البيت الذي لاتدخله الملائكة إلا مرة واحدة
كعبة الملائكة في السماء البيت المعمور
قال الله تعالى في محكم تنزيله :"وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ" (الطور: 4)، والبيت المعمور هو بيت يكافئ البيت الحرام (الكعبة) لكنه ليس مثلها على الأرض، بل هو في السماء يطوف حوله الملائكة، فيدخله في اليوم سبعون ألف ملك من الملائكة فلا يعودون له أبداً،
البيت المعمور هو بيت عظيمٌ يوجد في السماء السابعة بالتحديد، كما الكعبة للأرض هو للسماء، والملائكة تقصده للتعبد، فتقصده ولا تعود وهذا دلالة على عددهم الهائل، والبيت المعمور بحيال الكعبة وهذا يتحمل معنيين، فإما أنه فوقها أو أن الكعبة بنية على هيئة البيت المعمور وكما عمرها أهل الأرض عمر البيت المعمور أهل السماء، والبيت المعمور أيضاً حيال العرش، أسفل العرش وعلى استقامته، وهو لأهل السماء كما الكعبة لأهل الأرض، مسجد أهل السماء ومقصد للتعبد والصلاة فيه لله تعالى.
موقع البيت المعمور
إذاً فالبيت المعمور في السماء السابعة أبعد من كلّ الأجرام التي نستطيع رؤيتها، ويشبه الكعبة في شكله، وقال رسول الله:"حيال الكعبة تماماً حتى لو خرَّ لخرَّ فوقها". وقد قال أنّ تحت الكعبة ستة أرضين وفوقها سبع سماوات، وقال في موضع آخر:"يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء"،
ونص الحديث :"َفأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ مِنْ ابْنٍ وَنَبِيٍّ فَرُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ". جاء في صحيح البخاري أيضاً الرواية الثانية:"ثم رُفِعَ لِيَ البيتُ المَعْمُور، يدخلُه كلَّ يَومٍ سَبْعُونَ ألف مَلَك" دون زيادة.
ماهو شكل البيت المعمور
الحقُّ أننا لا نعلم؛ ولكن نُدرك أنه بحدِّ ذاته من الآيات الكبرى؛ لأن الله تعالى أقسم به، وهو سبحانه لا يُقْسم إلا بعظيم؛ قال سبحانه: "وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ"[الطور: 1 - 7].
وهذا يعني أن هذا آخر ما على الملائكة من دخول، فقد كتب الله بذلك عليهم الدخول إلى البيت المعمور مرَّة واحدة فقط، وهذا يُذَكِّرنا بفريضة الحجِّ إلى بيت الله الحرام في الدنيا؛ حيث إنه كُتِب على المستطيع مرَّة واحدة في العمر، غير أننا يمكن أن ندخل البيت الحرام مرارًا بعد حجِّنا الأول؛ بينما لا يدخل الملائكة البيت المعمور إلا مرَّة واحدة فقط! قال جبريل عليه السلام: "إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ"، وأكَّد ذلك بتأبيد عدم العودة كما جاء في رواية النسائي: "إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ أَبَدًا"(النسائي).
ولعلَّ التفكير في عدد الملائكة التي خلقها الله تعالى يُلقي الرهبة والخشوع والخضوع لله سبحانه، فمنذ خلق الله البيت المعمور والملائكة تدخله، ومع ذلك فهم لا ينتهون! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلهِ .." [الترمذي].
وجاء في الحديث أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يوم صعد إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج فشاهده ليسأل جبريل عليه السلام عنه، فأخبره عن اسمه وعن الملائكة التي تدخله ولا تخرج منه.
كم مرة رأي الرسول البيت المعمور ؟
في رحلة الإسراء والمعراج ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام مُسْنِدًا ظهره إلى البيت المعمور، ودار حينئذٍ حوار بينهما؛ وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى البيت المعمور أثناء هذا اللقاء.
ومع ذلك فإن هذه المرحلة من الرحلة شهدت رؤية جديدة للبيت المعمور! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ رُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ". وفي رواية مسلم: "ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ".
إذن هي رؤيتان للبيت المعمور: الأولى بشكل عابر عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَلِّم على أبيه إبراهيم عليه السلام، والثانية بشكل أتمَّ وأوضح بعد صعوده إلى سدرة المنتهى، وهذا واضح من السياق؛ حيث استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف العطف "ثمَّ" ليُفيد الترتيب، ويُؤَكِّد ذلك أنه سأل في المرَّة الأولى عن إبراهيم عليه السلام، وسأل في المرَّة الثانية عن البيت المعمور؛ فهذان موقفان مختلفان.
لقد كان المعنِيُّ بالزيارة في المرَّة الأولى هو إبراهيم ؛ لذا كان التركيز عليه، والسؤال عنه، وكان ارتكانه على البيت المعمور واضحًا؛ لكن لم يأخذ هذا البيت العظيم حقه في التعريف؛ ومن ثَمَّ كانت الرؤية الثانية الخالصة له.
كما يبدو أن حجم هذا البيت كبير للغاية، فرُفع -أي قُرِّب- لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يراه، فكأنه لا يستطيع أن يراه كاملاً في نظرة واحدة، وهذا يُفسِّر سؤاله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام عنه؛ مع أنه رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام مسندًا ظهره إليه، ولا شكَّ أن بيتًا يستوعب سبعين ألف ملك يوميًّا بيتٌ كبير!
لقد ذكر البيت المعمور في الحديث الشريف فأخرجه الطبري عن قتادة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:" البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو
خر لخر عليها يدخله سبعون ألف ملك كلّ يوم إذا خرجوا منه لم يعودوا" وأخرج
الطبريّ أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال : والبيت المعمور هو بيت حذاء
العرش تعمره الملائكة يصلي فيه كلّ يوم سبعون ألفاً من الملائكة، ثمّ لا يعودون إليه".