
الرد علي شبهات منكري السنة النبوية
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فمن نبؤات الرسول صلي الله عليه وسلم أنه سيأتي زمان يرد فيه البعض حديثه ووصفهم الرسول صلي الله عليه وسلم بصفات هي في هؤلاء الذين يحاربون سنة رسول الله من أجل دراهم معدودة أو كرسي زائل
فقال صلي الله عليه
وسلم :"يوشِكُ أنْ يقعُدَ الرجلُ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ ، يُحَدَّثُ بحديثٍ
مِنْ حديثي ، فيقولُ : بينَنَا وبينَكُمْ كتابُ اللهِ ، فما وجدْنا فيه مِنْ حلالٍ
اسْتَحْلَلْناهُ ، وما وجدَنا فيه مِنْ حرامٍ حرَّمْناهُ ، ألَا وإِنَّ ما حرَّمَ رسولُ
اللهِ مثلَ ما حرَّمَ اللهُ"( ابن ماجه،وأحمد باختلاف يسير).
وفي رواية أخري :" ألَا
هلْ عسى رجلٌ يبلغُه الحديثَ عنِّي وهوَ متكئٌ على أريكتِهِ ، فيقولُ :"بيننا
وبينكم كتابُ اللهِ ، فما وجدنَا فيهِ حلالًا استحللنَاهُ ، وما وجدنا فيهِ حرامًا
حرمناهُ ، وإنْ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ كمَّا حرَّمَ اللهُ"(الترمذي).
السُّنَّةُ النبويَّةُ الصَّحيحةُ
وحيٌ مِن اللهِ تعالى؛ فالقرآنُ هو الوحيُ المتلوُّ المتعبَّدُ بتلاوتِه، والسُّنةُ
الصَّحيحةُ هي مِن الوحيِ غيرِ المتلوِّ، ولكنَّنا مُكلَّفون باتِّباعِ ما ورَد فيها؛
فالسنَّةُ مفسِّرةٌ وموضِّحةٌ للقرآنِ، ومُخصِّصةٌ ومقيِّدةٌ لبعضِ ما فيه؛ فليس لأحدٍ
أنْ يَزعُم الاكتفاءَ بالقرآنِ عن السُّنَّةِ المُطهَّرةِ؛ أو ينفي حديثاً بحجة
أنه قيل في زمن غير زماننا ولو كان الرسول بيننا ماقاله ..الخ .هذه الافتراءات ..
فالواجبُ تعظيمُ سُنَّةِ النبيِّ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَعْرِفةُ قَدْرِها، والالتِزامُ بها، وعدمُ إنكارِها.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "ألَا هلْ عسى"، أي: قد اقْتَرَبَ زمانٌ أنْ يكونَ هناك "رَجُلٌ يَبْلُغُهُ"، أي: يُتَحَدَّثُ إليه بالحديثِ "عَنِّي" أي: عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ وَصَفَ النبيُّ صلي الله عليه وسَّلمُ حالَ هذا الرَّجُلِ مِنَ التَّرَفِ والبَطَرِ والإعجابِ برأيهِ،
فقال: "وهو مُتَّكِئ" أي: جالِسٌ على "أَرِيكتِهِ" وهي فِراشُهُ، فيقولُ :"بيننا وبينكُمْ كِتابُ اللهِ"، أي: إنَّ الذي يَفْصِلُ بيننا وبينكم في أمورِ الدِّينِ هو القرآنُ الكريمُ كِتابُ اللهِ؛ فهوَ يَكْفينا "فما وَجَدْنا فيه" أي: في القُرآنِ "حلالًا"، أي: أباحَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِه "اسْتَحْللناهُ"، أي: عمِلْنا بِهِ واسْتَعْمَلناهُ، وما وَجَدْنا فيه "حرامًا"، أي: ما مَنَعَهُ اللهُ على عِبادِهِ أنْ يَفْعلوهُ "حرَّمناهُ" أي: ابْتَعَدْنا عنه واجْتَنبناهُ،
ثمَّ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وإنَّ ما حرَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم" أي: وكلُّ شيءٍ حرَّمَهُ رسولُ اللهِ أو نَهى عنهُ في سُنَّتِهِ
"كما حرَّمَ اللهُ"، أي: هو في الحُكْمِ مِثْل ما حرَّمَهُ اللهُ في كتابِهِ؛
لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُبلِّغُ عن رَبِّهِ وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
لا يَنْطِقُ عن الهوى، إنْ هو إلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
في الحديث: بيانُ أَهمِّيَّةِ
السُّنَّةِ النَّبويَّةِ.وفيه: إخبارُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن شيءٍ لَمْ
يَقَعْ في زَمَنِ الصَّحابةِ، وسيَقعُ في المستقبلِ، وهو مِن دَلائلِ نُبوَّتِه الشَّريفةِ.
