
خير الناس للناس المؤمن بالله حقاً الدرس الخامس
من علامة الخيرية لأمة محمد صلي الله
عليه وسلم :" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفَاسِقُونَ"(آل عمران:110 ).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والإيمان بالله وبجميع ما أمره الله-تبارك
وتعالى- بالإيمان به. وتُؤْمِنُونَ بالله أى تصدقون وتذعنون بأنه
لا معبود بحق سواه، وتخلصون له العبادة والخضوع، وتطيعونه في كل ما أمركم به أو نهاكم
عنه على لسان رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم.
هذان هما الأمران اللذان يجب أن يتحققا لتكون هذه الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت
للناس لأن الأمة التي تهمل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا تؤمن بالله لا يمكن
أن تكون خير أمة بل لا توصف بالخيرية قط، لأنه لا خير إلا في الفضائل والحق
والعدل، ولا تقوم هذه الأمور إلا مع وجود الإيمان بالله وكثرة الدعاة إلى الخير
والناهين عن الشر، ويكون لدعوتهم آثارها القوية التي تحيا معها الفضائل وتزول بها
الرذائل.
فهذا الإيمان بالله هو الباعث للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، على أن يبلغوا
رسالات الله، دون أن يخشوا أحدا سواه.
وقيل: إنما أخر الإيمان على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مع تقدمه عليهما
وجودا ورتبة كما هو الظاهر، لأن الإيمان مشترك بين جميع الأمم دون الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر، فهما أظهر في الدلالة على الخيرية
للأمة الإسلامية.
ثم ذكر عقيب هذا الحكم هذه الطاعات أعنى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
والإيمان، فوجب كون تلك الخيرية معللة بهذه العبارات
.
وقال الإمام ابن كثير- بعد أن ساق بضعة عشر حديثا في فضل هذه الأمة: فهذه
الأحاديث في معنى قوله-تبارك وتعالى- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم
في هذا المدح، كما قال قتادة، بلغنا أن عمر بن الخطاب رأى من الناس دعة في حجة
حجها فقرأ هذه الآية.
الإيمان الصحيح بالله عز وجل وعبادته هو الأصل الذي مِنْ أجله خلق الله السماوات
والأرض، والجنة والنار، وخلق الخَلْق جميعا.. وللإيمان بالله في حياة المسلم آثاراً
عظيمة وكثيرة، فبالإيمان بالله عز وجل يعيش المسلم حياة طيبة، قال الله تعالى:"مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(النحل:97). قال ابن كثير: "هذا وعد من الله تعالى لِمَن عمل صالحا
ـ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه، من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه
مؤمن بالله ورسوله، وإن العمل الأمور به مشروع من عند الله ـ بأن يحييه حياة طيبة
في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة. والحياة الطيبة تشمل وجوه
الراحة مِنْ أي جهةٍ كانت".
مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو:"تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل
بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية" ، ومن أقوالهم في ذلك: قال
ابن عبد البر:"أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان
قول وعمل ولا عمل إلا بنية".
ومن حِكمة الشعر قول القائل:
إِيمَانُنَا عَقْدٌ وَقَوْلٌ وَعَمَلْ يَزِيدُهُ
البِرُّ وَيَنْقُصْهُ الزَّلَلْ
إن خير الناس للناس ذوعقيدة راسخة قوية فخير الناس يؤمن بالله إيماناً جازماً ولديه
التصديق التامُّ بالله تعالى وما جاء عنه، وما يجبُ له سبحانه، والإقرار برسالة نبيِّه
صلى الله عليه وسلم، وتصديقه والاتِّباع له في كلِّ ما شرَعه الله، وتحقيق ذلك نيَّةً
وقصدًا، وقولاً وعملاً بمقتضى ذلك، وتركًا لكلِّ ما ينقص كمالَ الإيمان الواجب أو يُنافِيه
ويُضادُّه، وقد بَيَّن الله تعالى جملةَ أصولِ الإيمان والعمل بقوله سبحانه وتعالى:" لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ"(البقرة: 177)، وقوله سبحانه:" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ"(القمر: 49)، وقوله تعالى:" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ
آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ"(البقرة: 285).
وخير الناس يعلم أن الإيمان الصادق حياة الأرواح وميدان الأفراح ويثق بأن راحة
النفس لا تتأتى إلَّا بالإيمان بالله جل وعز، ونفس غير مؤمنة ستبقى خائفة وتائه
وضعيفة لا استقرار لها. والإيمان الذي به النجاة هو الإيمان بالله، ومعناه التصديق
الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه الذي يستحق وحده أن يُفرد بالعبادة
من صلاة وصوم ودعاء ورجاء وخوف وذل وخضوع، وأنه المتصف بصفات الكمال
كلها، المنزه عن كل نقص وعيب جل وعز
ويتضمن الإيمان بالله الإيمان بملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهذا الإيمان هو أصل سعادة الإنسان، بل
هو جنة الدنيا للمؤمن، وخاتمته جنة الآخرة إن شاء الله. وجمَعَها
النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في إجابته على سُؤال جبرائيل عليه السلام عندما قال
له: ما الإيمان؟ فقال: "الإيمان: أنْ تُؤمِن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم
الآخِر، وتؤمنَ بالقدَر خيره وشرِّه"(البخاري).
الإيمان بالله نور إلى العدل، ونور إلى
الحرية، ونور إلى العلم والمعرفة، ونور إلى الهداية، ونور إلى السكينة والأمان الروحي.
وشرعًا: هو اعتقاد بالجنان، وقول باللسان،
وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان
وإذا عُلِمَ هذا، فليعلم أن أساس قبول العمل عند الله هو الإيمان؛ لقوله جل وعز:"فَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ
مُؤْمِنٌ"(الأنبياء: 94).
أهمية الإيمان
إن أفضل الأعمال عند الله وأزكاها هو الإيمان؛ لما رَوى أبو ذر رضى الله عنه من
سؤاله لرسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله " يارسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال
صلي الله عليه وسلم : الإيمان بالله والجهاد في سبيله"(مسلم)
وهو سبب للهداية والسعادة الدنيوية والأخروية، لقوله تعالي "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ
يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ"(الأنعام: 125). والإيمان صارف للمؤمن عن المعصية، لقوله
جل وعز:" إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ"
(الأعراف: 201). الإيمان شَرط لقبول العمل، قال الله تعالى:"وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"(الزمر: 65).
،فالإيمان الخَالِص يُبارك الله به العمل، ويتقبل
به الدعوات.
لذلك امتدح الله المؤمنين وخصص لهم
سورة باسمهم فقال تعالي:" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون وَالَّذِينَ هُم ْعَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُون وَالَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهِمْ حَافِظُونَ
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُون وَالَّذِينَ همْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ
فِيهَا خَالدُونَ "المؤمنون:1-11).
فالفلاح كل الفلاح في التمسك بتلك
الخصال وخير الناس للناس هو المؤمن بالله حقاً:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا
ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ
عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "(الأنفال /2-4).
وإلي لقاء آخر مع خير الناس للناس
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله
وصحبه وسلم