الزكاة الفريضة المهجورة
الحمد لله رب العالمين.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم. أما بعــد..فيا أيها المؤمنون حديثنا إليكم اليوم عن:"الزكاة الفريضة المهجورةفقدهجرت الزكاة وصارت غرماً ثقيلاً علي المسلم وقد عد الرسول هذا الأمر علامة من علامات الساعة الصغرى قال صلى الله عليه وسلم:"إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء"، فقيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المَغْنَمُ دُولًا،والأمانة مغنمًا،والزكاة مغرمًا، .."(الترمذي).
عباد الله:"ومع أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وقرنت بالصلاة في القرآن أكثر من خمس وثمانين مرة قال تعالي:" وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ"﴿٤٣ البقرة﴾;"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ"﴿٨٣ البقرة﴾; "فنجدأن الإنسان يبخل بها مع أن المال ليس ماله والمال مال الله قال تعالي:"آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ "(الحديد/7).
وقال تعالي:"وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(المعارج:24-25).
وإذا ماأنفق الإنسان لله كان له الجزاء الأوفي في الدنيا والآخرة:"الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة / 274).
عباد الله:"والزكاة ركن الإسلام الثالث الذي لايقوم الإسلام إلا به قال صلي الله عليه وسلم:"بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ"(البخاري).
عباد الله:"وللزكاة منزلة عظيمة فهي عبادة قديمة عرفت في الرسالات السابقة ذكرها الله تعالي في وصاياه إلي رسله فيقول:"وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ"(الأنبياء/ 73).
ويتحدث عن إسماعيل فيقول:"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا" (مريم/54 – 55).
ومن صفات عمار بيوت الله قال تعالي :" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"(18/التوبة).
واعتبرها من أخص خصائص المجتمع الإيماني الذي حقق الله له الفلاح في الدنيا والفردوس في الآخرة. قال تعالي:"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ"(المؤمنون/1-4).
عباد الله :"الزكاة في الإسلام ليست "تبرعاً" يتفضل به غني على فقير أو يحسن به واجد على معدوم، و ليست تفضلاً وإحساناً من إنسان إلى آخر وإنما هي “حق معلوم” كما قال الله تعالي. فهي حق لثلاث:ـ
ـ أولا:"هي حق الله تعالى، فالله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون أرضه وسمائه، والمال في الحقيقة ماله، لأنه خالقه وواهبه وميسر سبله، ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه."أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ"(الواقعة/63-64).
ثانياً :"وهي حق للفقير بوصفه أخا للغني في الدين والإنسانية، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضه بعضا، بل كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله:":"وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(المعارج/24-25)
ثالثاً:ــ والزكاة مع أنها حق الفقير فهي حق المجتمع أيضا، فالإنسان لم يكسب المال بجهده وحده، بل شاركت فيه جهود وأفكار وأيد كثيرة، بعضها عن قصد، وبعضها عن غير قصد، بعضها ساهم من قريب، وبعضها ساهم من بعيد، وكلها أسباب عاونت في وصول المال إلى ذي المال،
إخوة الإيمان:"وقد شُرعت الزّكاة بغرض تحقيق العديد من المقاصد المعنوية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفرد والمجتمع المسلم. ومن هذه الأهداف:
ـ تطهير نفس المزكي من الشّحّ ومن عبادة المال وتقديسه قال تعالي:"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواتِكَ سَكَنٌ لّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"(التوبة:102).وقال صلى الله عليه وسلم"والصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ"(صحيح الترغيب).
وتعدّ زكاة المال عصب النِّظام الاقتصادي الإسلامي، ففيها الحلول للمشكلات الاقتصادية المعاصرة والّتي فشلت النّظم الاقتصادية الوضعية في علاجها، ومن بين هذه المشكلات مشكلة تكدّس الأموال في يد فئة قليلة من النّاس ماأدّى إلى زيادة الفوارق بين الطبقات.
عباد الله :"أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم أو كماقال..
الخطبة الثانية:"
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد فياعباد الله لازلنا نواصل الحديث حول فرضية الزكاة الفريضة المهجورة ففريضة الزكاة من الفرائض التي هجرت وصارت غرماً ثقيلاً علي المسلم
فهؤلاء الذين بخلوا بمال الله علي عيال الله وكنزوا المال فليعلموا أن أشدأنواع العذاب في الآخرة هو عذاب المال:"وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ"(التوبة/34-35). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ.."( مسلم).
عباد الله:"إن منع الزكاة بخلاً بها وحرصاً وجشعاً من أكبر الكبائر وأقبح الجرائم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك" ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية:"وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير"(آل عمران/180).(البخاري).
هذا بالنسبة لعقوبته الأخروية. أما بالنسبة للعقوبة الدنيوية فهي أصناف كثيرة ومتنوعة منها: ما يسلطه الله تعالى على العبد مما لا دخل لغيره فيه، يقول صلى الله عليه وسلم:"ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين -المجاعة والقحط-"وشدة المؤنة –غلاء الأسعار وجور السلطان..(الطبراني).ومنها:"ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا"( ابن ماجه).
عباد الله:"ولوأنناأخرجنا الزكاة في وقتها كما قال تعالي:"وآتُواحَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ"(الأنعام/141). لكان ذلك رحمة بالفقراء والمساكين من ذل العوذ والحاجة .. ولو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولامغبون ولامهضوم و لوجد الإنسان ضالته من العطف والرحمة ووجد المجتمع ضالته من السعادة والهناء وما وجدنا في الطريق سائلاً ولا في البيوت عاطلاً ولاعلي المقاهي والكافيهات متردداً ولافي الأسواق سارقاً ولامن المال العام مختلساً ولأقفرت الجفون من المدامع ولا اطمأنت الجنوب في المضاجع ولمحت الرحمة والمواساة البؤس والشقاء من المجتمع كما يمحو الصباح مداد الظلام ..
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
عباد الله أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم وقوموا إلي صلاتكم يرحمكم الله وأقم الصلاة..