاء في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة
لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(البخاري ومسلم)، وسواء كان ذلك في الفرض أم في النفل..
وبقوله صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج هي خداج هي خداج"(مسلم وأبوداود) أي ناقص غير تام.
واستدلوا أيضاً بما رواه صلى الله عليه وسلم عن ربه، قال:"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:"الحمد لله رب العالمين" قال الله تعالى: حمدني عبدي.."(مسلم).
قالوا: فقد تولى سبحانه قسمة
القرآن بينه وبين العبد بهذه الصفة، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. قال ابن العربي:
"وهذا دليل قوي" على أن صحة الصلاة متوقفة على قراءة الفاتحة.
واستدلوا
أيضاً بما رواه ابن أبي شيبة عن عمر رضي عنه أنه قال:"لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها
بفاتحة الكتاب، وآيتين فصاعداً". ونحو هذا ما روي عن عمران بن حُصين رضي الله
عنه، قال:"لا تجوز صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وآيتين فصاعداً".
الرأي الثاني :"
ذهب أبو
حنيفة وأصحابه إلى أن قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة، تصح الصلاة بدونها، لكن
من تركها متعمداً فقد أساء. وهذا القول هو رواية أخرى عن الإمام أحمد. ومفاد هذا القول
أن صحة الصلاة غير متوقف على قراءة الفاتحة، بل يجزئ قراءة أي شيء من القرآن.
وهو يفرق
بين الفرض والواجب، فالفرض عنده هو الذي تبطل الصلاة بتركه، بخلاف الواجب فلا يبطل
الصلاة، وأن تعمد تركها يأثم،
أدلة من قال الصلاة تصح بدون فاتحة الكتاب
أما الذين
قالوا:"لا تتوقف صحة الصلاة على قراءة الفاتحة -وهم الحنفية- فقد استدلوا لقولهم، بقوله
تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون".
واستدلوا
أيضاً بقوله سبحانه:"أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر"(الإسراء:78)،
قالوا: معناه قراءة الفجر في صلاة الفجر؛ لاتفاق المسلمين على أنه لا فرض على المسلم
في القراءة وقت صلاة الفجر إلا في الصلاة؛ والأمر على الإيجاب حتى تقوم دلالة الندب،
فاقتضى الظاهر جوازها بما قرأ فيها من القرآن؛ وليس في الآية تخصيص لشيء من القرآن
دون غيره.
واستدلوا
كذلك بقوله تعالى:"فاقرءوا ما تيسر من القرآن" (المزمل:20)، والمراد القراءة في الصلاة؛
بدلالة قوله عز وجل في الآية نفسها:"إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل" إلى
قوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن"(المزمل:20)، ولم تختلف الأمة أن ذلك في شأن الصلاة
في الليل.
وعليه فقد
قالوا: قوله تعالى:"فاقرءوا ما تيسر من القرآن "عام في صلاة الليل وغيرها
من النوافل والفرائض؛ لعموم اللفظ، ويدل على أن المراد به جميع الصلاة من فرض ونفل
حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي الصلاة
حين لم يحسنها، وفيه:"ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"(متفق عليه). فلو كانت قراءة فاتحة
الكتاب في الصلاة فرضاً، لعلَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها، مع علمه بجهل الرجل
بأحكام الصلاة؛ إذ غير جائز الاقتصار في تعليم الجاهل على بعض فروض الصلاة دون بعض،
فثبت بذلك أن قراءتها ليس بفرض.
قالوا: وهذا الحديث يدل على جواز الصلاة بغير فاتحة الكتاب من وجهين:
أحدهما:
دلالته على أن مراد قوله تعالى: "فاقرءوا ما تيسر من القرآن" عام في جميع الصلوات.
