
خير الناس أَوْصَلُهُمْ
لِلرَّحِمِ.
الحلقة السادسة
الحمدلله
والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد
فيا عباد الله حديثنا إليكم اليوم عن خير الناس للناس ؛ وهم خير الناس عند
الله و هم أحب الناس إلى الله وهم الذين يصلون أرحامهم قال تعالى :"وَالَّذِينَ
يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ
سُوءَ الْحِسَابِ"(الرعد/ 21).
أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام
الذين يجب وصلهم
.فتش عن نفسك بين هؤلاء، وانظر أين موقعك
منهم :
عَنْ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي لَهَبٍ قَالَتْ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلي الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الناس خيرٌ؟ قال: خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَؤُهُمْ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ، وَآمَرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ،وَأَنْهَاهُمْ
عَنِ الْمُنْكَرِ،وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ"(أحمدوالطبراني).
وحديث درّة هذا شاهدٌ لما دلَّت عليه الآية الكريمة؛ لأنَّ صلةَ الرحم داخلةٌ في الآية
الكريمة . فهذه عادة اجتماعية.. وعبادة جليلة.. بتطبيقها تستقيم المجتمعات, وبالتفريط
فيها تتفكك وتدب فيها الآفات.. أمر الله بها في كتابه, وحث عليها رسوله صلى الله
عليه وسلم, ومارسها واقعًا عمليًّا, اشتكت إلى الله تعالى.. فأجابها ربنا جل وعلا.. أما
تَرْضَيْنَ
أن أَصِلَ من وصَلَك، وأقطَعَ مَن قطَعَك؟ إنها صلة الرحم.
والرحم مشتقة من الرحمة.. والتي تشمل معاني الرقة والعطف والرأفة, فهي دائرة بين
أن تَرحم أو تُرحم.
وخير الناس للناس الواصل لرحمه لأنه علم يقيناً أن لصلةِ الرحم الفوائد الجمة : فقد
ذكرها الله في كتابه إثني عشر مرة, بل تكرر في موضعين من كتاب الله قولُه
تعالي:"وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى
بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ"(الأنفال: 75).
وأثنى على من يصل رحمه, وجعل صلة الرحم من صفات المؤمنين :"وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا
أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ"(الرعد: 21).
وأوصى صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم وإن كان القريب مشركًا,فعن أسماء بنت أبي
بكر قالت: قدِمَتْ أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم, إذ عاهدوا النبي صلى الله
عليه وسلم مع أبيها, فاستفتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إن أمي قدِمَت وهي
راغبة "يعني
في صلتها", قال: "نعم, صلي أمك"(البخاري).
عباد الله :" وخير الناس علم جيداً أن صلةُ الرحم سبب لدخول الجنة:" قال صلى الله
عليه وسلم للسائل عن عمل يدخله الجنة ويباعده من النار؟ :"تعبدُ الله لا تشركُ به
شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتصل الرحم"(البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام
وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة
بسلام"(الترمذي).
وعلم أن صلة الرحم فيها الاقتداء بالنبي
صلى الله عليه وسلم.
ففي قصة بدايةِ الوحي لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم خائفاً قالت له زوجته
خديجة: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك
لتصل الرحم.."(البخاري).
وخير الناس للناس الواصل لرحمه قوي الإيمان فصلة الرحم تدل على قوة الأيمان بالله
واليوم الآخر.
قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"(البخاري).
وخير الناس للناس يبارك الله له في عمره ويحسن عمله ويوسع رزقه لأن صلة الرحم
سببٌ لزيادة العمر وبسط الرزق.قال صلى الله عليه وسلم :"من أحب أن يبسط له في
رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"(البخاري ومسلم).
وصلة الرحم تدفع سوءَ الخاتمة, قال صلى الله عليه وسلم: "من سرَّه أن يمد له في
عُمُره, ويوسَّع له في رزقه, ويُدفع عنه
ميتةُ السوء, فليتق الله وليصل رحمه"(أحمد).
وخير الناس ماوصل رحمه إلا لعلمه أن الواصلين لأرحامهم يصلهم الله.. والقاطعين لها
يقطعهم الله, لقوله صلى الله عليه وسلم : "إنَّ اللَّهَ خلقَ الخلقَ, حتَّى إذا فرغَ من خلقِهِ
قالتِ الرَّحِمُ: هذا مقامُ العائذِ بكَ منَ القطيعةِ, قالَ: نعَم؛ أما ترضِينَ أن أصلَ من وصلَكِ,
وأقطعَ من قطعَكِ, قالت: بلى يا ربِّ, قالَ: فهوَ لكِ" قالَ صلى الله عليه وسلم :"فاقرؤوا
إن شِئتُمْ "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ"(محمد/22- البخاري ومسلم).