وجوب التأسي به صلي الله عليه وسلم .
عباد الله :" ومن مظاهر التكريم
للنبي الخاتم صلي الله عليه وسلم أن الله عزوجل أوجب التأسي والاقتداء به فقال تعالي
:"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"(الأحزاب/21). وهذه الآية
أصل كبير في وجوب التأسي برسول الله صلي الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله
,ولهذا أمر تبارك وتعالي الناس بالتأسي بالنبي صلي الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره
ومصا برته ومرابطته ومجاهدته ,وانتظاره الفرج من ربه عزوجل ,مع أخذه بالأسباب في حفر
الخندق ومشاركته بنفسه في أعمال الحفر الشاقة.
فقال تعالي للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب :"لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .."(الأحزاب/21).أي هلا اقتديتم
به وتأسيتم بشمائله صلي الله عليه وسلم ؟!
والتأسي بالنبي هو :أن نفعل مثلما فعل علي الوجه الذي فعل ,من وجوب أو ندب وأن
نترك ما تركه أو نهي عنه من محرم أو مكروه ,كما يشمل التأسي به :التأدب بآدابه والتخلق
بأخلاقه صلي الله عليه وسلم وعلي ذلك فالتأسي والاقتداء شامل لكافة أمور الدين .
فإذا قال الرسول قولاً,قلنا به وإذا فعل الرسول فعلاً ,فعلنا مثله ,وإذا ترك
الرسول شيئاً تركناه فيما لم يكن خاصاً به ,وإذا عظم شيئاً عظمناه,وإذا حقر شيئاً حقرناه,وإذا
رضي لنا أمراً رضينا به,وإذا وقف بنا عند حد ,وقفنا عنده ولم يكن لنا أن نقدم عليه
أو نتأخر عنه ."قدر استطاعتنا..وعلي الجملة يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم
:" دعوني ما تركتكم,إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم.فإذا
نهيتكم عن شئ فاجتنبوه,وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".( البخاري ومسلم
وأحمد).
منطقه وحياً وصدقاً
ومن مظاهر التكريم من الله عزوجل لنبيه صلي الله عليه وسلم أنه لا ينطق عن الهوى
قال تعالي :"وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"(النجم/4,3).
أي ما يقول قولاً عن هوى وغرض "إن هو إلا وحي يوحى " أي إنما يقول
ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملاً موفوراً من غير زيادة ولا نقصان كما روى الإمام أحمد
عن عبد الله بن عمرو قال :"كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا : إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله
عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب فأمسكت عن الكتاب فذكرت
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا
الحق "(أحمد وأبو داود وفي بعض الروايات : بشر يتكلم في الرضى والغضب ) .وقال
صلى الله عليه وسلم :"ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه "
( أخرجه الحافظ البزار ) . وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
:" لا أقول إلا حقاً" قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟ قال
: " إني لا أقول إلا حقاً " (أحمد" (المرجع السابق).
الخلاصة :"
أن من قال
بغير ذلك فقد أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فالله عز وجل يقول "وَما آتاكُمُ
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقابِ" (الحشر: 7)
قال الحافظ ابن كثير:
" أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير
وإنما ينهى عن شر" .
وهناك جملة من الأحاديث الصحيحة التي تبين لنا أن الاتباع والاقتداء به صلي الله عليه وسلم واجب وأن البعد عن سنته مخالفة شنيعة وشر، يقول صلي الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه؛ فهو رد"(متفق عليه).
وفي لفظ أخر:" من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد"(مسلم ).
وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا
رسول الله ، كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال :" أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة
، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين ، عضّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل
بدعة ضلالة"(أبو داود والترمذي ).
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..
وصلي اللهم علي سيدنا
محمد وعلي آله وصحبه وسلم .