الثاني:
أن الحديث مستقل بنفسه في جواز الصلاة بغير الفاتحة، وعلى أن نزول الآية في شأن صلاة
الليل، لو لم يؤيده الحديث، لم يمنع لزوم حكمها في غيرها من الفرائض والنوافل من وجهين:
أحدهما:
أنه إذا ثبت ذلك في صلاة الليل، فسائر الصلوات مثلها، بدلالة أن الفرض والنفل لا يختلفان
في حكم القراءة، وأن ما جاز في النفل جاز في الفرض مثله، كما لا يختلفان في الركوع
والسجود وسائر أركان الصلاة.
والوجه
الآخر: أن أحداً لم يفرق بين صلاة الفرض وصلاة النفل، ومَن أوجب فرض قراءة فاتحة الكتاب
في أحدهما، أوجبها في الآخر، ومن أسقط فرضها في أحدهما، أسقطه في الآخر. ولما ثبت بظاهر
الآية جواز النفل بغير الفاتحة، وجب أن يكون كذلك حكم الفرض.
واستدل الحنيفة أيضاً بما روي عن أبي العالية، قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن القراءة في كل ركعة، قال:"اقرأ منه ما قل، أو كثر، وليس من القرآن شيء قليل". وروي عن الحسن، وإبراهيم، والشعبي أن من نسي قراءة فاتحة الكتاب، وقرأ غيرها لم يضر، وصلاته صحيحة.
وقد أجاب
الحنيفة عن حديث:"كل صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج"، بقولهم:
(الخداج) الناقصة، وهذا يدل على جوازها مع النقصان؛ لأنها لو لم تكن جائزة، لما أُطلق
عليها اسم النقصان؛ لأن إثباتها ناقصة ينفي بطلانها؛ إذ لا يجوز الوصف بالنقصان، لما
لم يثبت منه شيء. فثبت بذلك جواز الصلاة بغير فاتحة الكتاب؛ إذ النقصان غير نافٍ للأصل،
بل يقتضي ثبوت الأصل حتى يصح وصفها بالنقصان.
وأجابوا عن حديث:"قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي.."أنه ليس فيه ما يفيد الأمر، بل غاية ما فيه الصلاةُ بقراءة فاتحة الكتاب، وذلك غير مقتضٍ للإيجاب؛ لأن الصلاة تشتمل على النوافل والفروض. وقد أفاد قوله صلى الله عليه وسلم:"فهي خداج"صحتها ناقصة مع عدم قراءتها. وذِكْرُ فاتحة الكتاب في الحديث لا يوجب أن تكون قراءتها فرضاً فيها.
وأجابوا أيضاً عن قوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، بأن الحديث يحتمل نفي الأصل ونفي الكمال، وظاهره نفي الأصل، حتى تقوم الدلالة على أن المراد نفي الكمال. والدليل على أن المراد نفي الكمال لا نفي الأصل قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم وغيره: (غير تمام) الحديث. وأيضاً فإن نفي الأصل فيه إسقاط التخيير في قوله تعالى: "فاقرءوا ما تيسر من القرآن".
ثم قال
الحنفية: وعلى فَرَض دلالة الأحاديث على القول بتوقف صحة الصلاة على قراءة الفاتحة،
فإن تلك الأحاديث لا تقف أمام عموم قوله تعالى:"فاقرءوا ما تيسر من القرآن".
وحاصل القول:
إن العلماء متفقون من حيث الجملة على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة ، وعلى أن
صحتها متوقف على قراءتها، سوى الحنفية فإن الصلاة عندهم صحيحة من غير قراءة الفاتحة،
بيد أن تاركها عامداً مسيء، وتاركها نسياناً يلزمه سجود سهو.