وقيل: إن معنى زيادة العمر وبسط الرزق أن يبارك الله في عمر الإنسان ورزقه فيعمل
في وقته ما لا يعمله غيره فيه.
أيها الكرام.. وخير الناس للناس علم أنه إذا كانَ لصلةِ الرحمِ فضائل، فلقطيعةِ الرحم
عقوباتٍ في الدنيا والآخرة..
فعلم خير الناس يقيناً أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل
الجنة قاطع".(البخاري ومسلم).
وليس معنى الحديث أن قاطع الرحم كافر بل المعنى لا يدخلها مع السابقين فيتأخر عن
دخولها بسبب تعذيبه في النار إن لم تشمله رحمة
الله.
وخير الناس واصل رحمه علم أن قاطع الرحم لا يقبل عمله فوصلها لقوله صلى الله
عليه وسلم: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع
رحم"(أحمد).
عباد الله :" وخير الناس للناس عرف الأسباب التي تجعل المسلم يقطع رحمه فاجتنبها
وهي :"الجهلُ بفضل صلة الرحم. ضعفُ الدين، وبالتالي يزهدُ بالثوابِ على صلة
الرحم،
ولا يأبه للعقاب على قطيعتها.
وخير الناس ليس متكبراً فعندما يكون غنياً أو آتاه الله منصباً رفيعاً أو جاهاً عريضاً فلم
يستكبر أن يبادر هو بصلة رحمه.
خير الناس للناس لم يقم بتأخيرُ قسمةِ الميراث حتي لا يسبب العداوة بين أصحاب الإرث
من الأسرةِ الواحدة، وحتي لا يتهم كلُ واحد الآخر
أنه يريد أن يأكل ميراثه.
وخير الناس للناس تفادي كل أسباب القطيعة: ومنها الحسد والحقد : فقد يكون في
العائلة من له مكانته في العائلة فيحسده بعض أفراد العائلة
على ما آتاه الله من فضله.
ومنها عدمُ الاحترامِ المتبادل بين أفراد العائلة وربما أدى ذلك إلى التقاطع، فالذي يسخر
منه ويستهزأ به عند اجتماع العائلة
لن يأتي إلى هذا الاجتماعِ مرةً أخرى.
ومن ذلك: سوءُ الظن: فبعض الأقارب يسيء الظن بأقاربه عند أدنى موقف، والواجب
هو حسن الظن. وقد يكون السبب من بعض الزوجات: إذ أن هناك من الزوجات من
تنفر زوجها من أقاربه، ولا تريدهم فتقولُ وتعملُ ما يجعل هذا الزوج ينفر من أرحامه.
فاحذر من زوجتك إن كانت تزهدك في صلةِ أقاربك.
عباد الله فخير الناس هذا واصل رحمه
حافظ علي وسائل جعلته في هذه المنزلة خير الناس
فواظب علي أمور منها:"الزيارة.والاتصال. والمراسلة. ودعوتهم للمناسبات. وإصلاحُ
ذاتِ البين من المتخاصمينَ منهم. كل واحدٍ منا ربما واجه من قريبه بعضَ الأذى ولكن
أين الذي يعفو ويصفح ويتجاوز عن الخطأ؟.
فخير الناس تحمل إساءة أقاربه فلم يقطعهم ، ولم يسقط حقهم عليه في الصلة، لعلمه
أن صلة الرحم ليست من باب المكافأة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس الواصل
بالمكافئ، إنما
الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. "(البخاري).
وخير الناس للناس إذا كان قد اجتنب بعض أقاربه لسوءأدبه وعدم احترامه ولعلمه أن
صلته سيترتب عليها ضرر كبير محقق كالاستهزاء والسخرية والإهانة والتقليل من
الشأن ، فلا إثم عليك في قطيعتهم حينئذ، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز
الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة
تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية.
اهـ.
وخير الناس للناس كان دائماً يتحلي بالصبر على إساءة أقاربه واحتساب أجر ذلك عند
الله، لعلمه أن من وصل ذوي رحمه المسيئين، فإن الله عز وجل يعينه عليهم ويكفيه
إياهم، فعن أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني،
وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: لئن كنت كما قلت،
فكأنما تسفهم المل, ولا يزال معك من الله ظهيرعليهم ما دمت على ذلك"(مسلم).
لا خير في قربى بِغَيرِ مَودَّةٍ *** ولرب
منتفع بودّ أباعد
وإذاالقرابة أقبلت بِمَودةٍ *** فاشدد لهاكفّ
القَبُولِ بِسَاعد
وخير الناس للناس يدفع شر من أساء إليه بالإحسان إليه ما استطاع، فالإحسان يصير
العدو ولياً، كما قال تعالي:" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ "(فصلت:34).
اللهم أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار
وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله
وصحبه وسلم