ودليله قوله سبحانه:"فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ"(المزمل/20). وقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء لصلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن"(البخاري ومسلم )، فلم ينص على الفاتحة، ولو كانت من أركان الصلاة لنص عليها، إذ الموضوع موضوع تعليم للأعرابي، ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "إذا قمت إلى الصلاة..." الفرض والنفل على السواء إذ كلاهما صلاة،
أقوال العلماء في قراءة الفاتحة في الصلاة:"
قال الإمام
النووي في المجموع: ففي من ترك الفاتحة ناسياً حتى سلم أو ركع قولان مشهوران، أصحهما
باتفاق الأصحاب وهو الجديد: لا تسقط عنه القراءة بل إن تذكر في الركوع وبعده قبل القيام
إلى الثانية عاد إلى القيام وقرأ، وإن تذكر بعد قيامه إلى الثانية لغت الأولى، وصارت
الثانية هي الأولى، وإن تذكر بعد السلام ـ والفصل قريب ـ لزمه العود إلى الصلاة ويبني
على ما فعل فيأتي بركعة أخرى ويسجد للسهو، وإن طال الفصل يلزمه استئناف الصلاة. ولا
يجبر سجود السهو وحده نسيان الفاتحة لأنها من أركان الصلاة، والركن لا يسقط بالنسيان
ولا يجبر تركه بالسجود.
وقال بعض العلماء المعاصرين :"
إذا نسي الإمام آية من سورة الفاتحة ، ولم يذكر إلا بعد مدة طويلة - فإنه يجب عليه إعادة الصلاة إذا كانت فريضة؛ لأن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "( البخاري).
أما إن ذكرها قبل طول الفصل، فإنه يأتي بركعة بدل الركعة التي ترك قراءة آية من الفاتحة فيها، ويسجد للسهو،
أما إذا كانت الآية المنسية من غير الفاتحة ، فصلاته صحيحة ، ولا شيء عليه ولا على من خلفه في ذلك ، لأن قراءة ما زاد على الفاتحة مستحب وليس بواجب " أهـ .
حُكمُ صلاةِ
العاجزِ عن قراءةِ الفاتحةِ
إذا لم
يستطِعِ الأُمِّيُّ والأعجمي قراءةَ الفاتحةِ، فصلاتُه صحيحةٌ، إذا لم يَقدِرْ على تعلُّمِها.
الدَّليلُ
مِنَ الإِجْماع:
نقَل الإجماعَ
على ذلك: ابنُ تيميَّةَ قال :"وأيضًا
فالأُمِّي تصحُّ صلاته بلا قراءة باتِّفاق العلماء"(مجموع الفتاوى23/75).
الفَرْعُ
الثَّاني: ما يَفعَلُ مَن عجَزَ عن قراءةِ الفاتحةِ
مَن عجَز
عن قِراءةِ الفاتحةِ فعليه قراءةُ سبعِ آياتٍ مِن غيرِها إن أحسَنها، فإن عجَز أتى
بأيِّ ذِكرٍ، وهذا مذهبُ الشافعيَّةِ، والحنابلةِ،
الأدلَّة:
أوَّلًا:
من السُّنَّة
عن رِفاعةَ
بنِ رافعٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "إذا
قُمتَ إلى الصَّلاةِ فتوضَّأْ كما أمَرَك اللهُ، ثم قُمْ فاستقبِلِ القِبلةَ، ثم كبِّرْ،
فإن كان معك قرآنٌ فاقرَأْه، وإن لم يكُنْ معك قرآنٌ، فاحمَدِ اللهَ وهلِّلْه وكبِّرْه،
فإذا ركَعْتَ فاركَعْ حتَّى تطمئِنَّ، ثم ارفَعْ رأسَكَ فاعتدِلْ قائمًا، ثم اسجُدْ
فاعتدِلْ ساجدًا، ثم ارفَعْ رأسَك فاعتدِلْ قاعدًا، حتَّى تقضيَ صلاتَكَ، فإذا فعَلتَ
ذلك فقد تمَّتْ صلاتُكَ، وإن انتقَصْتَ مِن ذلك شيئًا فإنَّما انتقَصْتَ مِن صلاتِكَ
"(أبوداود والترمذي والنسائي).
ثانيًا:
ولأنَّه ركنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ، فجاز أن يُنتقَلَ فيه عند العجزِ إلى بدلٍ؛ كالقيامِ"(المجموع
للنوي).
حكم إمامة
من لا يحسن قراءة الفاتحة
الذي لا
يحسن قراءة الفاتحة لا ينبغي أن يجعل إماماً ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم
"يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ"(مسلم). .ومعنى
"الأقرأ" : هو الأحسن قراءة والأكثر حفظاً .
أما صحة
الصلاة خلف من لا يحسن الفاتحة ، فإن كان يسقط حرفاً ، كترك التشديد في إيّاك ، أو
كان يبدل حرفاً بحرف ، مثل إبدال (الذال) إلى (زاي) ، أو يخطئ خطأ يغير المعنى كما
لو قال : (إياكِ نعبد) بكسر الكاف ، وكان قادراً على إصلاح هذا الخطأ لكنه تهاون ،
فلا تصح صلاته ، ولا تصح الصلاة خلفه ,
فإن كان
عاجزاً عن إصلاح الخطأ ، فقد اختلف العلماء في صحة الصلاة خلفه ، والصحيح من أقوالهم
: أنها صحيحة إن شاء الله تعالى ، إلا أن الأولى أن يقدم غيره للإمامة .
قال ابن
حزم رحمه الله :
"وأما
الألثغ , والألكن , والأعجمي اللسان , واللحان : فصلاة من ائتم بهم جائزة . لقول الله
تعالى :"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه , لا
ما لا يقدرون عليه , فقد أدوا صلاتهم كما أمروا , ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن
. قال تعالى :"ما على المحسنين من سبيل" . والعجب كل العجب ممن يجيز صلاة الألثغ واللحان
والألكن لنفسه - ويبطل صلاة من ائتم بهم في الصلاة , وهم - مع ذلك - يبطلون صلاة من
صلى وهو جنب ناسياً , ويجيزون صلاة من ائتم به وهو لا صلاة له وبالله تعالى التوفيق"
انتهى .(المحلى 3/134) .
وقال بعض
العلماء:" بعض أهل العلم ، يرون أن الألثغ إذا كانت لثغته بإبدال الحروف بعضها
ببعض ، مثل أن يبدل الراء فيجعلها غيناً أو يجعلها لاماً أو ما أشبه ذلك فإن بعض أهل
العلم يرون أنها لا تصح إمامته ، لأنه بمنزلة الأمي الذي لا تصح إمامته إلا بمثله
.
ويرى آخرون أنها تصح إمامته ، لأن من صحت صلاته لنفسه صحت إمامته ، ولأنه قد أتى بما يجب عليه وهو تقوى الله تعالى ما استطاع ، وقد قال الله تعالى :"فاتقوا الله ما استطعتم" وإذا كان العاجز عن القيام يُصلي بالمأمومين القادرين عليه فإن هذا مثله ، لأن كلاً منهم عاجزٌ عن إتمام الركن ، هذا عن القيام ، وهذا عن القراءة ، وهذا القول هو الصحيح أن إمامة الألثغ تصح وإن كان يبدل حرفاً بحرف ، ما دامت هذه قدرته ، ولكن مع هذا ينبغي أن يُختار من يُصلي من الجماعة إنسانٌ ليس فيه عيب ، احتياطاً وخروجاً من الخلاف" انتهى .
الكلام علي حديث :"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب"(البخاري، ومسلم).
وهذا الحديث
قد قال بعض أهل العلم بأنه منسوخ.
جاء في كتاب: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لأبي بكر زيد
الدين الحازمي الهمداني
(المتوفى : 584هـ)
باب في النهي عن القراءة خلف الإمام: حدثنا سفيان بن عيينة، عن
الزهري، سمع ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال:
صلى صلاة - قال: أظنها الصبح -، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: هل قرأ أحد؟ قالوا: نعم. قال: فإني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ !
فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه. هذا حديث لا يعرف إلا من هذا
الوجه، وابن
أكيمة غير مشهور.
وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب: فذهب بعضهم إلى هذا الحديث، وقالوا:
قراءة الإمام تكفيه.
وممن ذهب
إلى هذا: الثوري، وابن عيينة، وجماعة من أهل الكوفة.
وذهب بعضهم إلى أن المأموم يقرأ في صلاة السر، ويسكت في صلاة
الجهر. وإليه ذهب الزهري، ومالك، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل،
وإسحاق.
وزعم بعض من ذهب إلى هذا القول أن هذا الحديث ناسخ للحديث الآخر،
وهو قوله -عليه السلام-: لا
صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
وتمسك في ذلك بحديث منقطع عن أبي العالية، قال: كان نبي الله -صلى الله
عليه وسلم- إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه، حتى أنزلت: وإذا قرئ
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون. فسكت القوم، وقرأ رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن النعمان: حدثنا أبي، حدثنا بشر بن عمر الزهراني، عن ابن
لهيعة، عن أبي هبيرة، عن ابن عباس قال: صلى النبي -صلى الله عليه
وسلم-، وقرئ خلفه، فنزلت: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم
ترحمون.
فعلى هذا يكون الحديث منسوخا بالقرآن، لا بالحديث كما زعم، إن كان ممن
يجوز نسخ الحديث بالقرآن.
اهـ باختصار.
والقول الراجح المفتى به عندنا هو العمل بالحديث الذي سألت عنه، وأن
قراءة الفاتحة واجبة على
كل مُصَلٍّ.
وعليه :" فالخلاف بين فرضيتها وعدم فرضيتها في جميع الصلوات
فرضها ونافلتها. فهذا الذي تعطيه إشارة النص تبطل الصلاة إذا تعمد عدم
قراءة الفاتحة وهذا في العمد، وأما من سهى عنها حتى ركع فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه يتم صلاته ويسجد لتركها سجدتين قبل السلام، بناء على الخلاف في وجوب قراءتها في جميع الركعات، فبعضهم يوجب قراءتها في جميع الركعات، وبعضهم يوجب قراءتها في جل الركعات، فمن هذا الخلاف كانت الفاتحة أقل درجة في الفرضية من بقية أركان الصلاة كالركوع والرفع منه والسجود والرفع منه، فأعطي لها حكم ترك السنة المؤكدة، ولأجل الاحتياط لها أوجب المالكيون على تاركها في ركعة واحدة بعد سجود السهو أن يعيد تلك الصلاة مادام وقتها، والله أعلم.
حكم صلاة الإمام الذي لم يقرأ الفاتحة في صلاة العيد في الركعة الثانية
نقول أولاً للمحراب رهبته لأنه قد : "سمي المحراب محراباً لأن الإمام إذا قام فيه لم يأمن أن يلحن أو يخطئ، فهو خائف مكاناً كأنه مأوى الأسد،
والمحراب مأوى الأسد، يقال: دخل فلان على الأسد في محرابه، وغيله،
وعرينه"(ابن منظور في لسان العرب).
يُروى أن الإمام الكسائي و هو من هو ،صلّى مرّة باليزيدي"تلميذ أبي
عمرو البصري"، فتوقف عند قوله " قل يا أيها الكافرون "وارتج ، فكبر
وركع ..
فلمّا سلم
قال اليزيدي : أترتج "قل يا أيها الكافرون" على مقرئ الكوفة ؟
فقدِمتْ
صلاة أخرى ، فقدّموا اليزيدي وأمّ بالكسائي هذه المرة ..
فتوقف عند " الحمدلله رب العالمين" وارتج في الفاتحة .. !!
فلما سلّم قال الكسائي: " احفظ لسانك لا تقول فتبتلى إن البلاء موكل
بالمنطق
ونقول للذين اطلقوا لسانهم بالكلام العيب وبأن الصلاة باطلة دون الرجوع
للفتاوي الصحيحة أمسك عليك لسانك "فالصلاة صحيحة..
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى … إن البلاء موكل بالمنطق!
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم